يتحرك الخطاب الإعلامي للحوثي على ركيزتين الركيزة الأولى هي "السلمية " وهي المفردة التي يداعب بها ناشطي المجتمع المدني والمنظمات الدولية والمدافعين عن حقوق الإنسان . السلمية هي القيمة الأنقى التي اعتنقتها ثورات الربيع العربي وهي تحاول الهروب من أنظمة الحكم المتسلط ، سيعمل الحوثي على تحويلها إلى حيلة ماكرة لسرقة ماتبقى من ربيع في النفوس حين يحيطها بالبنادق . نحن نعلم لقد طوعوا الثورة ، لقد عاد الفساد ، وتحولت الحلول التوافقية إلى حالة هجينة لايتوالد فيها سوى الفساد والتراخي وغياب الدولة ، سقطت البلاد في أيدي جماعات العنف والقتل ، فشل الاقتصاد وفشلت الجكومة وفشلت الدولة وقبلهم جميعا فشلت النخب والأحزاب ، كان كل شيء يستدعي أن تقف الثورة على قدمها مرة أخرى . لكن الذي حدث ويحدث أن الثورة المضادة هي التي وقفت ، الثورة المضادة للثورة الأولى والثانية . هل يحتاج أينا إلى مايؤكد هذه الحقيقة ؟ شخصيا ، أنا ضد كل استغلالات الحوثي ، إلا إنني كإنسان وجدتني حزينا جدا إزاء مناظر الدم ، لقد ذكرتني كثيرا بي وبأصدقائي في مواجهة الرصاص والموت المصبوب علينا من البدلات العسكرية ، وكنا لانحمل شيئا سوى الورود ، كل شريط الحزن المخبوء في ذاكرتني عاد كما لو أنه ولد من جديد !! على الجيش والأمن تأمين العاصمة حيت يتواجد المسلحون الذين يفرضون نقاط التفتيش ويتمترسون علنا دون مواربة . كما أن على المتظاهرين أن يؤكدو عدم ارتباطهم بأولئك المجاميع العسكرية التي تحاصر العاصمة ولا بأعمال العنف التي تجري في الجوف حتى لايسقط عنهم وصف المتظاهرين السلميين . سنحاول أن نذكر أخوتنا الذين يتظاهرون سلميا بأننا في ثورة فبراير لم يكن لدينا ناطق رسمي يتحدث باسم الثورة وينصب نفسه زعيما للثورة ، لم نكن ننتظر خطابا عند التاسعة ليحدد لنا خارطة التحرك وأين تسير المسيرات وماهي ملاحظاته على اليوم الأول ، لم نتفق حتى على عيد وطني للثورة ، فكل مواطن يعتبر خروجه الأول عيد ثورته ، نعم كنا ممزقين وطوائف وأحزاب وطرائق قددا ومذاهب شتى ، لذلك كنا الشعب . أعلنا ثورتنا ضد نظام فاسد ، بالأدق ضد عائلة فاسدة ، لم نتهم حتى الحزب الحاكم نفسه بالخيانة والعمالة والتفريط بالوطن ، لم نعلن أحزابا كاملة كأعداء حتميين كما تفعلون ، لم نتهم الإعلاميين والناشطين الذين أبدو رأيا مخالفا بأنهم دواعش تستحق الموت ، لم نهدد أحدا بأن مصيره في خطر حين ننتصر ، لم نكن ثورة تطهير تسم كل مخالفيها بالدواعش . من منا لم يهدد ، من منا لم يبق قلقا على أطفاله في ذهابهم إلى المدرسة وإيابهم ، ومن من مخالفيكم لم يفتش سيارته عند كل زيارة خوفا من أن تكونوا قد تركتم له لعبة صغيرة عند الإطار الأيسر ؟ السلمية ليست فقط مسيرة مسالمة ، إنه خطاب مسالم ، ورؤية مسالمة ، وتاريخ مسالم ، ولهذا أدان الشباب في الساحات حتى اعتداء النهدين ذاته ، وقد كان يستهدف الرأس الأول في النظام الذي رفضناه . أنا هنا لا أبرر للعنف وسفك الدم ، اللعنة علي إن كنت أريد ذلك وقد عشت ذات المشهد في الساحة مع رفاقي ، لكني أوضح كيف أن خيارات العنف و سلوك السلاح والقتل والاعتداء المسكوت عنه في المناطق الأخرى يمكن أن تجعل من خيار السلمية خيارا سهل النقض خاصة حين لاتقولون عن ذالك العنف شيئا بينما يصفه آخرون منكم بالملاحم البطولية وأعمال الفداء !!!. السلمية هي البطولة ، وعلى شباب الحوثي أن يحافظ عليها بيضاء نقية دون أن يسمح للأجنحة المسلحة بسرقتها واستغلالها والمتاجرة بالدم الحار المسفوك على الأرض كما تاجر المتاجرون بدماء رفاقنا قبلا . أما الركيزة الثانية فهي "الجرعة " وهي المفردة التي يداعب بها الشعب ، وعند مفردة الشعب هذه يجب أن نقول شيئا عله يسمع . أن يعلم المتظاهرون حقيقة هامة ، وهي أن الشعب اليمني لا ينطق لهجة واحدة ، لا