التحول الذي رافق الحركة الحوثية منذ الحرب الأولى مع الحكومة في 2004، أبرز ملمحها السياسي، وتطور ذلك التحول بشكل أكبر خلال وبعد العام 2011 باتخاذ الحركة مظاهر سياسية على مستوى علاقتها بالشأن السياسي العام في البلد، وعلى المستوى التنظيمي. ولعل من أهم مظاهر التجلي السياسي للحركة مشاركتها الفاعلة في مؤتمر الحوار الوطني، رغم تحفظاتها أو عدم مشاركتها في التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التي بني المؤتمر عليها، ومن خلاله ساهمت بصورة كبيرة بتفعيل مشكلة صعدة والقضية الجنوبية كأجندات سياسية في الداخل والخارج على جدول العملية السياسية، ثم مشاركتها الرئيسية في الصياغة والوصول إلى اتفاقية السلم والشراكة، والمشاركة في إعداد مسودة الدستور الجديد وكذا تفاعلها مع القضايا الشعبية. وعلى المستوى التنظيمي أخذت الحركة الحوثية ببعض الصيغ الحزبية في التنظيم من تشكيل لمكتبها السياسي وإنشاء دوائر متخصصة، والاهتمام بالناحية الإعلامية والدعائية. بيد أنها إلى اللحظة متوقفة في المنتصف في الجانبين السياسي والتنظيمي فلم تبلور أفكارها ورؤاها في رؤية سياسية واضحة، وبرنامج عمل سياسي, ومازال قادتها، ربما مترددين في إعلان الحركة حزباً سياسياً بأيديولوجية وبرنامج سياسي وصيغ تنظيمية محددة، على ما تراكم لديها من تجارب وما طرحته من رؤى في وثائقها بدءاً بملازم المؤسس حسين الحوثي ومروراً برؤاها المقدمة لمؤتمر الحوار وانتهاءً بخطابات زعيمها عبدالملك الحوثي. ولعل إشكاليتها الرئيسية تكمن في أحد أهم مصادر قوتها السياسية الراهنة، أقصد قوتها العسكرية وتمددها الجغرافي بدرجة رئيسية بفعل تنظيمها المسلح. في يوليو الماضي سيطرت الحركة عسكرياً على مركز محافظة عمران الأقرب من بين المدن إلى صنعاء، لكن مع إعلان حكومة باسندوة نهاية ذات الشهر رفع سعر المشتقات النفطية وموافقة الأحزاب الرئيسية عليها، تصدر الحوثيون القوى الرافضة ل"الجرعة" مكتسبة شعبية عارمة ومفاجئة زاد من اندفاعها وتوسعها حول الحركة أنها الوحيدة منذ نحو عقدين تمكنت من فرض إقالة الحكومة وتخفيض نسبة كبيرة من زيادة الأسعار، الأمر الذي منح الحركة الحوثية مصداقية شعبية تفتقر إليها بقية القوى السياسية، ليس في المناطق الزيدية فقط بل وفي المناطق السنية كذلك وبالأخص في المحافظات الشمالية. فوق ذلك مكنها الالتفاف الشعبي مع قوتها العسكرية من إسقاط صنعاء وكأحجار الدومينو سقطت سريعاً معظم محافظات الشمال بيد مسلحي الحركة ليفيق اليمنيون وبينهم الحوثيون أنفسهم على مشهد سياسي جديد. التمدد الحوثي المفاجئ سواءً العسكري والشعبي كان أكبر من الاستعداد والطاقة التنظيمية للحوثيين الذين تشكلوا على المستوى الداخلي للحركة في ثلاث فئات رئيسية، فئة الرعيل الأول رفقاء الحركة خلال نشأتها وحروبها وأغلبهم من المنتمين لمحافظة صعدة. وهم الأكثر انضباطاً والتزاماً، وفئة حوثيي ما بعد 2011، وأخيراً حوثيي ما بعد 21 سبتمبر وهم التيار الأوسع عدداً داخل الحركة لكن الأقل التزاماً. وربما أسهم عجز الحركة عن إيجاد صيغ تنظيمية لواقعها الجديد في ارتكاب أخطاء بصورة رئيسية لجهة استيعاب وحفظ مناصرة الرأي العام، الضمان الحقيقي للاستمرار كقوة سياسية وجماهيرية وحتى عسكرية. لجأت القيادة المركزية للحركة في صعدة لضبط إيقاع مسارها وصورتها لدى الرأي العام وتخفيض الأخطاء لأدنى حد ممكن إلى الاعتماد على الرعيل الأول في إدارة شؤونها وعلاقاتها على مستوى المحافظات وربما المديريات التي سيطرت عليها الحركة. فطعمت أنصارها من أبناء المحافظات والمديريات بعناصر من الرعيل الأول وهم بالأصل عسكريون وقبليون معظمهم من محافظة صعدة، على قدر انضباطهم ولدوا شعوراً حتى بين الموالين للحركة من المناطق الأخرى باعتماد المركز عليهم وبالنتيجة التهميش لمن سواهم. إضافة لتعاطي بعضهم مع الأوساط الاجتماعية والسياسية في الكثير من المناطق بنشوة المنتصر وبعقليات أمنية ناجمة عن خلفياتهم العسكرية بالأساس، إضافة إلى الافتقار لفهم الثقافات المحلية في بعض المناطق. يتبع.. الحلقة (4)