عشرات الغارات استهدفت ثلاث محافظات    وقفة نسائية في حجة بذكرى الصرخة    ثلاثة مكاسب حققها الانتقالي للجنوب    شركة النفط توضح حول تفعيل خطة الطوارئ وطريقة توزيع البنزين    برعاية من الشيخ راجح باكريت .. مهرجان حات السنوي للمحالبة ينطلق في نسخته السادسة    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الافراج عن موظفة في المعهد الديمقراطي الأمريكي    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    تواصل اللقاءات القبلية لإعلان النفير العام لمواجهة العدوان الامريكي    سوريا .. انفجار الوضع في السويداء بعد دخول اتفاق تهدئة حيز التنفيذ    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    الخليفي والمنتصر يباركان للفريق الكروي الأول تحقيق كأس 4 مايو    الرهوي يناقش مع الوزير المحاقري إنشاء منصة للأسر المنتجة    بمتابعة من الزبيدي.. إضافة 120 ميجا لمحطة الطاقة الشمسية بعدن    الزعوري يبحث مع الأمم المتحدة تعزيز حماية وتمكين المرأة في اليمن    الكثيري يبحث مع فريدريش إيبرت فتح آفاق دعم دولي للجنوب    وزارة الشباب والرياضة تكرم موظفي الديوان العام ومكتب عدن بمناسبة عيد العمال    إلى رئيس الوزراء الجديد    عطوان ..لماذا سيدخل الصّاروخ اليمني التّاريخ من أوسعِ أبوابه    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    أرواحهم في رقبة رشاد العليمي.. وفاة رجل وزوجته في سيارتهما اختناقا هربا من الحر    الأرصاد تتوقع أمطاراً رعدية بالمناطق الساحلية والجبلية وطقساً حاراً بالمناطق الصحراوية    تفاصيل جديدة لمقتل شاب دافع عن أرضه بالحسوة برصاص من داخل مسجد    بيع شهادات في جامعة عدن: الفاسد يُكافأ بمنصب رفيع (وثيقة)    من أين تأتي قوة الحوثيين؟    رسميًا.. بايرن ميونخ بطلًا للبوندسليجا    تشيلسي يضرب ليفربول ويتمسك بأمل الأبطال    تدشين برنامج ترسيخ قيم النزاهة لطلاب الدورات الصيفية بمديرية الوحدة بأمانة العاصمة    نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور عبدالله العليمي يعزي في استشهاد عمر عبده فرحان    بدء تنفيذ قرار فرض حظر على الملاحة الجوية لمطارات الكيان    وسائل إعلام غربية: صدمة في إسرائيل..الصاروخ اليمني يحرق مطار بن غوريون    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    ورطة إسرائيل.. "أرو" و"ثاد" فشلا في اعتراض صاروخ الحوثيين    وزير الصحة ومنظمات دولية يتفقدون مستشفى إسناد للطب النفسي    قدسية نصوص الشريعة    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    فيما مصير علي عشال ما يزال مجهولا .. مجهولون يختطفون عمه من وسط عدن    اليمن الصوت الذي هزّ عروش الظالمين    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    تطور القدرات العسكرية والتصنيع الحربي    الاجتماع ال 19 للجمعية العامة يستعرض انجازات العام 2024م ومسيرة العطاء والتطور النوعي للشركة: «يمن موبايل» تحافظ على مركزها المالي وتوزع أعلى الارباح على المساهمين بنسبة 40 بالمائة    ملفات على طاولة بن بريك.. "الاقتصاد والخدمات واستعادة الدولة" هل يخترق جدار الأزمات؟    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    مرض الفشل الكلوي (3)    التحذير من شراء الأراضي الواقعة ضمن حمى المواقع الأثرية    وسط إغلاق شامل للمحطات.. الحوثيون يفرضون تقنينًا جديدًا للوقود    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيغو    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشترك والثورة
نشر في الأهالي نت يوم 03 - 06 - 2012

يرقى اللقاء المشترك إلى الثورة من حيث الفكرة والأهداف والوسائل، حيث أن فكرة اللقاء المشترك على يد المؤسس المفكر جار الله عمر (رحمه الله) تعتبر ثورة بحد ذاتها قد تُخصب لتصل إلى غاياتها الأسمى والأكمل، كما أن لثلة مؤمنة من رجالات النضال الوطني والمعترك السياسي فضل الالتفاف حولها وإقامة مداميكها على أسس صلبة ولا تزال تفعل فعلها، ومع احتدام الثورة العظيمة 2011م وأضحت الثورة والمشترك توأمان الفعل السياسي والمسار الثوري المتوائمان معاً لإخراج البلد إلى بر الأمان ومن ثم الإمساك بتلابيب المجد اليماني الذي نتحسسه منذ نعومة أظفارنا وسيراً على نهج ا لآباء والأجداد العظام.
