يصر البعض على مغالطة أنفسهم وتحويلنا إلى نخب من المتشائمين، وتحويل أحلامنا إلى كوابيس تمنعنا حتى من الحياة الطبيعية في أقل حالاتها , وذلك عبر الكتابة بكل إنتقائية ومبالغة غير واقعية في سوداوية القادم لليمنيين . وتحرص هذه النخب على التنقيب في التاريخ وزبالات الأحداث , للبحث عن كل ما يجعل اليمنيين يفقدون كل أمل في التغيير ,وينسون كل تضحياتهم وكل ماأذهلوا به العالم من طرق حضارية وتضحيات لا تحصى من جميع فئات وأطياف المجتمع اليمني , بل يصر البعض على طمس أثار الثورة في الإعلام والشوارع , ويحاولون إعادة صياغة التاريخ بطريقة تنسينا أننا قدمنا التضحيات وحققنا مالم يكن يحلم به أكثرهم تفاؤلا في ظرف سنة . وقد كنت حقيقة تأثرت بألتهم الدعائية والتشاؤمية الشوفينية ..لكن حينما جلست مع نفسي بعيدا عن جو الإنفعالات المشحونة، التي يلغمون بها صفحات الفيس بوك والتويتر والصحف وقنوات الإعلام.. وجدت أننا كيمنيين قد حققنا المستحيل ونحن في الطريق لإكمال بقية أهدافنا بعد أن صارت أسهل وأكثر قابلية للتحقيق . ووجدت أن اليمن بفضل شبابها الموجود في الساحات لا الموجود في المقايل ووسائل التواصل الإجتماعي , وبفضل المخلصين من النخب السياسية والعسكرية قد تحقق لها أن : - نجت اليمن من حرب أهلية كانت ستأكل الأخضر واليابس وماكان لأثرها أن يحول صنعاء لبيروت الثمانينات وربما معظم مدن اليمن . - تخلق خلال فترة الثورة جيل جديد من جميع الأحزاب والمستقلين يقبل بالشراكة ويرفض الإستبداد السياسي داخل الأحزاب , وكما يرفض حشره في كهف الصراع الأيدلوجي وثاراته السياسية التي قيدت العمل السياسي في اليمن من الإنتقال إلى العمل السياسي الحزبي المدني الغير ملغم بأعباء الأيدلوجيا الجامدة. وإن ظلت بعض الأطراف الصغيرة في كل الأطياف التي ترفض تغيير وعيها السياسي المقيد بأثار الماضي والأيدلوجيا . - القوى التقليدية تقلص دورها في الحكومة الحالية مهما حاولنا أن ننكر ذلك , وليس أدل على ذلك تحرر رئيس الحكومة من قيود أطراف كنا نظن أنها ستتدخل في أداءه والدليل (ميزانية المشائخ ) التي لم يتدخل هؤلاء في تغيير رؤيته لها . كما أن قضية موانئ عدن مع شركة دبي أحد أهم الأدلة ونحن نعرف علاقة النسب بين بعض المشائخ ومشائخ الإمارات . - دخول المرأة وخاصة من التيار الإسلامي معترك السياسة بشكل واسع والمظاهرات المختلطة التي رأيناها أمس 8/مايو /2012 دليل على مدى رغبة المرأة بالمشاركة في العمل السياسي بكل طرقه , وإصرارها على الإستمرار بعد أن كنا نتمنى ان تخرج ألف إمراة في مظاهرة سياسية فكيف بعشرات الالاف . كما أن هناك عشرات من الإئتلافات الثورية التي تشارك بها المرأة داخل الساحات اليمنية . وليس من المنطقي أبدا أن نطالب كما يفعل البعض ثورة لم يمر عليها سنة أن تغير في عقلية المرأة والمجتمع والقبيلة بطريقة واضحة، ونطالب بتأكيد ذلك عبر تواجد النساء في الشوارع معتصمات بالجينز والتيشرت , فهذا غير منطقي ولا واقعي , ولنتذكر أن الثورة الامريكية والحرب الأهلية قامت ضد العنصرية قبل 230 سنة لكن العنصرية لم تنتهي ولم تترسخ قيم المساواة والدولة إلا بعد قرنين من تلك الحرب في الستينات . - دخول القضية الجنوبية مرحلة الجدية في الحل من جميع أطياف العمل السياسي في الداخل والخارج , وما تحول منصب الرئيس ورئيس الوزراء من مناطق معينة في الشمال إلى مناطق الجنوب وإجماع اليمنيين على القبول بذلك إلا دليل بسيط , هذا غير التواجد المهم للجنوبيين في وزارات سيادية ومهمة كالدفاع والنفط والمواصلات والتخطيط الدولي وغيرها . إضافة للتهيئة للحوار مع معارضة الخارج الجنوبية ولقاء ألمانيا التاريخي . - إجماع اليمنيين على محاربة الإرهاب بكل أشكاله حتى وجدنا علماء اليمن