اليوم وبعد مرور قرابة العامين إلا ثلاثة أشهر من تفجر ثورة فبراير 2011العظيمة فمازالت الدولة بمؤسساتها التعليمية والخدمية والإنتاجية, مازالت تدار بعقلية النظام السابق وترزح بشكل لافت تحت وطأة الفساد. فهناك عقلية تشكلت في كنف النظام السابق نشأت وترعرعت وشبت على الفوضى وعدم احترام القانون وعدم الخشية من العقاب بسبب اعتقادها بأنها فوق القانون أو بسبب اعتقادها بأنها جاءت فوق القانون ورغم أنفه وأن هناك شخص أو أشخاص في القيادة العليا للدولة قادرين على توفير الحماية اللازمة لهم ولأتباعهم. ولذلك نجد أنهم ما أن يتبوءوا أي منصب حتى يعتبروه ملكية خاصة لهم ولأتباعهم وأقاربهم ويبدؤوا حلقات من سلسلة متصلة من الفساد لا بداية لها ولا نهاية. هذه الفئة من الموظفين الكبار والذين ما زالوا يتبوءون مناصب عليا في معظم مؤسسات الدولة والتي أريد أن أتوقف عندها قليلاً في هذا المقال ويجب على القائمين حالياً على الدولة أن يتعاملوا معها بجدية وحزم لأن هذه النوعية من الموظفين أصبحت تهدد وبقوة النظام الإداري للدولة بل ويطعن في هيبتها بقوة. لقد أوجد النظام السابق آلية وشروط فاسدة جداً للتعيين في المناصب العليا للدولة منها الولاء المطلق للقيادة السياسية، والانتماء للحزب الحاكم، والانتماء للأمن أو رفع تقارير عن الزملاء في العمل للجهات الأمنية وشروط عديدة أخرى ليس من بينها معايير الكفاءة والخبرة والنزاهة بل قد تكون النزاهة أحد الشروط المعيقة لصاحبها ليتبوأ منصباً رفيعاً ولقد شاهدنا في سنوات العهد السابق أشخاصاً أدانتهم التحقيقات في قضايا فساد مالي وإداري وتم ترفيعهم وترقيتهم بشكل مستفز ليصبحوا وزراء أو سفراء لليمن في الخارج أو سفراء في وزارة الخارجية. الظاهرة الأهم والفساد الفاضح في معظم مؤسسات الدولة هو التوظيف بدون مؤهلات أو بمؤهلات لا تتناسب والوظيفة المعنية بل يتم التوظيف لضمان الولاء والحماية والبقاء في المنصب لأكبر مدة ممكنة للمسئول أو الحاكم الفاسد وحتى يتم استخدام البعض من هؤلاء الموظفين في مهام خاصة (موظفي المهام الخاصة) وغير منصوص عليها في المهام التي حددتها وزارة الخدمة المدنية لهذا الموظف مثل استخدامه للاستفادة من صوته في الانتخابات المحلية أو التشريعية أو يتم تجييش هؤلاء الموظفين وحشدهم للهتاف للقائد الملهم والزعيم الأوحد الذي لا يحترم قانون ولا دستور والكل رأى وشاهد بأم عينه ما كان يحدث في ميدان السبعين وميدان التحرير أثناء ثورة الشباب السلمية فلقد تم نقل موظفي المهام الخاصة بوسائل نقل حكومية لهذه الأماكن ليقوموا بمساندة القيادة السياسية في ذلك الوقت لتثبت للعالم بأنها تتمتع بشعبية كبيرة وأثبتت ثورة فبراير زيف هذا الإدعاء وكذلك شاهدنا في جامعة صنعاء قبل أيام قليلة كيف استخدمت عقلية النظام السابق وممثليه من جهابذة الفساد في جامعة صنعاء موظفي المهام الخاصة وهم يعتدون على أعضاء هيئة التدريس ويرفعون لافتات وشعارات تطالب باحترام القانون واللوائح الجامعية وهم أول من استهزأ بالقانون وداسوه بأقدامهم وكانوا يستهزئون بالقيم واللوائح الجامعية والأكاديمية طوال 33 عاماً. الجميع سمع وشاهد الأخ الدكتور صالح سميع وزير الكهرباء قبل أيام قليلة, وهو من الوزراء المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة, وهو يعلن بأن 93% من موظفيه والبالغ عددهم 14 ألف موظف هم من الأميين و7% منهم فقط هم من الفنيين على الرغم من أنها وزارة فنية في المقام الأول وهذا ينطبق على معظم الوزارات والمؤسسات الحكومية فمعظم موظفيها هم من موظفي المهام الخاصة كما أسلفنا عاليه ولم يوظفوا في الأساس لخدمة المواطن بل لخدمة الحاكم وهذا ما يفسر بأن 14 ألف موظف تم توظيفه في هذه الوزارة خلال 40 عاماً و6 ألاف موظف وظفوا في العام 2011 لمقاومة ثورة الشباب وضمان الولاء للحاكم الفاسد. من مظاهر الفساد الإداري الفاضح هو تعطيل دور القضاء وتسييسه بما يخدم بقاء الحاكم على كرسي السلطة مدى الحياة والوضع الطبيعي للقاضي وللقضاء هو أن يراقب الحاكم بل ويحاكمه إذا رأي فيه اعوجاجاً أو انحرافاً في ممارساته لوظيفته أو انحرافاً في تطبيقه للدستور الذي أقسم يميناً مغلظة بأن يحترمه. فعندما سئل رئيس وزراء بريطانيا الأسبق تشرشل ماذا تبقى لكم أنتم البريطانيون بعد ما دمرت طائرات هتلر لندن والعديد من المدن البريطانية الكبرى...أجاب لدينا ما لن يستطيع هتلر تدميره وهو القضاء العادل... وفعلاً لقد أثبت القضاء البريطاني بأنه أفضل نظام قضائي على مستوى العالم فعندهم الملكة وأسرتها هم أكثر الناس احتراماً وخشية للقضاء ونحن نتمنى على مجلس القضاء الأعلى بتشكيلته الجديدة أن يكون العمود الرئيس في بناء الدولة اليمنية الحديثة ليحميها ويضرب بيدٍ من حديد رؤوس كل الفاسدين. يأمل الجميع أن يقود فخامة الرئيس عبدالربه منصور هادي, والذي جاء بانتخابات ديمقراطية دعمها كل فئات الشعب وعلى رأسهم الشباب الثائر, ثورة حقيقية تكون امتداداً لثورة فبراير 2011 (ثورة الشباب السلمية), لا يتم فيها فقط القضاء على هذا الإخطبوط الهائل من الفساد ومن بقايا النظام السابق في كافة مؤسسات الدولة بل لا بد من محاكمة كل من أفسد وأجرم في حق هذا الشعب العظيم حتى نتمكن من بناء الدولة المدنية الحديثة، فلا دولة مدنية إلا بالمساواة بين كل المواطنين ولا مساواة إلا بنشر العدل ولا يتم نشر العدل إلا بتطبيق القانون بشدة وصرامة على الجميع.