في الوقت الذي تشهد فيه البلاد موجة عنف ملتهبة وصراعا محموما بعد اجتياح جماعة الحوثي للعاصمة صنعاء ومحافظات أخرى وسيطرتها على معظم مرافق الدولة في غياب تام للدور الحكومي والأمني، لتبدأ هذه الجماعة خطوة أخرى في تأسيس دولة موازية تحت مسمى "اللجان الشعبية" تمارس مهام الدولة التي صار لاحول لها ولا قوة. بدأت هذه اللجان بمزاولة أعمالها الضبطية من ناحية ومن ناحية أخرى تقوم بمهام انتقامية من الخصوم متشبثة بأعمال السلطات المحلية التي كانت الحلقة الأضعف حين تخلت عن مهامها، فضلالا عن تسليم المهام لهذه اللجان على أطباق من ذهب. بدت اللجان كحاكم فعلي يمارس المهام الأمنية متجاوزة إلى المهام القضائية بعد استلامها لملفات قضايا متعددة خرجت من أدارج القضاء لتستقر بأيديهم للبت فيها. وهو ما يعتبره مراقبون بأنه ظاهرة مخيفة وضرر قد يتحول إلى عمليات ابتزاز وانتقام لمن يخالفهم. فيما يرى آخرون أن لهذه اللجان دور فاعل في المساهمة في حفظ الأمن والاستقرار في ظل الانفلات الأمني وارتفاع منسوب الاحتقان السياسي. صراع وغليان الأكاديمي السياسي نبيل الشرجبي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحديدة يؤكد في تصريح خاص ل"الأهالي" أن النسبة الغالبة لأي لجان ثورية أو شعبية تكون ذا ضرر كبير. مضيفا: "لو نتأمل التسمية لوجدنا أنها جاءت كتخفيف من حدة المسمى الأساسي أو السابق (الميليشيات المسلحة أو الجماعة المسلحة) وتحولت إلى لجان عسكرية غير رسمية". يضيف الشرجبي "إذا عملنا جرد للأحداث منذ دخول الجماعة المسلحة إلى العاصمة صنعاء لوجدنا أن هناك ارتفاع في منسوب الصراع مع المكونات السياسية، وأحدث ذلك نوعا من الغليان في الشارع اليمني". ويتابع أنه "ترك لهذه الجماعات المسلحة حرية التصرف كما تريد دون أي موقف رسمي يوقفها عند حدودها، وأدى ذلك أن الجماعة لونت الحياة اليمنية بلون العنف والصراع ألغيت على إثرها ثقافة الحوار والتقارب". ويزيد: "اليوم نرى أن هذه اللجان تنتزع سلطة الدولة قضائياً وأمنياً، وشاهدنا في الفترة الأخيرة ملفات لقضايا كبيرة في أيديها بعد أن وصلت للنيابات وبينها لأجهزة القضاء والمحاكم، وهذا ينذر بخطر كبير في أن تستخدم اللجان أساليب الابتزاز لأشخاص كثير وخصومهم بدرجة أولى ولمن لا يقر لهم هذه التصرفات". يقول الشرجبي إن الدولة غائبة عن مسؤولياتها "وفي الفترة الأخيرة شاهدنا القرارات التي أصدرتها كما لو أنها تنفذ لهذه الميليشيا مطالبها وتنتقم من الأحزاب والمكونات السياسية الأخرى، وتأتي تلك القرارات بعد الكثير من مواقفها السلبية المتسلسلة إزاء الأحداث الأخيرة التي كان أبرزها تخليها عن مسؤولياتها قبيل دخول الجماعة صنعاء وسيطرتها عليها". تخوف يبدي الدكتور الشرجبي تخوفه من زيادة الاحتقان السياسي والوصول إلى طريق مسدود ينهار معها البلد برمته إذا لم يتم سحب هذه الجماعات أو تأطيرها وتفرض الدولة هيبتها من خلال الاتفاق وبصورة عاجلة على خطة أمنية لسد الفراغ الأمني وتفادي عواقب هذه اللجان التي ستؤدي إلى مزيد من التمزق في النسيج اليمني وارتفاع حدة الالتهاب في مربع العنف والغليان الذي تشهده الساحة. حد قوله. ليست بديلة للدولة يرى أمين عام المجلس الأعلى للقضية التهامية الشيخ عبدالغني المعافا، أن تفعيل اللجان الشعبية ضرورة، خصوصاً بعد تنصل الدولة عن مهامها وضعف الدور الأمني. منتقدا تشكيل اللجان من طرف واحد هو مكون "أنصار الله" وقال إنه كان الأحرى أن يتم إشراك جميع المكونات في تشكيل هذه اللجان حتى يكون لهم دور فاعل في سد الفراغ الأمني واشراك الجميع في تحمل المسؤولية، ومع ذلك فقد لعب أنصار الله دورا كبيرا في ضبط جملة من المخالفات. حد قوله. يعتبر المعافا في حديثه ل"الأهالي" أن دور اللجان الشعبية "وقتي وليست بديلة عن الدولة". متمنياً أن تقوم الدولة بمهامها بصورة عاجلة وتفرض تواجدها الفعلي، خصوصاً أن الوطن تتجاذبه كثير من قوى الشر وقد تدفع بالجميع إلى نهاية لا تحمد عقباها. حسب قوله. إحلال الدولة منسق مجلس شباب الثورة السلمية بالحديدة، طارق