اغلبيتهم يؤيدون ذلك حتى أن الزنداني يصرح برأيه علانية و يندد بجرائم القاعدة في أبين , ويتهم رفضهم إلقاء السلاح . - تحول لا بأس به في عقلية التيار السلفي وإعلانه إنشاء حزب سياسي سينعكس أثره في السنوات القادمة على مزاجيتهم المفعمة بالفتوى وسيحولها باتجاه الواقعية السياسية وهذا ما سيساعد على تحول سريع بإتجاه المدنية والمؤسساتية ويضبط ولو بعد فترة الفتوى . - من الصعب اليوم على أي طرف ان ينقلب على رغبة الشعب بالتغيير والتحول المدني لأن اليمن اليوم أصبح غنيا بالنخب السياسية الكبيرة الراغبة بالتحول والرافضة لكل القيود والسيطرة الأيدلوجية أو حتى المناطقية أو العشائرية . وكما يقول أحد أصدقائي في الفيس بوك أن ثورات سبتمبر وأكتوبر وحركة التصحيح الحمدية ومابعد الوحدة لم تجد الحاضن الحقيقي من رغبة شعبية كبيرة وتيارات مؤيدة تكون هي المؤثرة على الواقع؛ مما تسبب في إنقلاب المؤسسات التقليدية على تلك الحالات وبالتالي سيطرت عليها وعلى الحكم , لأنها كانت القوة المؤثرة الوحيدة المعادل للدولة . اليوم الحاضن الجماهيري كبير جدا ووالنخب التغييرية واسعة الإنتشار حتى غزت الأحزاب القبيلة والمؤسسة الدينية وأصبح صوتها هو الأعلى داخل القبيلة وأصبح الشيخ تابعا للرغبة الجمعية المتأثرة بالوعي السياسي وبقيادات مؤثرة وشبابية حزبية تمتلك القرار خارج وعي الشيخ ,وتجير القبيلة بإتجاه الحزب الحالة المدنية الأوسع أفقا . ولن تقبل ابدا بالإلتفاف على ثورتها وأهدافها النبيلة . -حكومة وطنية في اليمن من جميع الأطراف بينما في مصر مجلس عسكري وحكومة لا تتواجد فيها المعارضة . - أصبح لليمنيين رئيسا يشعر بالإمتنان لشباب الثورة وأحلامهم وتضحياتهم التي وضعت الثقة فيه وانتخبته , ولذلك نلاحظ التغيير في شخصية هذا الرئيس مما أذهل الجميع من حزمه وثقته بنفسه . -الحكومة لها رئيس وزراء جاء من الساحات وليس من النظام السابق . وكم أتألم من بعض الأقلام التي جندت نفسها فقط للتهكم على إخلاصه وعفويته وإصراره على إرضاء شباب الساحات وعاطفته الجياشة التي تبكيه, وكأن هذه العقليات المدعية لم تستسيغ أن يكون لليمنيين حاكما رقيق العاطفة مثلهم صادقا , وتعودت فقط على المتعالين والمنافقين . - السعودية لم تعد تدعم النظام اليمني السابق وليس لها في الحكومة أو الرئاسة مقربين . - السعودية تدعم اليمن بالمشتقات النفطية بما يكفي الإستخدام المحلي منذ شهور وتواصل الدعم لشهور قادمة ولولا ذلك لعاش اليمنيون أزمة إقتصادية لا يتخيلونها . وكنت أتمنى من جماعات لها علاقات بدول مثل إيران أن يضغطوا عليها لدعم اليمن وحكومته للخروج من أزماته وليس دعم الجماعات والأفراد كنا سنشعر فعلا بالإمتنان وكانت ستحرج القوى المعادية لها. - تم توظيف معظم المسجلين في الخدمة المدنية 60 ألف موظف منهم 10 ألف في عدن وماجاورها . - رئيس الحكومة يرفض بقوة ويصادم ميزانية أضافها صالح بدون بند العام الماضي للمشائخ الموالين له ب 13 مليار ريال . وهو طريق خطه الرئيس الحمدي رحمه الله . - استقرار العملة اليمنية رغم الظروف الصعبة للبلد . - وزير مالية صلب (صخر الوجيه ) يرفض كل المخالفات الفضيعة التي كانت تتعرض لها الميزانية اليمنية . - تفكيك الآلة العسكرية لصالح بطريقة ذكية وممنهجة ومدعومة دوليا في الطريق لإكمال حلم إنشاء جيش وطني حقيقي وليس عائلي وهذا ما كان يطالب به الحزب الإشتراكي قبل حرب 94م . ووجود الساحات وتصميم المشترك والرئيس والمجتمع الدولي على إكمال هذه المهمة , والحصول على وعود مؤكدة بتخلي حتى قائد أنصار الثورة من الجيش علي محسن عن منصبه متى ماطلب منه ذلك من قبل رئيس الجمهورية منصور . - تحول الإعلام الرسمي من حكر على العائلة ومطبليها إلى إعلام وطني للجميع وإن