تبتسم قيادات المشترك دومًا. يربتون على أكتاف بعضهم لاستنهاض المعنويات لمجابهة النوائب. يؤكدون مرارًا على كسر الحواجز الأيديولوجية في سبيل وطنٍ يؤمنون أنه يحمل لهم مآلاً واحدًا دون تمييز. ظل النضال ضد سياسات الرئيس السابق مُتشظٍ إلى حدٍ بعيد. كانت الجهود مشتتة وتذهب هباءً بفضل الحنكة واللؤم التي امتلكها صالح كما يرى خصومه. أتى وقت لملمة القوة المتناثرة وتلحيم الأشلاء المحطمة في مواجهة الملاذ الأول والراعي الرسمي لكل حفلات التصدع. شارك جار الله عمر في وضع اللبنات الأولى للمشروع الوطني الأبرز الذي يحد من نفوذ العائلة الحاكمة يومئذ، في الجانب الأيسر من بزته وردة حمراء كما لو أنها من ست طبقات، أظهرته مبتسمًا على كل حال. توحدت المعارضة في 2003 تحت راية أحزاب المشترك، فشكلت قوة صلبة في وجه صالح. حين تبلورت فكرة المشترك كانت من أجل النضال السلمي، الوطن لمن يخافون عليه. لكن الآن بدأت الأولويات تنقلب رأسًا على عقب. ويظهر الوطن كآخر ملاذ للجماهير. ترنح صالح، ثم سقط، فظهرت الكثير من الثغرات المؤكدة لبطء الحركة في آلية عمل أحزاب المشترك، وكأنه أصبح عاجزًا عن تطوير تجربته. جمع علي صالح الناس ضده والتفت جماهير المشترك حول الآليات المحددة، وحين ظن الجميع أنهم انتهوا من صالح، سيطرت المجاذبات. سجال دائر في هرم المشترك تتجسد الحميمية الجامعة لقياداته، في رواق فندق موفمبيك الحاضن لمؤتمر الحوار ينفرد أمين عام الاشتراكي الدكتور ياسين سعيد نعمان وأمين عام الإصلاح عبدالوهاب الآنسي، يتبادلان الحديث ويبتسمان، لكن ذلك لا يحدث -غالباً- بين ناشطَيْن محسوبين عليهما. الناشطان اتخذا من الشبكة العنكبوتية متارس ليشتبكا على الحيطان الرقمية بقليل من السفه اللامسؤول. يرى البعض أن أعداء المشترك هم في الأساس من وقعوا في فخ الاستمالة لجماعة مسلحة في شمال الشمال وجماعات العنف في الجنوب، وأن من مصلحة هؤلاء إحداث شرخ في اللقاء المشترك ليتصدع. لكن في تاريخ المشترك، لم تتنبه القيادات على جزئية تصدير الوعي الجمعي للجماهير؛ إنما اعتمدت على ركيزة أساسية تتمثل في "سوء صالح". وإذن، كان من المفترض تكثيف الأنشطة النوعية لقيادات الصف الثاني من الناشطين والحقوقيين في سبيل تعزيز التجربة، وعدم احتقان جماهيرها مستقبلا. على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، يتجلى للعيان المناكفات بين فئة من جماهير المشترك، بكل تأكيد هناك مستفيد كبير مما يحدث، وهو ذاته الذي كان في يوم ما الوجه الآخر للمشترك، ويؤمن أن تكتل المعارضة هذا هو أحد أهم الإرهاصات التي أدت إلى اقتلاعه من كرسي الحكم، ولا يستبعد أن يكون هو مغذي الصراع وفقًا لخبرته المتقنة في صناعة الأزمات. مشادات الجماهير الأسبوع الفائت خرجت جماهير المشترك في مدينة تعز تنديدًا بالإرهاب، ومن المعروف أن المظاهرات تُشعل المشاعر الوطنية الجيّاشة وتخمد النكايات قبل أن تتلاشى وتنصهر كليةً في حناجر الجموع الهاتفة. كان أحد الشبان المحسوبين على الاصلاح ضمن المسيرة حينها قفزت إحدى المحسوبات على الاشتراكي لتتجادل معه، فيلتف حولهما عدد غفير من جمهور الحزبين وتنشب الخلافات. كان الشاب يرتدي قميصًا يتضمن الرمز الذي صار عنوانًا لميدان رابعة في مصر. وبدلًا من توحد الجماهير والتفافها حول سارية وطن مُنهك، اشتعلت جذوة النكايات، ولا مكان للوطن، إذ تحول الشارع الرث في تعز كما لو أنه أحد ميادين مصر، يغلي كالمرجلة وتحتدم بداخله الخلافات كما لم يحدث في أحد ميادين القاهرة نفسها. تم استدعاء رموز اللحظات الراهنة، ظهرت صورة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي وشعارات رابعة، في المقابل ظهرت صور قائد الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسي، فيما غرد تيار ثالث خارج السرب، ورفع صورًا لبشار الأسد. التنافر الحاصل، يُفصح عن بعض الاختلالات التي تعيشها جماهير الصف الثاني والثالث في هذه الأحزاب؛ اتسمت الهوامش المسيطرة بالغرائبية التي لا علاقة لها بالحس الوطني، وإذا كانت كذلك؛ فلا بأس أن تبقى على الهامش؛ لكنها قفزت إلى سلم الأولويات. خطأ القيادات علي الشريف، عضو الهيئة التنسيقية لمجلس شباب الثورة، يعتقد أن «المشترك قبل أن يكون تحالفًا سياسيًا هو حد أدنى من الإطار الفكري والثقافي الذي يقبل التعايش والديموقراطية والتعدد وعدم الاقصاء والشراكة على قاعدة المشروع الوطني». ويرى أن هذه «القناعة انحصرت في بعض قيادات في المشترك بعدد أصابع اليد ولم يتم نقل النموذج الثقافي والفكري للقواعد»؛ ولهذا السبب ظلت هذه الأحزاب تحمل على ظهورها أوزارًا من ميراث الحرب الباردة والرؤى الأحادية وغيره الشيء الكثير تجسده قواعد هذه الأحزاب وناشطيها. وقال الشريف في حديثه ل"الأهالي": «بصراحة ليس بسبب ما حدث في تعز وإنما في السجال الدائر على صفحات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، أشعر بأن المشترك لم يبذل الجهد المطلوب منه لنشر ثقافة الدولة المدنية والديمقراطية بقدر ما كان يؤجل هذه الأمراض الفكرية وقام بالتفرغ لملاحقة أفعال صالح كردود فعل وليس كفاعلين». وأضاف «للإنصاف فإن ناشطي وكاتبي اليسار القومي والاشتراكي هم من دشن خطاب شرس تسفيهي والغاءي ضد الإصلاح، حتى أنك لا تفرق بين هذا الخطاب وخطاب مطبخ علي صالح لشدة التماهي بينهما، وكان في المقابل ردة فعل ناشطو الإصلاح مؤخرًا وبشكل غاضب غير مرشد وصل أيضًا حد تبادل التسفيه والالغاء». في ختام حديثة قال الشريف: «يقوم المشترك بعملية استقطاب للمشهد الثوري وجنى على ظاهرة شباب الثورة وألحق بها أضرارًا بالغة كتجربة جديدة أفرزتها الثورة، وهذه المشكلات تستحق الوقوف أمامها من قيادات المشترك حفاظا على استمرار الوفاق في التحولات، وإلا فإن تفجير الصراعات قد تعيدنا لنقطة الصفر وتهدد البلد برمته وليس المشترك فقط!!».. البقاء للمشترك أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء الدكتور محمد الظاهري، كتب على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، فقرةً مُختزلة عن المشترك، عنونها ب «البقاء للمشترك»! قال في فقرته: لقد سبق وأن أشدنا بتجربة (تكتل أحزاب اللقاء المشترك) ودورها في الحياة السياسية اليمنية"، مضيفاً: ها نحن اليوم نلحظ خطاب حزبي مشتركي أقرب إلى (النفي المشترك) وخاصة على مستوى كوادره! وخاطب القيادات: «ما هذا يا قادة المشترك، ألم يأنِ الأوان لإدراك المخاطر التي يتعرض لها الوطن اليمني (مجتمعاً ودولة) وحاجتكم ل(البقاء المشترك)!؟». أما الباحث زايد جابر فعلق على ذلك بقوله: «اليوم بدأنا نسمع ونرى تحركات ونشاطات ومؤتمرات قبلية في شمال الوطن وجنوبه، وهذه إحدى تداعيات ضعف المشترك وبروز علامات تفككه قبل إنجاز المشروع الوطني الذي قام المشترك من أجله». وكتب على صفحته: «ليس صحيحا ما كانت تروجه الثقافة الشمولية قبل الوحدة من أن الأحزاب تهدد الوحدة الوطنية وتقسم المجتمع، العكس هو الصحيح فالأحزاب وحدها هي التي يمكن أن تحافظ على وحدة الدولة والمجتمع، لأن الاختلاف فيما بينها هو خلاف برامجي، والبديل لها هو العودة إلى مكونات ما قبل الدولة (القبلية والمناطقية والمذهبية) وهذه النعرات إذا بدأت لا تتوقف والانتماء إليها قسري، وهي في علاقة تضاد مع الحزبية والأحزاب، تضعف بقوة الأحزاب وتقوى وتستعيد زخمها بضعف الأحزاب وانشغالها عن المشروع الوطني فهل يدرك قادة وشباب الأحزاب ذلك؟».