ينظر الأميركيون إلى الإعلامي الساخر جون ستيوارت على أنه ثروة قومية. وفي أداء مبدع له يوم الاثنين الماضي سخر الإعلامي الأميركي من الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الحكومة المصرية ضد الإعلامي الساخر باسم يوسف والذي لقب باسم «جون ستيوارت المصري». وقال ستيوارت في سخرية «ما الذي يقلقك سيدي الرئيس، أن تطيح قوة النقد الساخر بالنظام القائم؟... تعلم جيدا أننا لم نطح بأي حكومة من قبل». وفي مصر نظر أعضاء جماعة الإخوان المسلمين التي تسيطر على مقاليد الحكم إلى برنامج ستيوارت بطريقة مختلفة بعض الشيء. فقد اعتبروا أن انتقاد الإعلامي الساخر للرئيس المصري محمد مرسي هو أحدث إهانة من دولة دعمت الزعماء المستبدين في مصر لعقود. وتعليقا على أن اتخاذ الإجراءات الصارمة ضد الإعلاميين الساخرين يترك أثرا سيئا في واشنطن قال عضو كبير بجماعة الإخوان المسلمين يتبنى نهجا معتدلا عادة إن المفاهيم الغربية لحرية التعبير تستخدم من جديد في ازدراء الدين الإسلامي. خطوط حمراء وقال عضو الجماعة للصحافي الأميركي لورين بون الأسبوع الماضي «نعم نفس الغرب الذي أيد حرق القرآن... نحتاج إلى وضع خطوط حمراء». تزداد حدة الاستقطاب السياسي في مصر وتأجلت الانتخابات البرلمانية المهمة حتى أكتوبر في الوقت الذي يزيد فيه الجانبان من مشاركتهم في أعمال العنف بالشوارع وتوجيه انتقادات لاذعة للطرف الآخر. وشبه الزعيم المعارض محمد البرادعي الحكومة ب«الأنظمة الفاشية» على موقع تويتر الأسبوع الماضي. وتعهد مرسي ب«كسر رقبة» كل من يلقي قنابل حارقة في الشوارع. وقال الأستاذ بجامعة جورج واشنطن والخبير البارز في الشؤون المصرية ناثان براون خلال مقابلة «أشعر بالقلق... فهذا نظام سياسي واهن. إنه نظام لا يمكنه الوصول إلى توافق». وعلى الرغم من محاولة صرف الأنظار عن تحطم القطار السياسي في مصر بعد الثورة ليس هناك دولة عربية أخرى أكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة. فمصر أكثر الدول العربية سكانا هي العاصمة الثقافية لمنطقة الشرق الأوسط وشهدت صراعا على السلطة بين المحافظين والليبراليين من شأنه أن يؤثر على الساحة السياسية والثقافة والعقيدة في المنطقة لعدة عقود. واستغل المعارضون قضية يوسف باعتبارها أحدث مثال على تجاوز وتعصب «جماعة الإخوان المسلمين». غير أن موطن الضعف السياسي للجماعة يكمن في طريقة تعاملها مع الاقتصاد المصري والانفلات الأمني المتزايد. معدل التضخم وارتفع معدل التضخم إلى المثلين تقريبا منذ نوفمبر وخسرت الدولة ما يقدر بأربعة مليارات دولار سنويا من عائدات السياحة منذ قيام الثورة فيما بلغ معدل البطالة 13 في المئة بحسب البيانات الرسمية ولكنها في الحقيقة تصل إلى أعلى من ذلك بكثير. ومن أجل الحصول على قرض قيمته 4.8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي يجب على مرسي خفض دعم الغذاء والوقود. صحيح أنه استمرار للحقبة الماضية ولكن هناك بعض الإيجابيات. فقضية يوسف على سبيل المثال تعد دليلا على انتشار العولمة والتكنولوجيا بشكل يتعذر إيقافه. هذا الطبيب المصري الذي صار إعلاميا ساخرا أسس نسخة مصرية ذات شعبية واسعة من برنامج «ديلي شو» ينتقد فيها النخبة السياسية في البلاد على شاشة واحدة من بين 30 قناة فضائية جديدة. ومنذ سقوط الرئيس السابق حسني مبارك عام 2011 شاع انتقاد السلطات في المجتمع المصري وهو اتجاه تسعى جماعة الإخوان المسلمين للحد منه بطريقة تفتقر إلى البراعة والاتقان. 