ذكرني المانشيت الرئيسي لصحيفة التحرير، التي يرأسها إبراهيم عيسى: الأخوان يكرهون مصر بمانشيت كبير لصحيفة الدستور قبل خمسة أعوام، عندما كان ابراهيم عيسى رئيس تحريرها. في ذلك الزمن صرخ ميمي الشربيني، المعلق الرياضي والمذيع المعروف، بأعلى صوته مع فوز منتخب مصر على منتخب كودفوار، ساحل العاج: ربنا بيحبك يا مصر. صباح اليوم التالي كان مانشيت الدستور الرئيسي: إذا كان ربنا بيحب مصر، طب بيكره كودفوار ليه؟ كان هذا التعليق الذكي يمثل وعياًً متقدماً، حضارياً، لصحيفة الدستور فيما يخص الموقف من الدين، الأخلاق، البشرية، والإعلام، ... راهناً.. يبيع الإعلام المصري قصصاً ركيكة للمتلقين البسطاء في مصر، مضحياً بسمعته ومهنيته، غير مكترث لحقيقة أن كل هذه التفاهات تفطس من الضحك خارج الحدود. صحيفة الواشنطون بوست علقت قبل مدة قصيرة على غياب الخيال، وهبوط مستوى الذكاء في تعاطي الاعلام المصري مع السياسة.. مثلاً هذا النهار، المانشيت الرئيسي لليوم السابع: التنظيم السري يبتدئ الفوضى برعاية أوباما.. هذا المستوى من الغباء والاستهتار بقيم المهنة وقواعدها ليس فقط استثنائي وتاريخي، بل غير قابل للتكرار! في 2008 كتبت تقريراً لصحيفة المصدر من القاهرة بعنوان " مصر على بكرة أبيها ضد غزة". في تلك اللحظات، الرصاص المصبوب، كان منسوب المنطق الإعلامي المناهض للحرب في إسرائيل أعلى من مصر. وكان المحتجون ضد الرصاص المصبوب من إعلاميي، ووسائل إعلام إسرائيل، أكثر من نظرائهم في القاهرة. ذكرت شواهد كثيرة. وفي طريقي، في ندوة ثقافية في نقابة الصخفيبن التقيت صحفياً سورياً، كان قادماً من دولة خليجية. قال لي: قرأت تقريرك، أنا لا أطيق حماس، لكن ما يمارسه الإعلام المصري جريمة تاريخية مرعبة.. مثلاً، قبل أيام يظهر محمود سعد على الشاسة. يقرأ نص حوار من صحيفة الوطن. الحوار مكتوب بخيال بطيء وركيك. يقول كاتب الحوار إنه زار جهة سيادية فعرضوا عليه فيديو لآخر لقاء جمع السيسي بمرسي.. ثم ينقل نص الحوار الافتراضي. الاعلامي محمود سعد كان مندهشاً وهو يقرأ الحوار، موقناً وسعيداً. وكانت زميلته في الاستوديو تصدر التناهيد عند مقاطع بعينها. عندما يعرض هذا الحوار على طالب في الثانوية العامة خارج مصر سينفجر ضحكاً هستيرياً. أما في ألمانيا فستسمع جملة: "لا تعرض هذه القصص على طلبة الابتدائية كي تفقدهم الثقة بعقلك".. هذا المستوى الرديء من الأداء والأخلاق منح قناة الجزيرة الفرصة في أن تتقدم بنسبة 34% في المشاهدة على إجمالي قنوات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مجتمعة، في أحدث استطلاع دولي قبل شهرين. الجزيرة التي عندما لا تكون مهنية، فإنها تكون لا مهنية بمنتهى المهنية. قلت هذه الجملة لصديقي حسين اللسواس في 2010 في صنعاء، فأعجبته، وأعيدها الآن.. مصر "النهار ده".. بلا عقل، بلا شرف.. أما عن الإخوان فقد كتبت أكواماً حتى الآن. نحن هنا ندافع عن مواطنين لهم الحق في اختيار الطريقة التي يفكرون بهاً يجري اغتيالهم معنوياً ثم يطلق عليهم الرصاص، يعتدى على وجودهم الحيوي، والفيزيائي. بينما تصدر وزارة الداخلية بياناً يحصي فقط قتلى الأمن، غير معنية بالمصريين الآخرين الذين قتلتهم. على طريقة نص الرسالة التي بعثتها الفنانة الكبيرة رغد لبشار الأسد: أخاطبك كقائد وأخ، أما آن للكيماوي أن يستشيط؟ هيا، انزع الجنسية وعلق المشانق في الشوارع، هيا. لا بأس أن يسقط آلاف القتلى للوصول إلى إرهابي واحد. لا بد أن تعمد سوريا بالدم، لكي تنجو. لا نريد أن نريد بيوتاً، نريد فقط سوريا. هذه هي الصورة الفاجعة لزمن الربيع العربي، الربيع من الجهة الأخرى.. الربيع الذي يسيل بداخله دم سام، لا يأبه لفكرة الحياة. دم من زمن ما قبل الكتابة والضمير.. العراق مثال آخر! ففي يوليو الماضي سقط ألف قتيل.. الهي، إني وضعي غير خاف..