لقد مثل اللقاء المشترك ثورة تغييرية في الأحزاب المشكلة له ابتداء، وثورة أحدثت توازنا في إزاء سيطرة وتوغل اللون الواحد والمدمر لأي مستقبل، كما أضفت الفكرة على المشترك وزناً سياسياً ومجتمعياً، مثلت بحق فكرة فريدة وسباقة في العالم العربي الإسلامي وقد لا نبالغ إذا قلنا العالم الحُّر والإنساني.
وبما أن واحدة من التقاليد المؤسسة للمؤسسات الديمقراطية التي نفترضها مشتركياً هنا وهي (المحافظة على سمة العمل والجهد الجماعيين)، ويكون التعبير عن ذلك الجهد والعمل الجماعي من خلال المناقشة الديمقراطية والنقد والتصويب وطرح الآراء بدون قيود تؤثر على حرية الآراء.
وعليه أرجو أن لا تضيق صدوركم كقراء من الطيف المحسوب قيادات وقواعد وكوادر وسيطة مشتركية ، كما استسمح قرائي من الطيف الآخر مستقلاً أو حزبياً من خارج دائرة المشترك، بالملاحظات المضادة للمشترك كونها منطلقة من نوايا صحيحة وصحية، وفقاً لمنهجية ا لشاعر العربي:-
شهد الله ما انتقدتك إلا طمعاً ** في أن أراك فوق انتقادي.
إذ الغاية من ذلك هو "اصطرعا الآراء اصطرعا غير عدائي" من اجل تحقيق وانجاز كامل أهداف الثورة وإكسابها زخماً وتحصيناً ذاتياً وصولاً إلى بناء مجتمع ديمقراطي تعددي يماني موحداً وعظيماً وفذاً.
ويقوم ذلك على أن المشترك والثورة في لحظة مفصلية وحادة الحساسية في حياة شعبنا وأمتنا العظيمة، وبما أن التطلع للكمال مطلبنا جميعاً فنرجو أن يكون المشترك، على مستوى ذلك الكمال المؤمل ، على اعتبار أن الكمال ليس كما يعنيه الثائر لأزيد من "الف عام" البردوني بقوله: (إن بعض النقص عين الاكتمال) بل باعتبار الكمال المرجو تحريض على إيجاده من خلال تجاوز النقص سواءً كان ذلك النقص جزئي أو ثانوي فإن الكمال الذي نرجو يقود إلى المثابرة والعمل كما يضاعف من الجهود وتعزيز الانجازات القائمة والمتوخاة على المستويات الثلاثة آنية ومتوسطة وبعيدة، وبالتالي فالكمال عندنا هو إمداد ذلك النهر المتدفق بأعين فياضة تصب في المجرى ذاته وتعوض ما تم واستنزف فضلاً عن إبقائه في البؤرة المركزية تلك، وإحاطته بينبوع الكمال والسمو المؤمل، المفضي لغايات أكبر لا ارتياد الحافة، وما التعصب في قاموسنا إلا الذي يرفض الاعتراف بالنقص سيما وهو لأغراض التقدم وارتياد المجد، (واكتمال الاكتمال)، بحسب البردوني، لا سيما وأنا بحاجة ماسة في هذا الظرف العصيب من مراحلنا الثورية المتوثبة والتطلع المجتمعي البهي إلى تلازم الحق واقترانه بالواجب إذا لم يكن ذلك الواجب هو المفضي للحق.
بيد أننا وفي تلمسنا خطى المجد وذرى الاكتمال هذا بإشارتنا لبعض الظواهر السلبية فأرجوا ألا يفهم بأن ليس ومضات ومساحات واسعة، والظرف يتطلب التنبيه إذا لم يكن التقريع.
