أفرزت التطورات في المنطقة العربية والأحداث الجارية في محافظة صعدة تحولات في علاقة اليمن بالسعودية من جهة وعلاقة المملكة بالسلفيين وبجماعة الحوثي من جهة أخرى. يجري الحديث عن تقارب بين السعودية وجماعة الحوثي التي خاضت معها المملكة مواجهات مسلحة خلال حروب صعدة إثر سيطرة الحوثي على جبل (الدخان) داخل الأراضي السعودية. في المقابل يخوض الحوثي حرباً تطهيرية مع التيار السلفي في منطقة دماج وكتاف بصعدة، ويجري الحديث عن خذلان سعودي للسلفيين الذين تلقوا دعماً مادياً ولوجستياً سعودياً خلال السنوات الماضية ويعتبر البعض أن ذلك التيار يمثل العمق المذهبي للتيار السلفي الوهابي السعودي. وفي تطور لافت أثنى القيادي في جماعة الحوثي صالح هبره على الموقف السعودي إزاء الحرب في دماج، ووصفه بالإيجابي. هبره كان التقى خلال الفترة الماضية السفير السعودي بصنعاء وتم التنسيق بين الطرفين على حماية وتأمين المناطق الحدودية وتفاهمات أخرى تبدت ظواهرها مؤخراً. البكيري: التحالف بين المملكة السعودية وملكية اليمن قديم يعتبر نبيل البكيري المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية أن التقارب السعودي الحوثي غدا أمراً واقعياً وأنه ليس جديداً وهو «تحالف قديم بين الأسر الحاكمة منذ حروب الجمهورية ضد الملكية في ستينات القرن الماضي، حيث وقفت المملكة بقوة في وجه الجمهوريين لدعم عودة الملكية الإمامية في اليمن، وهذا التقارب هو نتيجة العدمية السياسية التي تتمتع به السياسة الخارجية السعودية تجاه اليمن والمنطقة العربية كلها». البكيري في حديث خاص ل»الأهالي» يعيد هذا التقارب إلى الدور الذي تقوم به المملكة مع بعض دول الخليج كحوامل للثورات المضادة في الوطن العربي، مضيفا أن مثل هذه السياسة لا تخدم في الأخير سوى التمدد الإيراني في المنطقة الذي تمثل الحوثية رأس الحربة له في خاصرة السعودية. ويرى أن موقف السعودية من جماعة السلفية الوهابية أصبح «براجماتي بامتياز، يستخدم السلفيين خلاله كورقة سياسية وكورقة لشرعنة ملكهم، فحينما وجدوا أنهم قد تمكنوا من تدجين السلفية وتحويلها إلى مجرد فتوى رسمية يصدرها الديوان الملكي وبالتالي لم يعد للسلفية حاجة ما دام وقد أصبح لها طبعة خاصة وهي السلفية الملكية التي لم تحرك ساكناً تجاه ما يتعرض له سلفيو دماج من قتل وحصار يتنافى مع أبسط الحقوق الإنسانية التي لا تعيرها السلفية أي اهتمام» حد قوله. الآنسي: مواجهة الإسلامي المعتدل ودعم الليبرالية والعلمانية يعتبر المحامي والقانوني خالد الآنسي في حديث ل»الأهالي» أن دور التيار الاسلامي في ثورات الربيع العربي زاد مخاوف النظام السعودي منه «خصوصاً وقد سبق ذلك تصدر التيار الاسلامي في المملكة حركة المطالبة بالإصلاحات فيها، فاستشعر النظام القلق من التيار الاسلامي في وقت مبكر وسابق على ثورات الربيع ورأى أنه سوف يكون في مواجهة معه يوماً ما خصوصاً التيار المعتدل فواجهه بالاعتقالات والتضييق عليه بصورة مباشرة وبالتحريض عليه ودعم ما يعرف بالحركة الليبرالية والعلمانية بصورة غير مباشرة التي ترى السعودية أنها لا تمثل خطراً عليها لكونها نخبوية وفوقية وغير مؤثرة في الشارع» حد قوله. السامعي: المساهمة في صناعة الحوثي الكاتب الصحفي عزوز السامعي يعتبر أن علاقة الحوثي بالمملكة كانت مشوبة بالغموض طيلة الفترة السابقة. ويضيف ل»الأهالي»: «ورغم ما عرف عن عدائية متبادلة إلا أنها كانت تكتسب طابعها الشكلاني في نظر البعض من حقيقة الحاجة السعودية لوجود جماعة الحوثي كمعادل