راشفورد يجرّ نيوكاسل للهزيمة    تعز.. إصابة طالب جامعي في حادثة اغتيال مدير صندوق النظافة    تجربة الإصلاح في شبوة    صندوق النظافة بتعز يعلن الاضراب الشامل حتى ضبط قتلة المشهري    حين تُغتال النظافة في مدينة الثقافة: افتهان المشهري شهيدة الواجب والكرامة    مسيّرة تصيب فندقا في فلسطين المحتلة والجيش الاسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ ومسيّرة ثانية    مسيّرة تصيب فندقا في فلسطين المحتلة والجيش الاسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ ومسيّرة ثانية    وعن مشاكل المفصعين في تعز    الصمت شراكة في إثم الدم    الفرار من الحرية الى الحرية    ثورة 26 سبتمبر: ملاذٌ للهوية وهُويةٌ للملاذ..!!    عاجل: بيان مجلس القيادة الرئاسي – 18 سبتمبر 2025م    القوات المسلحة: ضرب أهداف حساسة في (يافا وأم الرشراش وبئر السبع)    اللجنة الوطنية للمرأة والأمن والسلام تدين جريمة اغتيال القيادية افتهان المشهري وتطالب بالعدالة الفورية    وقفة احتجاجية في المعهد العالي بالجوف تنديدا بجرائم العدو الصهيوني    إشهار جائزة التميز التجاري والصناعي بصنعاء    الهيئة العامة للآثار تنشر القائمة (28) بالآثار اليمنية المنهوبة    انخفاض صادرات سويسرا إلى أميركا بأكثر من الخُمس بسبب الرسوم    مجلس القضاء الأعلى ينعي القاضي عبدالله الهادي    السيد القائد يوجه تحذير شديد للسعودية : لا تورطوا أنفسكم لحماية سفن العدو    البنك المركزي يوجه بتجميد حسابات منظمات المجتمع المدني وإيقاف فتح حسابات جديدة    الأرصاد: حالة عدم استقرار الأجواء ما تزال مستمرة وتوقعات بأمطار رعدية على أغلب المحافظات    المحرّمي يعزِّي في وفاة المناضل والقيادي في المقاومة الجنوبية أديب العيسي    استمرار نزوح الفلسطينيين هربا من القصف الإسرائيلي المتواصل على مدينة غزه    الوفد الحكومي برئاسة لملس يطلع على تجربة المدرسة الحزبية لبلدية شنغهاي الصينية    بتمويل إماراتي.. افتتاح مدرسة الحنك للبنات بمديرية نصاب    نائب وزير الإعلام يطّلع على أنشطة مكتبي السياحة والثقافة بالعاصمة عدن    تغييرات مفاجئة في تصنيف فيفا 2025    أمنية تعز تحدد هوية المتورطين باغتيال المشهري وتقر إجراءات صارمة لملاحقتهم    تعز.. احتجاجات لعمال النظافة للمطالبة بسرعة ضبط قاتل مديرة الصندوق    برغبة أمريكية.. الجولاني يتعاهد أمنيا مع اسرائيل    موت يا حمار    أمين عام الإصلاح يعزي الشيخ العيسي بوفاة نجل شقيقه ويشيد بدور الراحل في المقاومة    يامال يغيب اليوم أمام نيوكاسل    مفاجأة طوكيو.. نادر يخطف ذهبية 1500 متر    النصر يكرر التفوق ويكتسح استقلول بخماسية أنجيلو    نتائج مباريات الأربعاء في أبطال أوروبا    دوري أبطال آسيا الثاني: النصر يدك شباك استقلال الطاجيكي بخماسية    رئيس هيئة النقل البري يعزي الزميل محمد أديب العيسي بوفاة والده    مواجهات مثيرة في نصف نهائي بطولة "بيسان الكروية 2025"    حكومة صنعاء تعمم بشأن حالات التعاقد في الوظائف الدائمة    الامم المتحدة: تضرر آلاف اليمنيين جراء الفيضانات منذ أغسطس الماضي    استنفاد الخطاب وتكرار المطالب    مجلس وزارة الثقافة والسياحة يناقش عمل الوزارة للمرحلة المقبلة    التضخم في بريطانيا يسجل 3.8% في أغسطس الماضي    غياب الرقابة على أسواق شبوة.. ونوم مكتب الصناعة والتجارة في العسل    لملس يزور ميناء يانغشان في شنغهاي.. أول ميناء رقمي في العالم    وادي الملوك وصخرة السلاطين نواتي يافع    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    رئيس هيئة المدن التاريخية يطلع على الأضرار في المتحف الوطني    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    100 دجاجة لن تأكل بسه: قمة الدوحة بين الأمل بالنجاة أو فريسة لإسرائيل    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    إغلاق صيدليات مخالفة بالمنصورة ونقل باعة القات بالمعلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سجن المعلمي الاحتياطي أزمة المكان والزمان والإنسان..رحلة خلف القضبان (4)
نشر في الأهالي نت يوم 30 - 04 - 2014

السجن الاحتياطي هو المكان الذي يتم فيه إيداع النزلاء بعد أخذ أقوالهم والتحقيق معهم من قبل الجهات الأمنية كالبحث الجنائي وأقسام الشرطة وغيرها، وإحالة ملفاتهم إلى النيابات المختصة، بحيث تجري محاكمتهم وهم داخل السجن الاحتياطي قبل أن تصدر بحقهم أحكام قضائية باتة.