أولاً: الخلل الذاتي:-
ليس ثمة تهديد يصلُ إلى غايته إلا من خلال نافذة الخلل الذاتي، والخلل هذا قد يكون ناتج من الهم الثوري واللحظة الثورية، وإن كانت أسبابه مُتعددة ومتراكمة بفعل ضعف أساليب الرقابة أو انعدامها في لحظة "ما" لا سيما الثورية فيها، ناهيك عن ضعف في مسألة التثقيف، والاقتصار على أساليب كلاسيكية متسمة بروتين إداري ممل يبعث على الاشمئزاز والتندر.
هذا الخلل الذاتي تبدى للعيان في صورة صراع محتدم داخل المشترك ذاته، تجلى في تصريحات قيادات فيه، فضلاً عن استجرار الصراع وتجليه في بعض الكوادر المحتكة مباشرة مع الشعب والمجتمع الثوري، وهو ما ينبئ بانكشاف ذاتي خطير إذ لا تزال صورة "النقار الأيدلوجي" حسب المفكر بلقزيز، مشاهدة وملموسة، وبقدر ما أن ذلك الصراع يوضح جانباً صحياً بقدر ما يكشف عن ظاهرة عميقة في الثقافة السياسية كمنظومة مفادها أن النقد لأي جهة حزبية في المشترك لا يصحبها نقداً ذاتياً للنفس واعترافاً بالأخطاء والعمل على تلافيها ، وهو ما يُظهر أن ثقافتنا السياسية لا تسمح بعد بالنقد والاعتراض فضلاً عن إفصاحها لظاهرة استحواذ مهيمنة على عقولنا السياسية، وأن الآخر لا يمكن أن أقبل به والعمل معه حتى لو كانت مساحات الاتفاق أضعاف مساحة الاختلاف.
وهو ما قد يثير قوى الثورة المضادة وإتاحة الفرصة للعمل والنفاذ إلى المربع الثوري ذاته، وبالتالي فإن هذه الظاهرة قد تتسع تبعاً لاتساع حجم التحديات التي تواجه المشترك بصفته بوصلة الثورة ومدير دفتها والمستأمن عليها من طيف عظيم في المجتمع الثوري، وضمير امتنا وشعبنا العظيم من ورائه.
واضحي تقريع البردوني الفذ فينا حاضراً وبقوة بقوله:
وليس عدانا وراء الحدود *** ولكن عدانا وراء الضلوع
خصوصاً ما لم نتحرر ذاتياً من اساره لمواجهة خصوم وأعداء الثورة المتربصين بثورة الشعب وما أكثرهم، سيما والثورة بدأت تجتاز وتتقدم واثقة الخطى بعد تضحيات هائلة وعمل مضنٍ، من خلال امتلاك مفتاح الحل السياسي ولو جزئياً "الآن" وخرجت من مرحلة "التراقص" في ذات المربع الذي أراده لها أعدائها قبل خصومها تلك المرحلة التي عبر عنها شاعر الألف سنة القادمة البردوني بقوله:
وصلنا هنا لا نطيق المُضي ** أماماً ولا نستطيع الرجوع.
متناسين منطق الثورة ومتجاهلين لغتها التي لا يفهمها إلا كل ذي روح ثورية وثابة مقرونة بعقلانية وجلد سياسي خلاق، فأضحت تلك الخطوة تمثل لبنة ثورية أساسية لمواجهة التحديات الأكبر واستحقاقات المرحلة التي تتطلبها اللحظة الثورية تلك، وهو ما يحتم مضاعفة النقد الذاتي في طريق التعبئة باتجاه اكتساب الحصانة الذاتية "والمناعة الإرادية"، وعدم ترك التفاصيل الخاطئة الناتجة عن أخطاء إدارية، كما يجدر بنا على أن لا تقودنا التفاصيل تلك إلى موقف وموقع نفسي مضاد للثورة كما أفصح المفكر ياسين سعيد نعمان (أبقاه الله).
وعليه كلما كانت الأخطاء أقل كان التقدم أكبر والإنتاج أغزر والتغيير أشمل وأعمق، فضلاً عن عدم استغلال أعداء الثورة ومتربصيها بتلك الأخطاء الإدارية البحتة وإعطائهم فرصة التشهير بأجهزة الثورة وأهمها المشترك، والإضرار بمسيرتها والطعن فيها من خلال انتهاجهم لسياسة (الضرب من تحت الحزام)، ويُفضل في هذا الصدد أن يكون النقد الذاتي في الدوائر العامة للمشترك وليس أمام الشارع والعامة.
