في سبيل مشروع "صناعة الزعيم" سيتساقط الكثير ممن لديهم مصلحة في نجاح هذا المشروع الأكثر إساءة للوطن والثورة والأكثر خطرا عليهما. وقد بدأت مؤخرا -وبوتيرة متسارعة- تتشكل حالة من إعادة الإصطفاف بين القوى التي وجدت نفسها ومشاريعها على الهامش بفعل الثورة الشعبية، كما في صفوف القوى التي كانت تنتظر الغنيمة والفيد من الثورة؛ هذه القوى لن تجد لنفسها بيئة خصبة لإعادة إنعاش مشاريعها الصغيرة إلا بالتحالف مع القوة التي تمتلك المال والنفوذ، على أن تكون هذه الأخيرة متنصلة عن كل ما يمت للمشروع الوطني الذي قامت من أجله الثورة بأي صلة، وعلى أن تضع أدوات قوتها ونفوذها رافدا لتغذية ورعاية تلك المشاريع التي تنهك الوطن لتقوم على أنقاضه. ويصدف أنهم لم يجدوا أحدا يحقق لهم هذا الغرض سوى المخلوع وعائلته وبقايا لوبي عصابته، ولذلك لم يكن من الصعب عليهم أن يعودوا مهرولين إلى أحضان المسخ المخلوع، وأن يدافعوا وببجاحة عن اصطفافهم إلى جانبه وبحجج واهية ومثيرة للإشمئزاز. لكن بالمقابل أعتقد أن من مصلحة الوطن إستمرار حالة الفرز والتصنيف التي أحدثتها الثورة، لأن الملايين من أبناء الشعب ستتجاوز المتساقطون، حيث لن تقوى تلك الفئات على إحداث ذلك الشرخ المجتمعي الذي تسعى إلى إحداثه بالقدر الذي ستنكشف وتتعرى أمام الجميع، فيصبح من السهل التصدي لها قبل تجاوزها وركلها إلى المزبلة التي ركل إليها الطاغية الذي ثار الشعب لإسقاط عبثه اللامتناهي بالوطن والمواطن. التاريخ لا يظلم أحد، ولا يعطي أحد أكثر مما يستحق. كما لا ينال الشرف من لا يستحقه، حتى وإن حاول الحصول عليه متحايلا أو ملتحفا رداء غير رداءه الملوث بأسوأ قذارات بني الإنسان، إذ سرعان ما تقوده نفسيته الموبوءة وعقليته المريضة إلى السقوط، ويكون سقوطه حينها مدويا، فيصبح أبعد ما يكون عن ذلك الشرف. هكذا هم من لم يستحقوا أن ينالوا شرف الثورة، سرعان ما عادوا مهرولين إلى أحضان الطاغية الذي اقتلعته الثورة، فكانت مبررات عودتهم أسوأ من العودة ذاتها. فعلا، التاريخ لا يظلم أحد ولا يرحم أحد كما لا ينال الشرف إلا من يستحقه.