وهو مرحلة وسطية بين السجون التابعة للبحث والشرطة وبين السجن المركزي، ومن داخله يتم إحالة السجين للسجن المركزي، أو الخروج منه بصدور حكم قضائي او بضمانة حتى يتم تبرئته، ولذلك سمى بالاحتياطي.
وهذا النوع من السجون هو أسلوب مصري تعمل به الأجهزة الأمنية المصرية، وأول من بدأ العمل به في اليمن، واستنسخ تجربته وزير الداخلية الأسبق اللواء حسين عرب عندما كان وزيراً للداخلية خلال الفترة (1997- 2001م).
وجرى حينها إنشاء أربعة سجون احتياطية في العاصمة صنعاء موزعة حسب التوزيع الجغرافي للنيابات والمحاكم، وهي سجن المعلمي التابع لمحكمة ونيابة غرب الأمانة، ويختص أيضاً بقضايا الفساد والأموال العامة والصحافة، وسجن علاية في الصافية ويتبع نيابة جنوب الأمانة، وسجن هبرة ويتبع شمال الامانة، وسجن الثورة ويتبع شرق الأمانة.
تلك أربعة سجون مختصة بعملية ايواء السجناء الذين لازالت قضاياهم في طور الاتهام ويتم إيداعهم داخلها بتقارير وتوصيات من الجهات المختصة، ولا يتم الإفراج عنهم إلا بأوامر من النيابة المختصة على ضوء ضمانة حضورية حتى انتهاء القضية، أو بعد صدور أحكام قضائية بالإدانة أو البراءة.
احتياطي المعلمي
شيد سجن المعلمي منذ أكثر من 25 سنة، وهو عبارة عن مبنى مكون من طابقين وبدروم أرضي، ويحوي (14) عنبراً بمقاسات مختلفة، ومزود بطاقم أمني لإدارة السجن، وما يتعلق بشؤون النزلاء، ويرأس إدارته حالياً العميد ناجي محمد الذي تخرج من كلية الشرطة ضمن الدفعة الرابعة والعشرين ويعد وزير الداخلية الحالي اللواء عبده الترب أحد زملاء دفعته العسكرية الذين تخرجوا معاً، ويحظى بالاحترام والتقدير من قبل النزلاء والعاملين بالسجن، واستطاع أن يرتقي بالإدارة داخله، ويوفر الكثير من الخدمات الإنسانية للنزلاء، ويرمم تلك الصورة الوحشية التي لحقت بالسجن عندما كان تحت إدارة المدير السابق.
يقع السجن في حي سكني مأهول ومكتظ بالسكان، وهذا ينعكس سلباً على نفسية النزلاء داخله الذين يستمعون لجميع الأنشطة الاجتماعية في المنازل المجاورة كالأعراس وغيرها، فيزدادوا حسرة وألماً، كما يؤثر على أجواء السكينة للسكان المجاورين بفعل حالات الشغب التي قد تحدث وما تثيره سيارات الشرطة من ضجيج صباح كل يوم، ومع هذا فوجود السجن داخل الحي وفر له حماية أمنية من أي أعمال قد تستهدف مبنى السجن.