ثانياً:- الاستقلالية الإيديولوجية والتفاعل:
نلمس ونشاهد شباب وقيادات في المشترك، من منطلق الاستقلالية الايدلوجية النابعة من صميمية الانتماء للحزب في تصورهم للحقيقة على أنهم وحدهم من يمتلك الحقيقة المطلقة والعارية من أي تزييف، وهذا ينم عن حقيقة واقعية وهي "عملية التجنيد السياسي" التي تتم في هذا الحزب أو ذاك، وغياب مسألة هامة وهي "التنشئة السياسية"، أو لنقل ضعفها بدلاً عن غيابها ، حيث التنشئة السياسية تتمثل أحد زواياها في التهيئة والإعداد النفسي للعضو المنتمي فضلاً عن تهيئة ووجود الكادر المؤهل الذي يسمح بممارسة النقد الذاتي، وبما أن الاستقلالية الايدلوجية قد تمثل أولوية لدى بعض الأحزاب في المشترك من خلال تحشيدها وتنسيبها للأعضاء فإن استثناء "عملية التفاعل" التي هي وحدها كفيلة بالحد من غلواء الاستقلالية الايدلوجية، حيث يتم التفاعل من خلال المصارحة و الشفافية أولاً، ومن ثم وجود رغبة في التفاعل ذاك، وأخيراً تكريس الروح التفاعلية القائمة على تهيئة نفسية وشعور سيكولوجي وسيسولوجي عام بفرض أن الأرضية المشتركة قائمة في المشترك ذاته، وبفرض أن التفاعل لا يتصادم مع الاستقلالية الايدلوجية أو يقف ضدها بل يحد من غلوائها البشع، سيما والثورة أضحت حقيقة الحقائق ومضلة الجميع مشتركاً ومجتمعاً ثورياً ككل.
إذاً فالاصطراع الفكري غير العدائي تحت عباءة الحقيقة الثورية ومن خلال المشترك ينمي روحية التفاعل تلك التي تؤذن بتأسيس مرحلة تكيف جديدة، بأفق أجد للاستقلالية الايدلوجية وتحديثها مفهوماً وسلوكاً، وهو ما قد يعطي زخماً أكبر للعطاء وفتح معابر جديدة وحديثة ومسارات متعددة ذات مشارب مختلفة تحافظ علي سيرورة العمل السياسي والتحديث المجتمعي، وصولاً لاستيلاد بعداً جديداً في الثقافة السياسية القائمة وبالتالي خلق واقع أفضل، فضلاً عن اكتساب فرصة التواجد في قلب المستقبل، علاوة على القضاء على المواقف المتشنجة من أي كان، ودحر ودحض المبررات النفسية للشعور الخاطئ،والنتيجة هي المحافظة على الأهداف المركزية العامة المشتركية والمشتركة للثورة بقواها المختلفة ككل، فيصبح العمل محصناً بقدرة هائلة على مواجهة التحديات والتهديدات بفكر جسور وضمير مرتاح وشفاف، وعمل مرُّشد متسم بالعقلانية والرُشد السياسي المشبع بالروح الثورية.
كما يجدر في هذا السياق التخلي عن استجرار المأثور العربي، بأن ثمة "قصراً لم يبلغوا الحُلم ولا بد من أوصياء" والذي ما فتئت الثقافة تلك تنضح من خلال ممارسة دور المعلم والأستاذ أمام طلبة حديثي العهد ولا خبرة لديهم في مختلف الصعد والصيغ الحزبية والعمل المشترك، وهو ما يؤذن في حال تخلينا عن ممارسة دور المعلم وتطعيم هذا الدور بأخذ دور المعلم و الطالب في آن واحد، بالحد من بعض الممارسات الاستعلائية والتحجج بالقوة المحتازة، والنتيجة إدارة المرحلة والذات الثورية بنجاح واقتدار.
