أصبح هذا الوطن المفجوع في أبنائه العصاة المارقين عن طاعته وبره كالذي تتخبطه الشياطين من المس. وهم يتقاتلون على الورث فيما بينهم، كل يشد من جهته حتى قطعت بينهم شعرة معاوية. ووصل الخصام بينهم حد الفجور وحد القطيعة والثأر. يصفون حساباتهم فيما بينهم بأثر رجعي وبكل ما أوتوا من الحقد والغل والكراهية بأسهم بينهم شديد. وكلما استبشر الناس باتفاق وقع بينهم إذا فريق منهم يجحد ما اتفق عليه تحت مبررات وأعذار أقبح من ذنوب. فمن المبادرة الخليجية إلى اتفاق السلم والشراكة إلى الاتفاقات الثنائية المبرمة بين أطراف اللعبة السياسية. وكلها تم خرقها والتنصل منها. وكلما استبشرنا خيرا في حقن الدماء إلا وسالت من جديد. النفق مظلم وطويل، ولا بقعة ضوء تلوح من آخره. ليس تشاؤما انما لأن البعض لا يستطيع العيش في الضوء وأدمن الظلام وحالة الفوضى والتسيب لأن ذلك يوفر له مرتعا خصبا وموردا غزيرا ينمي به مواهب الاجرام والقتل والنرجسية التي تمده بالطاقة والاستمرارية في الغي والفجور. بيدهم أن يتجاوزوا كل المعوقات وأن يجتمعوا حول نقاط الالتقاء ويبتعدون عن نقاط الخلاف والفرقة والشقاق، لكنهم لا يريدون ذلك. فصنع الأزمات وافتعال الحروب والمشاكل جزء من مخططهم لضمان بقائهم لأطول مدة ممكنة في مراكز صنع القرار والهيمنة على ثروات الشعب ومقاليد الحكم. وليظل هذا الشعب الأبي أسير ومقيد بقيود أزماتهم وحروبهم التي لن تنتهي إلا إذا هب هذا الشعب وقال كلمته. لأن البقاء في حالة اللادولة وبجيش وأمن غائبين تماما عن الساحة قد يؤدي إلى فشل الدولة ووضعها تحت الوصاية الدولية كما هو معمول به في كثير من الدول الفاشلة سابقا. فإلى متى سيظل هذا الشعب بلا شبع من جوع ولا أمن من خوف؟ وإلى متى ستظل تلك الطفيليات تمتص دمنا وتسرق مستقبل أولادنا وتعبث بأمن وطننا واستقراره؟