ولعدم قدرتي على زيارة بقية السجون الاحتياطية بالعاصمة فلن أستطيع وضع مقارنة بين سجن المعلمي الاحتياطي والسجون الثلاثة الأخرى، ولكن نستطيع أن نقول إجمالاً إن وضع السجن الداخلي في المعلمي يبدو جيداً، من ناحية المظهر والنظافة العامة، وذلك في الأماكن التي استطعت الوصول إليها، فالجدران خالية من الكتابة العشوائية قياساً ببعض السجون، ويقال إنه جرى إعادة تحديث المبنى مؤخراً ب 14 مليون ريال.
وبحكم طبيعته كسجن احتياطي يكاد يخلو من انتهاكات تمارس ضد النزلاء لإرغامهم على الاعتراف أو إلحاق الأذى الجسدي والمعنوي بهم، مثلما يحصل في سجون البحث الجنائي، أو أقسام الشرطة، إذ تنحصر مسؤولية القائمين عليه في الحفاظ على السجين من الهروب أو الانتحار، ولكن يبقى السجن سجناً مهما كانت درجة التعامل مع النزلاء، وكل هذا لا يبرئه من وجود كثير من السلبيات الحاصلة هناك، أو مظاهر القصور الواضحة داخل زوايا السجن الكئيبة.
عن أجواء السجن
بحسب معلومات مؤكدة هناك 214 سجينا في مختلف غرف السجن حالياً، وقد تناقص العدد إلى النصف، بعد الإفراج عن عدد كبير من النزلاء، قبل إضراب القضاة، وغالبية التهم الموجهة إليهم تتمحور حول قضايا جنائية وأموال عامة وخاصة وخلافات مع شركات في القطاع الخاص وغيرها.
من خلال تركيبة مبنى السجن، فالسجن ليس مؤهلاً لاحتضان كل ذلك العدد من النزلاء، فهو عبارة عن طابقين فوق بعض، وتنعدم فيه أية أماكن مفتوحة للتنفس والتهوية والتشمس كحوش مفتوح أو ميدان رياضي أو أي مساحة يستطيع السجناء التحرك فيها، وقضاء أوقات الفراغ الطويلة داخل تلك الغرف المغلقة، خصوصا انهم يظلون لفترات طويلة خلف القضبان، تصل عند البعض إلى سنوات، فكيف يصبح وضعهم الصحي في ظل تلك الأجواء بعيداً عن الشمس والهواء الطلق.
السجن يعاني بدرجة أساسية من ضيق المكان، وارتفاع عدد النزلاء بما يضطر إدارته إلى حشرهم وتكديسهم داخل الغرف بشكل مزعج ولا إنساني، وفي هذا الجانب بالذات لا تملك إدارة السجن إلا أن تبدي أسفها فالأمر ليس بيدها فهي تستوعب يومياً حالات جديدة، وترى أن المسؤولية تقع على عاتق وزارة الداخلية لتضع حلولاً للازدحام وأزمة السجون القائمة، وكذلك أمام النيابة العامة لتفعيل أداء النيابات وسرعة إنجاز القضايا الماثلة أمامها، حتى يتم تخفيف العدد داخل السجن بشكل آلي، فالنيابات بالفعل تبدو بطيئة بإنجاز القضايا التي بين يديها، وأحد السجناء تم تأجيل قضيته 40 يوماً لتحضير الشهود، وهي فترة طويلة جداً تنعكس سلباً على حياة السجين الذي سيقضي تلك الفترة داخل السجن بانتظار الموعد الجديد.
هناك مظاهر إيجابية داخل السجن لن أتطرق لها حفاظاً على بقائها قائمة، وعدم حرمان النزلاء منها، وهي مظاهر إنسانية بحتة لا تُقدم مجاناً، غير أن بقاءها واستمرارها يصب في صالح النزلاء وحرمانهم منها سيضاعف معاناتهم داخل السجن.
في السجن ستكون أمام خيارات مُرة، إما الاستسلام لمستوى الحياة اليومية الاعتيادية التي يمضي عليها قانون السجن، خاصة في جوانب التغذية اليومية وطقوس الأكل والشرب والنوم، أو مضاعفة نفقاتك المالية الشخصية كي تتمكن من الحصول على نوعية الغذاء المناسب الذي تعودت عليه في الخارج، وهذا سيحمل أسرتك أعباء مالية كبيرة، إذ سيضطرون للإنفاق عليك في الداخل والانفاق على أنفسهم، ومتابعة قضيتك في الخارج.