ثالثاً: النظرة الشمولية أو الإستراتيجية الموضوعية:-
وهذه النظرة أو الإستراتيجية تنتج من التفاعلية المشار إليها سابقاً والاستقلال الايدلوجي، بحيث تصبح النظرة إلى الأمام وليس إلإرتكاس والإنشداد إلى الخلف أو حيث نحن ، نظرة إستراتيجية شاملة لا آنية مصلحية وأنانية منفلتة من كل عقال، هذه النظرة هي نظرة التفاعل الجدي والعمل المشترك، لبناء مجتمع أفضل وحديث، أو لنسميها امتلاك الناصية لعلم "هندسة المجتمع" وإعادة صياغته وتشكيله تحديثاً، وخدمة للأهداف الوطنية الثورية، وتبرز تلك النظرة الشاملة والعميقة من خلال تعاطينا مع عدد من المتغيرات التالية:-
(1) ضرورة التخلي عن العقلية النقابية في تصورها للكسب، إذ الحزب أوسع وأشمل في المدركات التي يجدر أن تحكم سلوكه، وبالتالي يصبح الجميع كسبان في ذلك ويعزز من فُرص الكسب تلك وتكافؤها للجميع من دون استثناء حتى على المجتمع اليمني ككل، حيث أن مصلحة الوطن والثورة مقدمة على أي رهان في الكسب الحزبي، وهو ما سيحدًُ من نظرية المباراة الصفرية المتبعة.
(2) التخلي عن النظرة الأحادية والتصور المسكون بنرجسية (الأنا) أي وجوب النظر بعين مشتركة وجبهوية متعددة المسارب والاتجاهات وبالتالي الحد من اتباع سياسة البرجماتية المنزوعة من القيم حسب فهم قطاع عريض للأسف، فضلاً عن ذلك نحذر من ظاهرة الاسترزاق السياسي التي بدأت تلوح في الأفق.
(3) العمل من وفي مختلف المواقع وأينما حل ذلك العضو أو الكادر وفق توجهه بشرط الروح "التفاعلية التشاركية" وضرورة مغادرة "الروح المتصارعة" مع ذاتها والمتصارعة مع الآخرين ولنصدح مع أيوب الكبير (وانتفت من بيننا روح الصراع).
(4) محاولة التكيف مع الظروف الموضوعية المستجدة كالثورة ، والحقائق المجتمعية الراهنة، حيث هناك عمل يومي وشبه منظم بالضد، ومراعاة الظروف الزمانية، مع عدم الركون على الذات والانكفاء داخلها، والاستبصار بتجارب عربية واستشارتها، فضلاً عن فتح نوافد إذا لم تكن أبواب مشرعة مع شخصيات أكاديمية وهامات فكرية معروفة في طول وامتداد الساحة اليمنية والعربية الإسلامية، ومحاولة الاستفادة من أي جهد ولو كان متواضعاً "فالشعب هو المعلم".وبالتالي اكتساب مرونة عالية وتفاعل مع الحقائق المجتمعية المستجدة على المنبت الثوري.
(5) سبر أغوار الواقع الثوري واستجلاء المواقف والسياسات الداخلية فيه والخارجية إزاءه، ومدى ملائمة ذلك واستنباته على الأرض الثورية، وكيفية الخروج من تعقيدات الواقع وظروفه ومراهنات القوى ما دون ثورية، والمواقف السياسية الخارجية.
(6) بناء أواصر امتن وتقاليد أكثر ديناميكية وأحدث في آليات التواصل والاتصال في الوسط المشتركي ذاته، كما هي بينه والقوى الثورية المختلفة، وانتقاء الوسط الناقل أو الحامل لذلك بعناية ودقة طبقاً لمعايير بناءه وعملية يرضخ لها الجميع، وهو ما سيعزز من فُرص التحرك والعمل على المستويين الراسي والأفقي، أو إن شئت سمها العمل (بطريقة دائرية) لا تستثني أحداً ولا موضعاً ولا تترك فُسحة زمنية لخصوم المشترك وقوى الثورة المختلفة مع اللقاء المشترك، وبالتالي وضع حد للتناقضات والتباينات وبوادر الانقسام التي ظهرت مؤشراتها مؤخراً.
(7) إيقاف الاستقطاب الحاد أو ما نسميه "خطيئة الاستقطاب" داخل المشترك من أي حزب كان، والالتزام بذلك أضحى ضرورة، ووضع معايير صارمة واثبات مصداقية المحاسبة والمراقبة الفعالة ومعاقبة من لا يلتزم، لأن تلك الظاهرة لو استمرت على ما هي عليه فإن ذلك سيُفضي إلى القضاء التام على "التوازن السياسي" الداخلي في وسط المشترك، والذي هو دون المطلوب أصلاً، ناهيك على الموت السياسي لعامل "الوزن السياسي" والمجتمعي فيه، وحقيقة المجتمع الثوري الذي يمثله، ومن ثم الُحكم بالفناء السياسي على أمل التغيير المجتمعي من خلال المشترك. بالإضافة إلى ذلك فإن قياس وصحة ما نطرح هو في الإجابة على التساؤل التالي:-
هل استقطاب أي حزب في المشترك من خارج دائرة المشترك يُعتبر خسارة لحزب آخر؟ الجواب اليقيني نفياً قاطعاً أو على حد تعبير اخوتنا المصارية (بالفم المليان "لا") .