ببطء . - لكن تبقى الأخطار على الثورة موجودة والمتربصون منتظرون عبر عدة وسائل ويجب العمل بكل جهد على حلها وأن تتكاتف كل القوى لإكمال مسيرة التغيير : - بقايا النظام داخل الجيش وبعض القبائل الموالية له . وخاصة أبناء المخلوع , والضامن لرحيلهم هو الساحات ووحدتها وإرادة دولية ووجود طرف في الجيش لفترة مؤقتة كقوة توازن وضغط لرحيلهم وهو اللواء محسن الذي أجاد حتى الان عبدربه استخدامه والقيادات الموالية له للضغط باتجاه رحيل أبناء صالح . كما أن تجفيف منابع الدعم المالي للأسرة كفيل بانتهاء دورها سريعا. - القوى التقليدية في القبيلة وهذه أصبحت اليوم مقلمة الأظافر, وربما أكثر رغبة في التحول نحو العمل المؤسساتي المدني والحزبي والإبتعاد عن العمل السياسي الفج كما في السابق إلا عبر العمل الحزبي والعملية الديمقراطية وهذا من حق الجميع , كما أن القبيلة لم تعد تلك المؤسسة الأقوى والشيخ لم يعد مركز القرار والعمل الحزبي غزا القبيلة وأصبح أكثر تأثيرا داخلها من تأثير الشيخ . - من الأخطار المهمة على الثورة مايسمى الطائفية السياسية والتحشيد باتجاه خلق صراع مذهبي لمصالح سياسية تخلوا من الوعي الوطني بقدر ماتحركها أجندة خارجية لا تؤمن ولا ترغب بالإستقرار داخل اليمن لخدمة حروب بالوكالة بين أطراف دولية يكون اليمنيون أدوات وحطب لها . وأظن أن اليمنيون قد انتبهوا لذلك ورفضوها وإن ظل البعض بوعي لا سياسي ولا وطني يروجون لأدوات هذه الطائفية السياسية بكل أشكالها السنية والشيعية . وربما ساعدت حتى في زيادة الرغبة الدولية في خلق استقرار داخل اليمن ولو لخدمة أمنها حتى لا تجد الجماعات المسلحة مكانا في اليمن للاستقرار داخله, وهو ما جعل السعودية وأمريكا يقتنعان بالتخلي عن صالح ولو لصالح أطراف لن تكون مرتبطة بسياستها بشكل فج بل يحول اليمن لشريك وليس منطقة نفوذ. - الجماعات المسلحة كالقاعدة والتي يزداد خطرها ونفوذها مع غياب الدولة ودعم بقايا النظام لأطراف فيها رغبة في نشر الفوضى لأهداف سياسية لا أخلاقية وانتشار الجماعات السلفية في الجنوب بشكل غير متوقع مما يجعلها اللاعب الرئيس في الجنوب في المرحلة القادمة خاصة في ظل تخلي الإصلاح عن دوره في الجنوب برغبة أو بدونها وشغر مساحته لصالح هذه الجماعات , وأعتقد ان دخول السلفيين معترك العمل الحزبي لن يخفف إنتشارها لكنه سيخفف أثرها السلبي , إلا إذا استمر التحالف بين الإصلاح والاشتراكي في الجنوب وتوسعت الثقة بين الطرفين وتخليا عن التهم المبطنة والشك المتبادل لدى القواعد على الأقل فسيكون مضادا ناجعا للإنتشار السلفي الغير واعي. - الحراك الجنوبي المسلح والمدعوم من النظام الإيراني يجعل الأمور أكثر تعقيدا في الجنوب ويحوله منطقة صراع مذهبي ومناطقي وسيقلل حضور القضية الجنوبية في التسويات القادمة وسيفقدها كثير من التعاطف الدولي وحتى من التيارات السياسية الفاعلة. لكن وصول رئيس جنوبي ورئيس حكومة ووزير دفاع قوي قد يفضي إلى تحول في ملف الجنوب وسيدعم حل كل المشاكل العالقة المقالين والعسكريين ونهب الأراضي وقضايا الشراكة العادلة إذا حسنت النية من الجميع وخاصة قيادات الحراك والمشترك . في الأخير هذه كانت قراءة سريعة للوضع اليمني كتبتها دون مراجعة لأرمي بحجر في مياه راكدة لعلي أستثير الكتاب والسياسيين للتفكير بحلول جذرية ولتسليط الضوء على إيجابيات ومفاتيح أقفال السياسيين المعقدة, والتي أسس لحلها شباب الثورة وعمل المخلصين, ولنتوقف قليلا عن نكي الجراح الصغيرة التي واكبت العمل الثوري وتوسيعها ولنتحول للوصول إلى حلول. وأقول للجميع لن يستطيع أحد القضاء على أي طرف موجود أو إلغاءه أو تقليل جمهوره بطريقة التركيز على أخطاءه. لكن يمكن تحويل هذا الطرف أو ذاك إلى شركاء للبناء .