يعترف بالألقاب ، وجغرافيته ليست فقط خمس محافظات ، ليس مذهبا وحيدا مسيطرا وحاكما وليس عائلة مالكة . وحين كنا نقول إنها ثورة شعب كان لدينا سبع عشرة ساحة في كل المحافظات ، سمعنا فيها الأغنية والانشودة ، الزامل والقصيدة ، القاف والجاف والغاف ، الرقص والبرع ، المحجبات والمنقبات وحاسرات الرؤوس ، القبيلي والمثقف والأكاديمي وعمال الشوارع الذين وفرت لهم خيامنا مكانا للنوم ، كان الشعب بكل مظاهره وتعبيراته ، لم نكن نكذب ولا نراوغ حين قلنا عن أنفسنا أننا الشعب لأننا كنا أغلبه وأصلبه . فيما حشد النظام أنصاره من كل مكان ليحشرهم في ساحة واحدة كان يقول عنها إنها الشعب . يمكن أن تسألو أنفسكم سؤالا سهلا ، مالذي تغير حتى صرتم لاترون الشعب غيركم ؟ وما هو الفارق بين الأمس واليوم؟ لقد شهد العالم كله من أقصاه إلى أقصاه بسلميتنا ونزاهة مقصدنا وعدالة قضيتنا ونبل مطالبنا ، وكانت وسائله الإعلامية تنقل صور النساء وتتعجب من شعب تغلب حتى على عاداته الاجتماعية الصلبة للتعبير عن نفسه كشعب حر ومطلب واضح ، شعوبا وقبائل . يمكن لأنصار الله وإخوتنا المتظاهرين أن يطلعوا على وكالات الأنباء العالمية وعلى تقارير المراكز البحثية العالمية المتخصصة والمؤسسات الدولية المعتبرة ماذا تقول عنكم ، وما إن كان أحد في هذا الكون قد صدق مزاعمكم. آخر هذه التقارير ، تقرير مجموعة الأزمات الدولية الذي صدر البارحة وتحدث عنكم بوصفكم جماعة مسلحة لها ارتباط بصالح. الجرعة قاتلة ، كل الشعب قال ذلك بوضوح ، لكن أسلحتكم أخافت الناس منكم أكثر من الجرعة ، لأن المقارنة تكون صعبة حين يكون الخيار بين جوع يمكن أن نخلق له البدائل وبين العدم ، تماما كما كان القلق يساور كل الرافضين للسياسات الخاطئة التي أعقبت الثورة من أن يصرخوا ضد الدولة خشية من أن يقفز صالح إلى الواجهة أو تقفزو أنتم مدججين بالسلاح ، أو كلاكما كما هو الآن . كنت في الحقيقة لا أريد أن أعلن عن تعاطفي وحزني ، ليس لأني حيوان يمكن أن يعلن حالة التشفي ، بل لأني أخشى على حالة التعاطف أن تكون سببا في استمرار الدم وبقاء المتاجرة ، لأن واجبي الأخلاقي كيمني أن أقول لكم شيئا واضحا ، ذلك هو التعاطف الأخلاقي معكم ، ألم يعلمنا الرسول بأن ننصر أخانا مظلوما وظالما ، ها أنذا أنصركم ظالمين مع علمي بأن السهل عندكم أن تتهموني . تذكرو يارفاق القلم بقينا نبرر للحوثي - أو نصمت عنه- معاركه الأولى وعناوينه الأولى ، ولو أننا قلنا له بصوت مسموع إن العنف والسلاح ليس مقبولا لربما سلمنا كل هذه الفوضى ، لكننا منحناه غطاء أخلاقيا ضد خصومه ، فكان في دماج يحارب الأجانب والتكفييرين الذين صمتنا لأنهم كذلك ومنحناه السلطة الأخلاقية التي تظلله ، ثم قلنا عن بيت الأحمر بأنهم فاسدون ومنحناه ذات السلطة ، ثم سقطت عمران لأنها تتبع بيت الأحمر ومحاظها إصلاحي ، ويحارب الآن في الجوف الداعشية كما يقول وغيرها من الحروب والمبررات والعناوين . وحتى اللحظة لازال الكثير يتملقه رغبا ورهبا ، سكتنا حتى نكون أكثر اتزانا ، حتى لايقال إننا نحرض على العنف ، لقد كنا والله نفعل ، وكل هذا التواطؤ لم يفرض خيار السلام كما كنا نتوهم ، بل هاهو ذا يهدد السلام اليمني كله وقد قسم الحوثي الناس على طريقته وهواه بين صديق معي وعدو من داعش يقف في طريقي . السلام خيار ، وللأسف كان بالنسبة لنا كما الإنسان ، كما الدم ، كما المواطنة والوطنية ، كما الحرية ، كما الطائفية ، كما مخرجات الحوار ، قضايا تصلح لأن تكون على طاولة التفاوض ، وهذه هي النتيجة المرة التي ترونها الآن ، الموت يدق كل الأبواب !! إنها ليست خطيئة الحوثي وحده ، فمعه كل أولئك الذين سكتوا عنه أو تواطأو معه ، أو سارو في ركابه . لهذا تعاطفوا الآن أو اصمتوا ، لقد قتلتموهم قبلا وتاجرتم بالدم من حيث لا تعلمون .