إذاً فعلام التذمر الحاصل من بعض كوادر وقيادات المشترك؟
(8) التأثير في العمل المشترك يجدرُ أن يكون متبادلاً وهذا هو المفتاح الأساسي الذي بضوئه يستنير العمل المشترك، ويحتلُ مكانه في ضوء الأفق الاستراتيجي المطروح أمامهُ، وحسناً فعل المشترك شركاء له، إذ عليهم التوسع إلى ما نطلق عليه "كتلة تاريخية" بحسب مفكرين عدة، وأنَّ أي نظرة إستراتيجية لأي قوة وأي كيان لا يمكن أن يمتلك تلك النظرة ويعزز تلك القوة إلا من خلال الشباب، فالشباب هم عماد النهضة وأمل كل المستقبل، وعُدة حاضرة، وعليه يستطيع المشترك من خلال مؤسساته وقواه، وقوة تحشيده ، وتأثيره، ووسائل عمله، وعلاقاته الداخلية والخارجية تلك، فضلاً عن كونه يمثل الأرضية الصلبة التي سنقف عليها لمواجهة التهديدات والتحديات تلك، وما عليه سوى البحث والتفكير في الأمر مستقبلاً ووضع (ذاته) في حالة "تأهب سياسي وثوري" لتجسيد ذلك عملياً. ويفضل في هذا السياق الإجابة على التساؤلات التالية: هل يعتبرون الشباب كقوة تغييرية من خارج المشترك تقوية للمشترك في حال (الدخول معهم على مبادئ عمل ثورية وطنية)؟
وهل ذلك يعتبر تجذيراً للعمل الديمقراطي أم تشتيتاً للجهد وقتلاً للتقاليد المؤسسية الديمقراطية؟
وهل ذلك سيعزز جبهة المشترك ويزيد التوازن السياسي وزناً سياسياً وإثراءً نوعياً وتأثيراً مجتمعياً أم لا؟
الأجوبة منطقياً، ووفقاً لتاريخية العلم ومبدأ العلمية لا ضير بل أن ذلك أجدى وانفع للمشترك والوطن والأمة ككل.
(9) ردم الفجوة القائمة والهوة السحيقة بين المشترك والمجتمع الثوري أولاً ومن ثم المجتمع اليمني ككل، فهناك فجوة قائمة بالفعل، واجتراح الآليات المناسبة لتجسير تلك الهوة تأتى من المشترك قيادات وقواعد، وأزعم أن لديهم قدرة فائقة على ذلك لو أرادوا ، حيث أن تلك الهوة ليست في صالح الثورة والمشترك من جهتين:-
الأولى: مرحلية الإدارة والاتجاه أو ما يسميه أدوارد سعيد غياب (علم التفاصيل)على المستوى الجمعي والتساؤل هو: هل اعتبار مناكفة المجتمع والاستعلاء عليه يعتبر عقلانية سياسية أم استعلاءً وتصوراً ساذجاً وحتى سيئاً للأسف؟؟
وهل إذا فقدت عمق الثورة الذي هو المجتمع تصبح قادراً على العطاء ؟ سيما وأن المجتمع هو عمق المشترك ذاته وأي قوى مجتمعية أخرى، ولذا فالتساؤلات تتالي مثل كيف تخاطب المجتمع عند فقدان عمقك؟ وكيف ستحقق وتحسن إدارة المرحلة بدون مجتمع يساندك وأيهما أصح أن تصادم المجتمع وتعمل على خلخلته أم أن تعمل معه وهو متماسك؟
الثانية (علم المستقبل والتواجد في قلبه)
هل ستصبح ممثلاً لهذا المجتمع عندما يرفضك، ويبحث عن غيرك؟ سيما وأن فقدان عامل الثقة يفضي بلا شك إلى الفناء و"الاضمحلال السياسي"، حتى ولو امتلكت أدوات تعلمها فإن ذلك لا يمكنك سوى بالاستمرار فقط، وهل غايتكم الاستمرار وحده أم الاستمرار والاستقرار المفضي إلى التواجد في قلب المستقبل؟
وهل إذا آل الأمر إليك وقد بدأ ستستطيع العمل وإحداث تنمية شاملة ومتوازنة وهو لا يثق فيك ولم يدثرك بدثاره العظيم؟
(10) مد جسور التواصل والبحث في عمق نقاط التفاهم مع القيادات والكوادر العسكرية المنظمة والمؤيدة والثورية أصلاً للثورة، وحتى مع تلك التي ترضخ للسياسات الرعناء فهم ضحية وليسوا سبباً، ومن ثم هل لدى المشترك إستراتيجية أو تكتيك معين في إطار تلك الإستراتيجية، لكيفية خدمة الثورة من قبل هؤلاء وهم في مواقعهم، وماذا عن الذين لم يتسلموا رواتبهم سيما وهم يعولون أسراً ولديهم اهتماماتهم، وكيف بالمنقطعين والمسرحين عسفاً، كيف بمعاشاتهم التي لم يتسلموها تبعاً لمواقفهم ونضالهم الثوري والوطني؟.