سرور، يعتبر تلك اللجان بأنها إحلال للدولة وايجاد دولة موازية وأنها تساهم في خلق حالة من الفوضى والعبث لأنها غير محكومة بضوابط، وبالتالي سيتحول معظم العصابات الخارجة عن القانون ومن لديهم سوابق في الجرائم إلى لجان شعبية يمارسون الابتزاز والتقطعات والنهب والقتل تحت مسمى اللجان الشعبية، مشيرا إلى أن عمليات قتل ونهب حدثت في الحديدة تحت هذا المسمى ولم يتم القبض على الجناة. حد قوله. يضيف سرور في حديثه ل"الأهالي" أن سلبيات هذه اللجان باتت واضحة مثل قتل مواطنين دون أن نجد له غريم، واقتحام بيوت ومقرات أحزاب ومؤسسات وغيرها باسم هذه اللجان التي لها أضرار أكبر من الهدف الذي أسست له. ويؤكد على ضرورة استعادة الدولة من خلال تفعيل الجانب الأمني وتشكيل هيئة وطنية ومجتمعية مشتركة لمراقبة عمل السلطات المحلية والقضائية والأمنية وتفعيلها. ضرورة حتمية يؤكد رئيس اللجان الثورية التابعة ل"أنصار الله" بالحديدة، عبدالرحمن الجماعي، أن اللجان الشعبية تعد ضرورة حتمية نتيجة ما وصفه بالتدني والقصور في أجهزة الأمن، وأن فكرة تشكيل اللجان جاءت استشعاراً بروح المسؤولية من أنصار الله للحفاظ على أمن وسكينة المواطن وترسيخ الأمن في البلد. مضيفا في اتصال هاتفي مع "الأهالي" أن اللجان الشعبية ليست بديلة عن الجهات الأمنية ولكنها جاءت نتيجة الضعف الأمني وعدم قيام الأجهزة الأمنية بواجبها. مطالباً الدولة باستيعاب أفراد اللجان في أجهزة الأمن لأنهم قاموا تطوعاً بدور يشكرون عليه في التصدي لعناصر الإرهاب. حد تعبيره. يعتقد الجماعي أن الوطن ليس بحاجة إلى اللجان الشعبية إذا قامت أجهزة الأمن بواجباتها في جانب الحماية على أكمل وجه. حد وصفه. تصفية حسابات يرى الصحفي عبدالحفيظ الحطامي، أن تلك اللجان قد ساهمت في انهيار أجهزة الأمن والجيش، بشكل مباشر وبالتنسيق مع النظام السابق وكافة أدواته. مضيفا في حديث ل"الأهالي" أنه كان بإمكان اللجان الشعبية أن توسع قاعدتها ضمن شباب الثورة لتقوم بدورها ضد بقايا النظام البائد وعتاولة الفساد في النظام الحالي الذي هو امتداد لنظام علي صالح، وبالتالي فالضرورة الثورية كانت يجب أن تكون لهذه اللجان، أي امتدادها لشباب الثورة وتنسيقها معهم وليس الارتماء في أحضان النظام السابق. حد قوله. يضيف الحطامي: للأسف أصبحت اللجان أداة لأجندة محلية وخارجية لضرب قوى حية وشريكة لها في النضال ضد نظام علي صالح، بل ووسيلة له في تصفية حساباته الشخصية مع خصومه بدليل أن اللجان الشعبية حتى اللحظة لم تتجه إلى أركان الفساد في النظام البائد بل بالعكس وقفت ضد من وقف معها في ثورة فبراير واستهدفتهم بصورة انتقامية غريبة". ويعتقد أن اللجان ليست ضرورية وتواجدها "أصبح يولد بؤر للأحقاد وتوسيع لدوائر المد الطائفي والشللي والمناطقي والانتقامي، فهي بالتالي تمثل ضررا فادحا على القضية الوطنية بل أوصلت البلاد إلى مشارف حرب أهلية تطل بقرونها السوداء واستجرار تاريخ الصراعات واجهاض القضية الوطنية وتدمير الوحدة والقضاء على الجمهورية ونسف كافة الأهداف الثورية ومسيرة النضال الثوري لليمنيين من أجل التغيير منذ ثورة منتصف القرن الفائت وحتى ثورة 11 من فبراير". حد قوله. انتهاكات يتحدث الناشط الحقوقي غالب القديمي، مسؤول وحدة الرصد بمنظمة مناصرة للحقوق والتنمية، عن أبرز انتهاكات اللجان في الحديدة منذ اجتياحها، مشيرا إلى مصادرة المؤسسات الحكومية وعمليات قتل واعتقالات واختطافات. مضيفا في حديث ل"الأهالي" أن تلك اللجان اقتحمت مؤسسات حكومية ومجمع النيابات ومبنى المحافظة وقامت بتنصيب محافظ جديد قبل أن يصدر به قرار جمهوري والسيطرة على ميناء الحديدة وكلية التربية في زبيد وإدارة أمن الجراحي ومبنى اللجنة العليا للانتخابات ونادي الضباط ودار الضيافة بهيئة تطوير تهامة وبيت المحافظ إضافة إلى اقتحام مرافق خاصة مثل مستشفى 22مايو. حد قوله. ويزيد: إنهم يمارسون الانتهاكات بحق المواطنين من خلال حجز حرياتهم بحجة أنهم خصماء لآخرين وكذلك مطاردة وتهديد مجموعة من الناشطين الإعلاميين والحقوقيين".