سياسي تعتقد المملكة أنه قد يساعد في كبح جماح الصعود المستمر للتيار الاسلامي ممثلا في حزب التجمع اليمني للإصلاح، وأن المملكة ساهمت إلى حد كبير في صناعة الحوثي ربما بما يعادل جهود إيران في هذا الاتجاه!». الصلاحي: قد تدعم الحوثي بغية الإمساك بخيوط اللعبة يؤكد أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء الدكتور فؤاد الصلاحي، أن السعودية قريبة دائما مما يجري داخل اليمن، ويرى أن السعودية صانعة للكثير من الأحداث خاصة ذات الصفة السلبية (حروب أهلية وقبلية وانقلابات وغيرها) «فالسعودية لديها نفوذ قوي داخل اليمن من خلال مجموعات قبلية وحزبية ناهيك عن آخرين في مؤسسات الدولة». ويضيف الصلاحي في حديث ل»الأهالي من» أن أحداث دماج الأخيرة تمت في إطار لعبة سياسية محلية ذات أبعاد خارجية «وإذا كان الإخوان والسلفيون لهم علاقات ممتازة مع السعودية منذ سنوات فإنها (السعودية) تتصف بتغيير علاقاتها تكتيكيا مع جماعات وحركات جديدة». ويعتقد أنه لا يمكن القول أن السعودية قد تخلت عن السلفيين «لأن نهجها السياسي الرسمي هو سلفي بامتياز في إطار الشعارات والطقوس الدينية.. ربما حصل بعض من المزاحمة لدورها الإقليمي، حيث ظهرت قطر داعمة للإخوان وهم قوة سياسية في أكثر من قطر عربي مقابل ذلك تمسكت السعودية ولاتزال بدعم السلفيين». مضيفاً: «لكن هذا الأمر لا يمنع من أن تدعم تيارين أو جماعتين متناقضتين في الأفكار والتوجهات في آن واحد لأن المصلحة السياسية تقتضي هذا الأمر، ناهيك أن إمكانات السعودية المالية تسمح لها بدعم عشرات الجماعات والحركات سواء كانت يسارية أو سلفية أو مذهبية أو حتى يمينية». ويتابع الصلاحي إن الهدف الأساسي للمملكة هو «سياسي وإثارة التناقضات وهو لتفعيل دورها في الإمساك بخيوط اللعبة»، ولا يستبعد أن تخوض السعودية صراعا إقليميا مع إيران وتكون ساحته اليمن وقد تتدخل في استدامة العنف والفوضى من خلال وكلاء محليين معروفين بتوجههم نحو تدمير الدولة وتعميم الفوضى -حد قوله. ويضيف: لست متأكداً أن السعودية قد قدمت دعما للحوثي، لكن الواقع السياسي يقول إنها قد تفعل ذلك وفقا لمصلحتها السياسية والأمنية التي تمكنها من زيادة إشعال الموقف ومن ثم التدخل السياسي المباشر في الدولة والمجتمع وهذا ما صدر عنها في مرحلة الستينات وتوج بالمصالحة التي تمت في جدة عام 70م». المخلافي: صراع طائفي لن ينتهي لا يستبعد الباحث السياسي عبدالسلام علي المخلافي في حديث ل»الأهالي» اشتعال صراعات طائفية في اليمن نتيجة سباق النفوذ والسيطرة بين إيران والسعودية. ويضيف أن تلك الصراعات «لن تنتهي، وليس بمقدور أحد العمل على إيقافها والحد من استشرائها، بدليل ما يحدث اليوم في دماج وصعدة من عملية شد وجذب بدعم من الطرفين». ويرى أن تلك المواجهات لن تهدأ إلا بتقارب وتصالح علني بين السعودية وإيران. العزعزي: الحكومة اليمنية سبب ترحيل العمالة في الاتجاه الآخر، ترحل السلطات السعودية آلاف من العمالة اليمنية بالتزامن مع فتور في علاقة المملكة مع النظام الانتقالي وتبدل موقفها من الأحداث الجارية في صعدة. يلقي الناشط السياسي عبد الهادي العزعزي باللوم على السلطات اليمنية محملها مغبة القصور في تطوير آليات تشغيل وتأهيل العمالة. العزعزي يضيف في حديث ل»الأهالي» أنه كان الأجدر أن يتم النقاش والتفاوض حول تشغيل العمالة عبر وزارة المغتربين في الحكومة اليمنية أو عبر الرئاسة. مضيفا أن هناك مصالح للسعودية يجدر وضعها في الاعتبار «كجارة ودولة شقيقة لليمن شعباً وحكومة».