إذاً فالحد من تلك الظاهرة ومعالجتها ككل تقتضي تفاهماً غير ملتبس كون المرحلة تتطلب اصطفافاً وعدم الانشغال بالعمل والهم اليومي وبعض التفاصيل التي لم نمتلك بعد ناصية إدارتها ستضاعف من التحديات أمام قوى الثورة، ومن ثم جعلها أكثر بروزاً واستفحالا، ما لم تعتمد على مبدأ الشفافية والوضوح بين كافة أطراف إدارة العمل الثوري ومجتمعه، ووضع معايير شفافة للتعامل ووجوب أن يكون ملف العسكريين (أولئك ) بيد المشترك (ديمقراطياً) وليس بآلية أخرى، حيث أضحت واجباً ثورياً ملحاً وضرورة وطنية وأخلاقية.
(11) التركيز على منظومة القيم باعتبارها الركيزة الأهم وما يتصل بها كقيم إنسانية ومشتركة عليا، ومأتى ذلك هو ظاهرة اهتزاز واضحة في منظومة القيم داخل المشترك بكوادره، والتي هي أحد افرازات النظام وتكويناته الذي نعمل على الخلاص النهائي من أساسياته الهدامة للمجتمع.
وهذا ما سيحد من ظاهرة (الاغتراب) المستولدة من رحم الفساد المنظم، والذي ضرب تلك المنظومة في عمق المجتمع والمشترك كبوصلة له وبالتالي فإن فقدان عامل الثقة والمصداقية ، واختلال موازين العدالة ومبدئية المساواة المتكافئة في الفرص أمام الجميع، ستحدث خسارة كبيرة و ما حقه ليس للقاء المشترك فقط ، بل والإضرار بالثورة ومسارها ونتائجها المرجوة وفقدان زمام المبادرة، ومن ثم "توهان العقل في مجرى صحراء التقاليد المميتة " بحسب طاغور العظيم.
(12) التعامل مع حقيقة أن المجتمع العربي وفي ركن أخص منه اليمني العظيم، لم يعد يرضى بالحزب الغاية في حد ذاته فهذا مدمر سياسياً ومجتمعياً، حيث أن المجتمع تراوده في تطلعه الحزب الوسيلة لغايات أكبر، وأن الاعتياش على الحزب (كهوية)، آخذه بالفناء والموت السياسي، سيما والثورة قد وضعت ذلك الحزب أو الأحزاب في دائرة الاتهام، وأنه لا بد من إعادة بناء الصلة بين الحزب والناس، على نحو تصبح فيه المرجعية في العمل الحزبي للناس، لا إلى النص (العقائدي الايدلوجي)، كما يجب أن يصبح الناس كمبدأ أساس للتمثيل أولاً، ناهيك عن الاحتكام للرأي العام، داخل الأحزاب ذاتها ومن خارجها، كمقياساً لصواب نظرتها وبرامجها وسياساتها، (لمزيد يراجع المشروع النهضوي العربي، مركز دراسات الوحدة العربية)، حيث أن لدى الأحزاب فرصة للتجدد والتغير من داخلها قبل أن تجبر على التغيير عسفاً، تغييراً في الآليات والأهداف، واعتماد مبدأ الشفافية والوضوح، برامجياً، وأنه لا مكان للشخوص المتقوقعة، والأفكار المتخشبة، والآليات البالية، والوسائل التي لم يثبت صلاحها أو لم تعد صالحة الآن، وحتى في الخطاب اليومي ، والدور التربوي الذي تقوم به في المجتمع عن طريق أعضائها ، إذ لم يعد المجتمع الثوري واليمني يقبل بهكذا أحزاب ليس لديها برامج، ولا وحدات قياس الرأي داخل الأحزاب في المجتمع ووسط الناس، ولا خلايا تفكير" مراكز دراسات" إذ عليها أن لا تقتصر