سأبدأ بكتابة هذه الأفكار التي لن تكون يوما ما كتابة مراهق أو سلة مهملات أو حالة فردية من الإحباط والملل وإن شئت أن تعتقد ذلك فلا تنس أن الكم الهائل من الإحباط الذي كان يحمله (البوعزيزي) قد أشعل ثورة وغير أنظمة عتيدة تجاوزت ثلث قرن من الزمان لأن تكهنات الماضي وتنبؤات المستقبل توحي لك أن شيئا ما هنالك كان لا بد أن يحدث. عندما تختلط عليك الأمور وتبدو الثورة في عينك مسجد (الكوثر) فإن أمامك حتما سيكون وسيم القرشي صاحب الصوت الجميل كما كان يفعل في رمضانات 2006 وما قبلها والفرق شاسع وكبير بين المساجد والثورات. دمار نفسي هائل في أوساط الشباب فيما لو قامت الحرب العالمية الثانية في نفوسهم وتربع هتلر الملعون على قلوبهم. لم تكن الثورة سفينة كبيرة تكفي لتحملنا جميعا إذ بقي الربان فيها وقائد السفينة خارج المعادلة بحجة أن الميناء يتسع للكثير. دخان كثيف متطاير في الأفق وتناول قات باستمرار يجعلك مشروع محشش أو مدمن بامتياز في المستقبل القريب وقد يكون غدا لناظره مش قريب كما يقول زكريا الكمالي. رغم كل المحاضرات التي تسمعها ليلا ونهارا إلا أنك لا تزال تدور في حلقة مفرغة لأن إنسانا خفيا بداخلك يلح عليك في السؤال ولا تستطيع إجابته أو تخديره. لم أكن مشروع شهيد بما يكفي ولم أفكر أن أكون انتهازيا كما يليق إذ ليس بين كل هؤلاء ما يخفف عنا الألم فهل ستنتهي سياسة الباب نصف المفتوح أم أنني أتيت الحياة من أضيق أبوابها وهل صحيح أن التاريخ لن يعيد نفسه هذه المرة نكاية بنا واحتفاء بجرحنا. قد لا تنتهي فرص الحياة بالضرورة ولكن أسباب الموت حتما ستزداد وتتسع فهل كان محمود درويش يعرف أن أسباب الوفاة كثيرة من بينها وجع الحياة مع أنني لا أستطيع أن أجزم إن كان درويش يملك إحساسا داخليا بالقهر كشاب في ساحة التغيير مازال يرى أن وجبة الصبوح غير ضرورية. إن أرواح الشهداء لم تفكر أن تذرع الأرض طولا وعرضا لتبحث عن حضن سياسي يقيها عذاب النار أو يقرب لها نعيم الجنة لأن طريقة التصنيفات ليس معترفا بها في العالم الميتافيزيقي ولهذا لم تعد مجدية. ليس مهما أن تكون ثائرا بما يكفي بل صاحب نفس قوية تستطيع تحمل الصدمات تلو الصدمات. أفكر كثيرا بأصحاب الإعاقة الدائمة ومرضى المستشفيات الذين تكالبت عليهم أنفسهم وثورة ناقصة لم تستطع أن تسعدهم فكيف لو قادوا ثورة اجتماعية. هل تستطيع اللجنة التنظيمية بكل قادتها ومنظريها أن تحدثنا قليلا أو كثيرا لماذا شاخت الثورة مبكرا وهل يمكن لها أن تكمل الطريق أم أن العنوسة المتقدمة أفقدتها بكارتها وحرمتها أنوثتها. لم تكن جوهرة العاقل المرأة الوحيدة التي أمسكت بقلبها سنة كاملة حتى لا تفقد ابنها وتبعثر أحلامها وآمالها في زوايا بيتنا الصغير وعلى أعتاب ساحة الحرية إيذانا بمجيء النهار وانقشاع الليل المظلم. ألم يضحك صديقي كثيرا وأنا أحدثه عن الدمار