33 قضية وقضية يوسف ليست سوى واحدة من بين 33 دعوى قضائية مقامة على إعلاميين ساخرين ونشطاء وسياسيين ومدونين في الأسبوعين المنصرمين فقط. وفي الشهر الماضي هاجم بعض المحتجين مقار قنوات تليفزيونية وثلاثة صحافيين بارزين على الأقل بعد انتقاد مرسي لوسائل الإعلام. وكان رد إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما مرتبكا مثلما كان رد فعلها في بداية الثورة المصرية، إذ قامت السفارة الأميركية في القاهرة في بادئ الأمر بنشر رابط لمونولوج لستيوارت على موقع تويتر. وعندما رد مكتب مرسي بتغريدة قال فيها: إنه «من غير المناسب أن تشارك بعثة دبلوماسية في مثل هذه الدعاية السياسية السلبية» أغلقت السفارة حسابها على موقع التواصل الاجتماعي دون الرجوع إلى واشنطن وفقا لما ذكرته مجلة فورين بوليسي. وظهر حساب السفارة من جديد على تويتر ولكن بدون التغريدة الخاصة بستيوارت. في الوقت نفسه قالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند في واشنطن: إن هذه التغريدة «غير مناسبة». وبرغم ذلك انتقدت نولاند بشدة «تزايد القيود المفروضة على حرية التعبير» في مصر. ويقول الصحافي الأميركي بون: إن رد فعل واشنطن المشوش أربك المصريين. وفي مقابلات أجريت الأسبوع الماضي قال عدد من المصريين: إنهم لا يعرفون ما تريده واشنطن. القضاء يرفض دعوى وقف «البرنامج» ردت محكمة القضاء الإداري الدعوى التي تطالب بوقف برنامج «البرنامج» للإعلامي باسم يوسف، فيما واصل يوسف سخريته من الرئيس محمد مرسي وجماعة الاخوان المسلمين في آخر حلقة من برنامجه الذي عرض الليلة قبل الماضية. وفي صفعة جديدة للتيار المحسوب على الرئاسة المصرية، قضت محكمة القضاء الإداري بعدم قبول الدعوى التي تطالب بوقف برنامج «البرنامج» للإعلامي باسم يوسف وسحب ترخيص قناة «السي بي سي» الفضائية بسبب المخالفات التي ارتكبتها القناة من خلال البرنامج «لرفعها من غير ذي صفة». وكانت المحكمة قررت يوم 23 مارس الماضي حجز الدعوى القضائية، المطالبة بإصدار حكم قضائي بسحب ترخيص قناة «سي بي سي» الفضائية بسبب المخالفات التي ارتكبتها القناة من خلال عرض برنامج «البرنامج» للحكم بجلسة يوم أمس 6 إبريل. من جهته، وفي أول ظهور له بعد التحقيق معه، واصل باسم يوسف الليلة قبل الماضية سخريته من سياسات مرسي وجماعة الاخوان المسلمين وحلفائها، وذلك بعد اقل من اسبوع من خضوعه للتحقيق امام النيابة العامة بتهم تتعلق بإهانة الرئيس وازدراء الدين الاسلامي. واستهل باسم يوسف برنامجه بقوله بطريقة ساخرة «بصراحة موضوع النائب العام فتح عيني على أمور كثيرة.. لا ينبغي أن أتناول مرسي كثيراً»، وتابع بسخريته المعهودة ان ذلك «ليس خوفاً وتراجعاً.. وانا لا أتراجع». وبدا يوسف غير خائف من مواصلة ملاحقته قضائيا مجددا، اذ واصل نفس اسلوبه الساخر وانتقاده اللاذع للرئيس مرسي في تحد واضح منه للأمر. واستمر يوسف في انتقاد سياسات الرئيس المصري وجماعة الاخوان مستخدما مقاطع فيديو تحمل تصريحات او مشاركات اعلامية للمسؤولين دون ان يوجه الانتقادات على لسانه هو مباشرة. وخلال الفقرة الاولى لبرنامجه وعلاوة على السخرية المعتادة من مرسي وجماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي اليها الرئيس، وجه يوسف نقدا للطريقة التي عين بها مرسي النائب العام الذي اصدر قرار التحقيق معه. كما سخر يوسف من اسلوب تناول بعض الاعلاميين لقضيته خاصة المنتمين للتيار الاسلامي. وخصص باسم يوسف فقرة كاملة مستحدثة في برنامجه للسخرية من طريقة اتخاذ القرار في مؤسسة الرئاسة. وحاكى يوسف فكرة برنامج «من سيربح المليون» الشهير ليسخر من «الاسلوب الفوضوي» لاتخاذ القرار في مؤسسة الرئاسة، بحسب ما أظهرته فقرات البرنامج. بلاغ جديد تقدَّم محامٍ أمس ببلاغ رسمي للنائب العام المصري ضد الإعلامي الساخر باسم يوسف يطالب بسؤاله عن سبب دفاع الإعلام الإسرائيلي والأميركي عنه. وطالب المحامي السيّد حامد في بلاغ رسمي قدَّمه أمس إلى النائب العام المصري المستشار طلعت عبد الله ضد الإعلامي الساخر باسم يوسف، بسؤال الأخير عن «سبب دفاع الإعلام الإسرائيلي والأميركي عنه». وجاء بالبلاغ الذي يحمل رقم 917 لسنة 2013، أن «باسم يوسف مازال يتحدى القانون، ومشاعر المسلمين في ارتكاب جرائم ازدراء الدين الإسلامي عبر برنامجه «البرنامج» المُذاع على قناة «سي بي سي»»، مطالباً بنهاية بلاغه بتقديم المشكو بحقه إلى المحاكمة الجنائية بتهمة ازدراء الدين الإسلامي، وسؤاله عمّا اعتبره «دفاع الإعلام الإسرائيلي والأميركي المستميت عنه، ما يؤكد أن باسم ينفذ مخططا لهدم القيم والأخلاقيات المصرية والتعدي على الرموز الدينية». القاهرة- يو.بي.آي