على الجانب السياسي بل أن تتعداه إلى المجال الاجتماعي المنفتح والشفاف، بالإضافة إلى تمثيل فئات المجتمع ككل بدون استثناء، وترك المعيار الجغرافي كمعيار وحيد متبع عند بعضها في التمثيل، والأحزاب المنتجة ثقافة سياسية حديثة تنافس في سوق القيم ، ثقافة سياسية ذات ولاء صميمي لقيم الثورة والوطن والأمة، قبل الولاء لأشخاص أو جهة أو فئة أو إقامة علاقات خارجية تضر بالوطن ومصلحة الشعب ، فضلاً عن عدم مراعاتها مبدأ المواطنة السياسية والاجتماعية ، التي تعتبر الركن الأهم في الدولة المنشودة للثورة ولا حتى مراعاتها لقيم الديمقراطية داخلها بوصفها ثقافة بقدر كونها آلية، وامتداداً إلى خطابها الإعلامي المتغني "بحرية الغثيان" حسب البردوني ليس إلا والغائب عن الخطاب الرصين والملتزم والنضالي والموضوعي وغير ذلك من القيم حتى أضحت الصحافة ككل وحتى تلك الموسومة بالمستقلة عبارة عن "نشرات طلابية" حسب المفكر المرموق المقالح والسؤال المركزي: كيف تريد تحديث المجتمع وأنت في وضع لا تحسد عليه كهذا؟ مع تشديدنا أن ما ذكرنا يعتبر ظاهرة عامة لدى كل الأحزاب بما فيها المشترك، مع تباين في الدرجة ليس أكثر، ومما هو جدير بالمناقشة والحوار حوله هو ظاهرة فريدة في أحزاب المشترك بدوائرها المختلفة الا وهي أغلب إذا لم تكن كل قيادات تلك الأحزاب تكاد تكون من فئة واحدة وذات نظرة واحدة، وكأن الأمر توزيع أدوار ليس إلا، مع رجائي أن تكون نظرتي تلك غير صائبة، وحتى في حال وجود استثناء، فإن وجود ذلك الاستثناء يعزز وجهة النظر التي طرحنا وصوابها، إذ لا يعدو عن كونه استثناء يعزز ما قاربناه.
(13 ) وضع مقاييس للتأثير القيادي والتوجيهي في الدولة والمجتمع وضمان عدم حرمان الآخرين من المشاركة والتفاعل ، أو حرمانهم من الفُرص المشروعة، لأن ذلك يحقق ويؤدي إلى اكساب المجتمع سيما الثوري فيه، مرونة عالية لمواجهة الأخطار من أي ثورة مضادة وتحت أي يافطة كانت وبأي لون هي، فضلاً عن الحد من الأخطاء الثورية (إدارياً))، ومواجهة تلك الأخطاء ومعالجتها، كما سيفضي إلى زخم ثوري أكبر وأعمق وذلك تكاملاً مع كل ما سبق طرحه.
(14) أخيراً ينبغي علينا جميعاً محاصرة ظاهرة الشائعات إذا لم يتم القضاء عليها، وإنه لمن المعيب أن يصبح اللقاء المشتركي، كجناح ثوري هو الوسط الناقل لها، وبالتالي استفحالها وبروزها وما يتبع ذلك من تشويش ممض ومقض للعقول والأفئدة، خصوصاً في وقت أصبحت السياسة ولأول مرة في تاريخ الإنسان السياسي كونياً ، تمارس فيه السياسة صوتاً وصورة من غير قيود أو حواجز أو جلسات سرية عبر البث الحي والمباشر، ولنصدح مع الثائر دوماً "البردوني" بقوله:
من هجسنا تبدأ التاريخ نبدؤها *** نؤسطر السفح والبستان والغارا
نصوغ للعدم الموجود خاتمة *** نأتي من الغائب المنشود أخبارا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.