الهائل والعريض في نفوس الشباب إثر انطفاء الأمل وتوقف الطريق وانتظار المصير أم أن هذه الضحكات ستكون مقياسا هاما لكل من حاول إكمال الطريق بعكاز كسول وساق مبتورة على أمل أن يصل المسيح في الوقت المناسب وقد تتغير الأمور. ربما يستطيع ياسين سعيد نعمان وخلفه طابور السياسيين الهامين وغير الهامين أن ينزعوا عن محمد عكازتيه ليعود إلى أمه التي ربما تذكرها ولو بعد حين ولكن هل خطر ببالك ألا يستطيعوا؟ كيف لم يدرك قادة اللقاء المشترك أن سمنتهم الزائدة تزحف باتجاه الآخر في محاولة آثمة لابتلاعهم أو التقليل من حجمهم وربما ابتلعك دون أن يشعر بك لأن القوانين الكونية تؤكد أنك إن نظرت إلى شيء واستصغرته ثم ابتلعته فإنك لا تشعر به وهذا من فوائد الإخلاص إن كنت لا تدري. إن القادة الذين لا يعيشون في الأرض ولا يرتقون إلى السماء هم في حقيقتهم مشاريع وهمية سرعان ما يطبق فيها نيوتن أحكامه القاسية. نعيش على أمل أن تتوقف لعبة البغاء السياسي بين قدماء أدمنوا الماضي وجيل الفيس بوك المتحرر من كل القيود أم أن عرسا سياسيا لن يباركه الكثير سوف يتوسط المشهد المرير؟ لا أدري لماذا أشعر أن هناك علاقة وثيقة بين الثورة و سيزيف فهل هي التي أرضعته حليبها أم أنه شب قبل أن تفطمه؟ تبدو الثورة عظيمة بحجم الحياة إلا أننا لم نستطع الإفساح لها فظلت على هامش الطريق لا يؤبه لها كغيرها من ملايين البشر الذين طحنهم الفقر واغتالتهم القسوة البشرية ولن يسأل عليهم أحد. إنني وغيري من الشباب نكتب كثيرا كطفل لا زال ينمو ببطء ولا تكترث الحياة بنا حين تمضي لأن بوابة المستقبل مازالت مغلقة بإحكام كما لو أن حراسها خزنة جهنم إذ لا تستطيع التفاهم معهم أو التسلل من بين أيديهم. من الآن وصاعدا لن أتعب نفسي كثيرا إلا في البحث عن حضن دافئ أبكي عليه كثيرا ولن أواصل السير إلا إلى حياة قاسية. ربما نتفاءل قليلا فقد يدرك كثير من الأكاديميين بعد وقت طويل أن الكتب التي تملأ مكتباتهم عن الحضارة والمستقبل لم تستطع أن تقنع عقولهم بسيئات الماضي وضرورات التغيير فظلوا في غرفهم المغلقة كوصمة عار في جبين الدهر أم أن هناك من سيعود إلى ألطاف الشامي ليحدثها كثيرا عن الجهد والعرق كرأس مال يمكن أن تكون معهما الحياة ألطف وألين . لم نعد ندري إذا كنا مشاريع الغد الآتي أم أننا أوراق الضغط السياسي على طريقة وجبات المطاعم (نفر تصعيد ثوري لحقة) إذ يحز كثيرا في نفوس شباب الثورة أن يكونوا قطيعا من الأغنام لأن قيادات الأحزاب الوسطى كتلة كبيرة من الخداع والتضليل. سنكتب كثيرا وقليلا عن كل شيء وسنظل نحفر في الجدار وفي الجدار وفي الجدار وخلافا لكل المعايير الشعبية والقوانين التراثية فإن شهرزاد لن تسكت عن الكلام المباح. سنفكر كل يوم في الثورة وخلاصها وإن مر يوم دون تفكير فلعلك قد سمعت أم كلثوم وهي تقول (ما ينحسبش من عمري).