سيدي محمد بن عبدالله بن المطلب بن هاشم، نبي الهدى والرحمة ورسول التسامح والسلام صلى الله عليك وسلم. أرفع إلى مقامك النبوي الطاهر هذه الصلوات مرفقا بها اعتذاري واعتذار المؤمنين بك، مستغلاً ذكرى مولدك العطرة لأبعث إليك هذا الخطاب المليء بالألم، تفضل سيدي بقبوله على سوء مقامي وقلة بضاعتي. السلام عليك في ذكرى مولدك الشريف وفي كل زمان ومكان. وبعد: سيدي يا رسول الله: لقد تنازع المسلمون الأمر من بعدك وها نحن اليوم بعد أكثر من 1400 عام نتوارث الخلاف والانقسام، نستحضر التاريخ الوجداني وكأننا شركاء صناعة الأحداث (نستدعي الأموات لنقتل الأحياء) نتعامل مع التاريخ وكأنه الوحي الذي أُنزل عليك، وآخر يعامل الوحي وكأنه تاريخ لا قيمة له، لم نبلغ رسالتك كما أردت، فضلاً عن فهمها وتطبيقها كما بلغت، لقد خلطنا بين الفقه والفكر، وبين الأحكام والتراث، واعتبرنا أراء الفقهاء ومذاهبهم وتصرفاتهم الشخصية ديناً نلزم الإنسانية به. صنعنا الأصنام بعد أن حطمتها في فتح مكة، وقد نعبدها ونحن نزعم أن ذلك هو الدين الذي أُرسلت به، نسينا الغاية التي جئت من أجلها (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) اختلفنا حولك وأهل بيتك وصحابتك ورسالتك، تنازعنا عليك، حتى وصلنا لتاريخ مولدك، فمحتفلُ يرى فيه الوجوب وممتنعٌ يرى فيه البدعة، تاركين صفاتك ونبلك للشعارات فقط. عذرا رسول الله: هل الاحتفال بمولدك عبادة أم سياسة؟ ونصرة أهل بيتك محبةٌ أم طمعٌ في الرئاسة؟ هل نحارب مولدك دفاعاً عن سنتك؟ أم نقتل الأبرياء نصرة لشريعتك؟ سامحني يا رسول الله: نحتفل بك اليوم ونقتل أتباعك غداً، نناجيك اليوم وننال من عرضك وصحبك غداً، ندعي نصرتك واتباع سنتك، ونمارس خذلانك وارتكاب ما يغضبك. عذرا رسول الله: نبالغ في محبتك ونخالف وصاياك وهديك وأخلاقك، أوصيت بالسلام فاخترنا الحرب، علمتنا الحياة فاخترنا الموت، مارست العدل والمساواة فاخترنا الظلم والعنصرية والتمييز، أمرت بالتسامح ومارسنا العداوة والبغضاء، أمتك اليوم يا سيدي يقتل بعضها بعضاً بحجة الحق والباطل، وكلنا يعتقد لقياك على باب الجنة، قتلانا جميعا شهداء ومشتاقون لشربة من يدك، جزاءً لتضحياتنا وجهادنا، فوالله إن الأمر لعظيم فكلٌ يعد عدته لقتل أخيه والجميع يدعي محبتك ونصرتك. سيدي: اتخذ البعض مولدك مطيةً رخيصة للوصول إلى منافع لا تمت إليك بصلة، وتناسى الجميع أخلاقك السامية ورحمتك العالية، تنامت القسوة، في قلوبنا، وعم الظلام في ديارنا، واشتدت الحرب في أمصارنا. أدركنا يا رسول السلام! ذكرنا برسالتك، بأخلاقك، برحمتك، بتسامك، بسياستك ومواثيقك ومعاهداتك، بسلمك وحربك، بتعايشك مع الآخرين، ذكرنا بأول دستور مدني كتبته في مدينتك المنورة، ذكرنا (بميثاق المدينة). تكرم سيدي بقبول عذري فلستُ من القوم في شيء.