منذ اندلاع الثورة الشعبية في فبراير 2011 وتوقيع المبادرة الخليجية القاضية بنقل السلطة أواخر العام نفسه، واليمن يواجه عددا من التحديات، يشكل بعضها تهديدا للدولة اليمنية برمتها، ليس في حاضرها فحسب ولكن حتى مستقبلها لا يزال محفوفا بالمخاطر. وعلاوة على تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وانسداد الأفق السياسي، فإن اليمن في الفترة الانتقالية الراهنة التي بدأت في نوفمبر 2011 لا يزال يخوض حربا مفتوحة مع أكثر من جهة، وعلى أكثر من جبهة، فما إن بدأت قبضة النظام ترتخي وأجهزته تفقد سيطرتها على الأوضاع إلا ورأت بعض القوى السياسية والجماعات المسلحة فرصتها لتوسيع رقعة مساحتها، باستغلال الأوضاع التي آلت إليها البلاد، فسارع تنظيم القاعدة لإسقاط محافظة بأكملها وهي محافظة أبين الواقعة بين محافظتي شبوة الغنية بالنفط والغاز وعدن ذات الموقع الاستراتيجي المطل على أهم الطرق البحرية في باب المندب (جنوب البحر الأحمر). وفي الوقت ذاته سعت جماعة الحوثي لتوسيع دائرة نفوذها. وفضلا عن سيطرتها على محافظة صعدة الحدودية مع المملكة العربية السعودية تتطلع الجماعة للسيطرة على محافظات أخرى مجاورة، أهمها عمران وحجة، بينما أشعل عناصرها مواجهات مسلحة في أكثر من منطقة، علاوة على سعي الجماعة المدعومة من إيران، لإقامة كيان مماثل لحزب الله في جنوبلبنان، على الأقل من حيث امتلاك القوة المسلحة والسيطرة على مساحة واسعة من المحافظات الشمالية. وغير بعيد عن ذلك فإن الحراك السياسي الموجود في المحافظات الجنوبية والشرقية وإن كان جمد أنشطته لفترة وجيزة أثناء انطلاقة الثورة إلا أنه رأى في الوضع الراهن فرصته لتصعيد مطالبه وتوسيع مساحة انتشاره والعمل جاهدا لتحقيق مطلبه الرئيس في الانفصال. بقيت القوة الرابعة في الساحة وهي عبارة عن بقايا النظام الذي قامت الثورة لإسقاطه، إذ تستغل ما لديها من مال ونفوذ وموالين في الجيش والأمن والإدارة في العمل على إفشال السلطة القائمة، وهو ما صرح به المبعوث الأممي لليمن جمال بنعمر في تقريره الأخير الذي قدمه لمجلس الأمن الدولي. وبينما تختلف هذه الأطراف في أهدافها وغاياتها وفي مضامين مشاريعها وأساليب عملها فإنها تبدو متفقة - سواء أدركت ذلك أو لم تدركه- في السعي لتقويض بنيان الدولة القائم أو ما تبقى منه، أو على الأقل تقويض ما يمكن تقويضه بالقدر الذي يمنح هذا الطرف أو ذاك فرصة تحقيق أهدافه، خاصة وأن هذه الفترة الزمنية تعد فرصة ذهبية لهذه القوى - وغيرها بطبيعة الحال- وبالتالي فهي تسابق الزمن لتحقيق أكبر قدر من مكتسباتها المفترضة. ويسعى تنظيم القاعدة لمواصلة حربه «الجهادية» ضد الأمريكان وحلفائهم، ولأن الدولة بجيشها وأمنها تشارك أمريكا في «الحرب على الإرهاب» فهذا يعني أن استهدافها يصب في خدمة أهداف القاعدة وفقا لنظرية الأخيرة. بينما تعمل بقايا النظام السابق على تقويض الدولة القائمة انتقاما من الشعب الذي انحاز للثورة وطمعا في استعادة مجد زال بفعل الثورة، حتى لو كان على أنقاض ما هو قائم اليوم، ولو جاء ذلك على جثث الأبرياء ودمائهم. ومن هنا جاءت التقارير الأخيرة لبنعمر المرفوعة لمجلس الأمن وبدا الاتهام فيها واضحا لفلول النظام السابق بالقيام بأعمال التخريب والتفجيرات والسعي لإفشال السلطة القائمة وإعاقة التسوية السياسية ودفع المواطنين للاعتقاد أن فترة حكم الرئيس السابق كانت أفضل من الوضع الراهن. أما بالنسبة للحوثيين الذين يحكمون السيطرة على محافظة بأكملها فهم لا يزالون يرون في الثورة وما تلاها من تداعيات فرصتهم لتحقيق أهدافهم في بسط هيمنتهم - فكريا ومذهبيا وسياسيا- على عدد من المحافظات، منطلقين من كونهم «ورثة شرعيين» لسلالة الإمام علي بن أبي طالب المستحقة للولاية والوصاية والخلافة والزعامة، وهو ما كشف عنه زعيمهم عبدالملك الحوثي في عيدهم السنوي المعروف باسم «عيد الغدير». ومنذ اندلاع الثورة لم تهدأ معاركهم بدءا بمحافظة صعدة ومرورا بمحافظتي الجوف وحجة وليس انتهاء بمحافظتي عمران وإب. وفي الصعيد ذاته يأتي الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال الذي لم يتوان- هو الآخر- في السعي للاستفادة من الأوضاع السائدة من خلال تصعيد مطالبه والتحرك داخليا وخارجيا لأجل تقسيم اليمن واستعادة الدولة الجنوبية التي دخلت الوحدة مع شمال اليمن قبل ما يزيد عن عشرين سنة. مما سبق نخلص إلى أن أربع قوى تشكل أبرز تهديد للدولة القائمة ومستقبل وجودها، فالقاعدة تريد استنزاف الدولة المركزية وإقامة إماراتها في المناطق التي لا تصلها أجهزة الدولة، بينما يسعى فلول النظام السابق لتقويض الدولة وتحقيق حلمهم في الإجهاز عليها، أما الحوثيون فيسعون لإقامة دولتهم في شمال البلاد، بالتوازي مع الدولة اليمنية القائمة، ما يعني في نظرهم إقامة دولة داخل الدولة، في تكرار متطابق لتجربة حزب الله اللبناني، خاصة وأن هناك الكثير من القواسم المشتركة بين الطرفين أهمها أنهما يتبعان المذهب الشيعي ذاته. بالنسبة للحراك الجنوبي فيسعى بكل ما أوتي من قوة لإقامة دولة جديدة - كانت موجودة قبل الوحدة- على حساب الدولة الموجودة في الوقت الراهن، بمعنى أنهم يهدفون لإنشاء دولة منشودة على غرار أخرى مفقودة، أو بمعنى آخر إقامة دولة ضد الدولة.