الغذاء والنوم والماء
الغذاء المقدم من السجن بصورة يومية، لا يستسيغه إلا من وجد نفسه عاجزاً مضطراً لتناوله، وهم الغالبية ممن لم تتمكن أسرهم من الانفاق عليهم بسبب الفقر أو بسبب عدم وجود أقارب لهم في العاصمة، رغم أن أواصر الترابط بين السجناء في العنبر الواحد تزداد التحاماً كل يوم والجميع يشعرون أنهم أسرة واحده فيتقاسمون ما يصل إلى أحدهم ويأكلونه معاً.
التغذية المقدمة عبارة عن ثلاث وجبات يومية، تُعد داخلياً، وهي عبارة عن فاصوليا أو فول أو عدس عند الإفطار والعشاء مع قليل من الشاهي، أو رز مع طبيخ (مشكل) عند الغداء، ومع كل وجبة أربع كدم لا تكفي لسد الجوع، وكل تلك الوجبات لا تنال الاهتمام الكافي من الإعداد والطهي، أو تتنوع طبيعتها، إلا في حالات نادرة، لكنها في كل الأحوال تبدو طعام المضطر لدى البعض سواء سدت حاجته من الجوع أم لا.
أما الماء فهو مشكلة حقيقية يعاني منها السجن في ظل زيادة أعداد النزلاء، وضعف الميزانية المالية الخاصة بالسجن، ما يضطر بالنزلاء إلى دفع مبلغ مالي من وقت لآخر لشراء كميات إضافية من الماء.
الكمية الحقيقية المخصصة لكل فرد هناك، لا تعكس سوى وضع مأساوي كارثي، لا ينبغي السكوت عليه من منظمات حقوق الإنسان ووزارة الداخلية، فكل فرد تُخصص له ما يصل إلى 5 لتر من الماء يومياً للشراب والوضوء والاغتسال، وهي كمية لا تكفي لكل تلك الحاجات، مما يضطر البعض للمشاركة في قيمة الماء للسجن بشكل عام، أو شراء كميات إضافية له شخصياً، ومن لا يملك المال فعليه أن يتكيف مع الكمية المخصصة له، خاصة أولئك النزلاء القابعين في البدروم.
مستلزمات النوم من الفرش والبطانيات تبدو هي الأخرى في حالة رثة، وتنتقل من سجين لآخر، ويلجأ البعض لاستقدام أغراض شخصية من الخارج بدلاً عن تلك المقدمة في السجن.
سجن بلا جامع وكهرباء
الأمر الأهم هو خلو السجن من وجود جامع يمكن أن يتجمع فيه النزلاء للصلاة بشكل جماعي أو فردي، أو يختلون فيه مع أنفسهم ومراجعة ذواتهم وممارسة العبادة خاصة مع حالات الكرب والضيق التي يشعرون بها داخل السجن، وكل الصلوات يؤديها النزلاء فردياً أو جماعيا داخل غرفهم، ما عدا صلاة الجمعة التي يستضيفها عنبر رقم (9) حيت يقيم الحلالي الذي أصبح لطول فترته في السجن خطيباً ومساهماً في إدارة شؤون النزلاء وخدمتهم، ومع الازدحام وامتلاء الغرف بالأشخاص يصبح أداء الصلاة متعسراً إلى حد ما بسبب بقاء الجميع في أماكنهم، ويضطرون لرفع أمتعتهم عند كل صلاة ثم بسطها مرة أخرى بعد الانتهاء.
في سجن المعلمي لا يوجد مولد كهرباء لإنارة الغرف أثناء انطفاء الكهرباء العمومية –وما أكثر انطفاءها- وإذا ما انطفأت يغرق السجن بكامله في الظلام، ولكم أن تتصوروا حالة الازدحام والتكدس للنزلاء التي تصل إلى ثلاثة أضعاف الاستيعاب الحقيقي، ويغرقون جميعاً في الظلام الدامس، ويقوم البعض باستخدام الخازنات الكهربائية المؤقتة التي لا يزيد وقتها عن ساعة إلى ساعتين، وهم بالطبع الميسورون من النزلاء في بعض العنابر، أما الأغلب فيظلون في الظلام حتى عودة التيار مرة أخرى.
