"من دون حرية ليس لدينا أسماء".. ميلتون أكوردا مصر تغيرت، لم يعد مسموحاً إلا بلحن واحد، الجميع يقف صفاً واحداً لترديد نشيد الانقلاب، حتى أولئك الذين يملكون تاريخاً مشرفاً قرروا أن يكونوا جزءاً من هذا المشهد البائس. أما الأشخاص الذين عبروا عن عدم ارتياحهم للطريقة التي يتم فيها العزف، فإنهم يتعرضون لحملات تشويه غير مسبوقة، ولا يتم السماح لهم بالدفاع عن أنفسهم. على سبيل المثال، لم يعد بمقدور حركة ثورية مهمة مثل حركة شباب 6 أبريل أن تنظم مسيرات احتجاجية ضد ما تعتقد أنها سياسات خاطئة، ففي عهد الرئيس المصري المعزول محمد مرسي قامت الحركة بمسيرة وضعت فيها البرسيم أمام منزله بقصد إهانته، كما قامت بعمل وقفة بالملابس الداخلية أمام منزل وزير الداخلية الحالي، كان لدى شباب أبريل الحرية في فعل أي شيء. الآن وفي عصر الديمقراطية العسكرية، لا شيء. فقد تراجعت حركة 6 أبريل عن تنظيم وقفة احتجاجية اعتراضاً على إخلاء سبيل الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك تحت شعارات واهية، إنه الخوف. في عهد مرسي كان أعضاء 6 أبريل ضيوفا دائمين على وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، أما اليوم، فإن الحركة تواجه سيلاً من الشتائم في وسائل الإعلام ولا يُسمح لها بالدفاع عن نفسها رغم أنها من مؤيدي الانقلاب، الأمر الذي دعاها للقول إن الرقيب العسكري يسيطر على الإعلام، فالشاشات لا يملؤها إلا أعداء ثورة 25 يناير.. يملؤون آذان المشاهدين وأبصارهم بالتشويه والتجريح والسب والقذف المباشر دون رادع، تقول الحركة. لنأخذ مثالاً آخر على استبداد الانقلاب، عمرو حمزاوي القيادي في جبهة الإنقاذ، كان أكثر السياسيين تواجداً في وسائل الإعلام، وكان هذا الأمر يثير سعادة بالغة لدى كل شخص لا يوافق على سياسات الرئيس مرسي. اليوم، يتعرض حمزاوي لعملية اغتيال معنوي بسبب إبدائه ملاحظات على السياسات التي تتبناها سلطة الانقلاب والتي تؤدي لضرب تجربة الديمقراطية الوليدة في مصر، كما يتعرض لإقصاء من وسائل الإعلام التي كانت تحرص على استضافته بشكل دائم. يلخص حمزاوي المسألة في أن المساحة الإعلامية المتاحة له ولغيره من المدافعين عن الحريات وحقوق الإنسان ضاقت بشدة. يدرك حمزاوي وغيره من معارضي مرسي أنهم كانوا أحراراً، وكان يمكنهم قول ما يريدونه دونما خوف. على مدى الشهور الماضية، خصص شخص مثل باسم يوسف برنامجه للسخرية من الرئيس مرسي، وقدمت راقصة سيئة السمعة تدعى سماء المصري وصلات ردح في مرسي والإخوان، ولم يحدث لهما شيء. اليوم، لم يعد بإمكان باسم يوسف السخرية من الحكام الجدد، لم يعد يستطيع أن يكون بطلاً. عظمة مرسي أنه جعل الحرية حقيقة، وأتاح الفرصة أمام الجميع ليكون بطلاً، أما خصومه الذين يقدمون أنفسهم على أنهم تقدميون وعصريون، فقد تمت في عهدهم كل الموبقات ابتداءاً من القتل، وانتهاءاً بالتضييق على الحريات على نحو غير مسبوق للدرجة التي يقول فيها تقرير لوكالة رويترز العالمية إن مناخا من الخوف ساهم في إذعان المصريين خلال حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك على مدى 30 عاماً قد تسلل إلى الحياة اليومية من جديد. في عصور الانقلاب لا يوجد إلا بطولة واحدة وهي ركل الجثث والضحايا والصراخ في وجوههم المثقوبة.