بوفية وبقالة السجن هي أيضاً صورة للمأساة المتجسدة هناك، فالأسعار داخلها أضعاف الأسعار في الخارج، وقد يدفع أحدهم ألف ريال ورقة واحدة مقابل علبة ماء بمائة ريال ولا يعود إليه بقية المبلغ.
وأمام هذا الوضع المتدهور في مستوى الخدمات المقدمة للسجناء وهم يقضون فترة السجن الاحتياطي تتضاعف نفقاتهم واحتياجاتهم المالية يومياً لسد النقص القائم في السجن.
فئات عمرية مختلطة
لا يوجد طريقة تتبعها إدارة السجن في توزيع النزلاء على الغرف، عندما يفدون إليها للمرة الأولى، وبالتالي يتم وضع الاشخاص مع بعضهم داخل العنبر الواحد، بغض النظر عن التهم الموجهة إليهم، أو الجرائم التي ارتكبوها، فتجد العنبر الواحد خليطا من أشخاص بتهم مختلفة وفئات عمرية متفاوتة، -باستثناء الأحداث الذين خُصصت لهم عنابر خاصة بهم- وهو ما قد يؤثر على سلوكيات البعض ويتأثر بها، خاصة أولئك الذين يدخلون السجن لأول مرة، وتعرضوا للظلم واهتضام الحقوق، عندما يحتكون بأفراد عصابات أو ما شابه ذلك، فيخرجون إلى الواقع بأفكار أخرى خصوصاً إذا قضوا فترات طويلة داخل السجن، وتزداد احتمالية حدوث ذلك مع عدم سرعة البت في القضايا أمام النيابات والمحاكم، وغياب أي مظاهر تأهيلية وإصلاحية للنزلاء داخل السجن.
الأمر المحزن والمخجل هو غياب الدور الكامل لوزارة حقوق الإنسان، والمنظمات الحقوقية، والإدارة العامة لحقوق الإنسان المستحدثة مؤخراً في هيكل وزارة الداخلية الجديدة، من النزول الميداني إلى السجن والاطلاع على وضع النزلاء، وتقديم العون القانوني لهم، وأجزم مؤكداً أن المختصين في الإدارة العامة لحقوق الإنسان بوزارة الداخلية لم تصل أقدامهم أو عيونهم إلى مثل تلك السجون، وإن كانوا قد وصولها، فهم لم يفعلوا شيئاً يذكر، وهي مناشدة وبلاغ نضعها بين يدي المفتش العام بوزارة الداخلية، ونحن على ثقة أنه لا يرضى بحدوث هذا، ولديه نشاط واستعداد لمعالجة كل هذه الظواهر والسلبيات ويسعى جاداً لحلها.
وثمة أمر محزن ومؤسف داخل سجن المعلمي الاحتياطي، فهناك عدد كبير من السجناء لديهم أوامر بالإفراج عنهم وبأحكام قضائية، لكن لم يستطيعوا الخروج بسبب عجزهم عن تقديم ضمانات تجارية كما تشترط النيابات، وهو شرط لا ندري مدى صحته قانونياً، وهم حالات كثيرة سنتحدث عنها لاحقا.
وهناك ملاحظات أخرى يتحدث عنها السجناء عن السجن، وهي الغرف الأرضية أو ما يعرف بالبدروم، وما يعانيه القابعون هناك من معاناة، وأوضاع سيئة، يتعرضون لها بحكم طول الفترة التي يقضونها داخل السجن، ويعتبرون الفئة الأكثر ظلماً وفقراً وبؤساً، وأصبح وضعهم رعباً يتم تخويف السجناء الآخرين من معاقبتهم بإنزالهم الى البدروم، في حال عدم التزامهم بالتعليمات الموجهة إليهم.
فهد السقطري.. قصة غربة تنتظر الإفراج
منذ أكثر من خمسة أشهر والمواطن فهد سالم صالح السقطري محتجز في سجن المعلمي الاحتياطي على ذمة خلاف إداري بينه وبين بنك التسليف التعاوني الزراعي الذي كان يعمل موظفا في فرعه بجزيرة سقطرى.
قصة فهد تبعث على الأسى، وتحرك كوامن المشاعر الإنسانية للتعاطف معه، جراء الظلم الذي لحق به، وهو الرجل الذي يدخل السجن لأول مرة في حياته، وعاش بين قومه كريماً خدوماً لهم، ويقوم على قضاياهم ويحظى باحترامهم، وله مكانه اجتماعية عالية في قلوب وسكان الجزيرة، الذين أحبوه لدماثة أخلاقه وحسن معاملته لهم.
يفتقده الآن قومه في حارة 21 فبراير بالجزيرة، وأهله وأبناؤه أكثر من افتقدوه، اما هو فيصارع مرارة السجن، وقهر الظالم، وغربة المكان النائي، البعيد عن موطنه وموطئ قدمه، فليس له أقارب في صنعاء كي يزوروه في السجن، وليس لديه نفوذ كي يتمكن من متابعة قضيته لدى الجهات القضائية.
تتلخص قضية فهد في اكتشاف عجوزات رقمية بفرع البنك بالجزيرة لا تتطابق مع الرصيد الفعلي المخصص للفرع، وسافر وفد من إدارة البنك في صنعاء للجزيرة لمعالجة المشكلة، وتم الاتفاق مع بعض المقاولين في الجزيرة لتغطية العجز البالغ 160 مليون ريال وذلك بدفع 44 مليون ريال، لكن إدارة البنك تراجعت لاحقا عن الاتفاق، وطلبت من فهد السفر إلى صنعاء لمقابلة رئيس مجلس إدارة البنك وشرح المشكلة وعرضها عليه، وعندما وصل إلى صنعاء بتاريخ 27 نوفمبر الماضي، وتم الإتفاق على نزول لجنة مالية لمراجعة النظام، وقبل أن يسافر إلى الجزيرة طلب منه المختصون في البنك مقابلة إدارة الشؤون القانونية، وعندما حضر فوجئ بعدها بمجموعة من العساكر أخذوه غدراً واقتادوه إلى سجن البحث الجنائي بتهمة الاستحواذ على المبلغ، تعرض فيها للإذلال والشتائم، ومكث هناك 21 يوما، بعدها أحيل الى سجن المعلمي الاحتياطي.
فهد متمسك بمطلبه، وهو عرض المشكلة على خبير في تقنية البرامج المالية التي يعمل عليها البنك، وستتضح الحقيقة، ويؤكد أن القضية لا تخلو عن كونها برمجية بحتة، وأن إدارة البنك ترفض هذا المقترح وتطالبه بسداد المبلغ، بينما هي حسب كلامه، تعمل على عدم إظهار الحقيقة وطمسها كونه وزميله يمتلكون خيوطاً قد تدين بعض المسئولين في الإدارة.
كلف فهد محامية لتترافع عن قضيته وتتابعها أمام الجهات المختصة لكن بعد الجزيرة وارتفاع كلفة أجور المحامية في صنعاء يجعل من الصعب تواجدها في صنعاء ومتابعتها في القضية، ويرى أن الجهات المعنية في قضيته تتعامل معه بدونية واضحة كونه من سقطرى.
وما يزيد قضيته تعقيداً هو النفوذ العبثي للبنك في النيابات لإلصاق التهمة به وتحميله المبلغ، ويقول إن أحد الأشخاص كان قد تدخل لمساعدته، لكنه تعرض للتهديد من شخص عبر الجوال طالبه بعدم الاقتراب من فهد وصديقه.
الآن فهد يطالب بالإفراج عنه بالضمانة الأكيدة للدفاع عن نفسه، بعد حبسه لأربعة أشهر، وتعرضه للظلم وابتعاده عن أهله، وعدم وجود من يسانده في صنعاء قانونياً أو مالياً.
فهد يبدو إنساناً بسيطاً كبساطة أبناء سقطرى، لكنه الآن يدفع ثمناً باهضاً في قضية نزلت عليه من حيث لا يشعر، ومنذ دخوله السجن تعرض منزله للسرقة لمرتين متتاليتين، وتغير وجه الجزيرة السياسي بعد اعلانها محافظة مستقلة بذاتها، وما يأمله فهد من المسؤولين الجدد في الجزيرة هو تدخلهم في قضيته ومساندتهم له ومتابعتها لدى الأطراف الأخرى.
* في العدد القادم سنستعرض قصص وأحداث مأساوية لنزلاء سجن المعلمي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.