اجتماع بصنعاء يناقش جوانب التحضير والتهيئة الإعلامية لمؤتمر الرسول الأعظم    تعز .. إحياء الذكرى السنوية لرحيل العالم الرباني السيد بدرالدين الحوثي    لملس يزور الفنان المسرحي "قاسم عمر" ويُوجه بتحمل تكاليف علاجه    روسيا تحذر أمريكا من مساعدة تل أبيب «عسكريا»    محلل سياسي تهديد ترامب باغتيال خامنئي سيفجر المنطقة    رسميا.. برشلونة يضم خوان جارسيا حتى 2031    البيضاء : ضبط ستة متهمين بجريمة قتل شاب من إب    الأطراف اليمنية متخادمة مع كل المشاريع المعادية للمنطقة    انتقالي شبوة يتقدم جموع المشيعين للشهيد الخليفي ويُحمّل مأرب مسؤولية الغدر ويتوعد القتلة    الرهوي يناقش التحضيرات الجارية للمؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم    ترقية اليمن إلى عضوية كاملة في المنظمة الدولية للتقييس (ISO)    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الاربعاء 19 يونيو/حزيران 2025    مأرب.. مقتل 5 اشخاص بكمين استهدف شاحنة غاز    السفارة الروسية في "إسرائيل" توصي رعاياها بمغادرة البلاد    وسط تصعيد بين إسرائيل وإيران.. اختفاء حاملة طائرات أمريكية خلال توجهها إلى الشرق الأوسط    مدارج الحب    طريق الحرابة المحمية    انهيار كارثي مخيف الدولار بعدن يقفز الى 2716 ريال    صراع سعودي اماراتي لتدمير الموانئ اليمنية    واتساب يقترب من إطلاق ميزة ثورية لمسح المستندات مباشرة بالكاميرا    إيران تخترق منظومة الاتصالات في الكيان    أزمة خانقة بالغاز المنزلي في عدن    لاعبو الأهلي تعرضوا للضرب والشتم من قبل ميسي وزملائه    شرب الشاي بعد الطعام يهدد صحتك!    ألونسو: لاعبو الهلال أقوياء.. ومشاركة مبابي تتحدد صباحا    بن زكري يقترب من تدريب عُمان    عاشق الطرد والجزائيات يدير لقاء الأخضر وأمريكا    شرطة صنعاء تحيل 721 قضية للنيابة    الكشف عن غموض 71 جريمة مجهولة    فقدان 60 مهاجرا قبالة سواحل ليبيا    موقع أمريكي: صواريخ اليمن استهدفت الدمام و أبوظبي وتل إبيب    بين صنعاء وعدن .. على طريق "بين الجبلين" والتفاؤل الذي اغتالته نقطة أمنية    ترامب يؤكد ان مكان خامنئي معروف ويستبعد استهدافه وإسرائيل تحذّر من انه قد يواجه مصير صدام حسين    الحديدة.. فعاليتان في المنيرة والزهرة بذكرى يوم الولاية    شاهد الان / رد البخيتي على مذيع الجزيرة بشأن وضعه على قائمة الاغتيالات    الإمارات توضح موقفها من الحرب بين إيران وإسرائيل وتحذر من خطوات "غير محسوبة العواقب"    الصحة العالمية: اليمن الثانية إقليميا والخامسة عالميا في الإصابة بالكوليرا    من يومياتي في أمريكا .. بوح..!    من يومياتي في أمريكا .. بوح..!    لأول مرة في تاريخه.. الريال اليمني ينهار مجددًا ويكسر حاجز 700 أمام الريال السعودي    حوادث السير تحصد حياة 33 شخصاً خلال النصف الأول من يونيو الجاري    استعدادًا لكأس الخليج.. الإعلان عن القائمة الأولية لمعسكر منتخب الشباب تحت 20 عاما    على خلفية أزمة اختلاط المياه.. إقالة نائب مدير مؤسسة المياه والصرف الصحي بعدن    تلوث نفطي في سواحل عدن    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الثلاثاء 17 يونيو/حزيران 2025    طبيب يفند خرافات شائعة عن ورم البروستاتا الحميد    بالأدلة التجريبية.. إثبات وجود ذكاء جماعي لدى النمل!    صنعاء .. التربية والتعليم تعمم على المدارس الاهلية بشأن الرسوم الدراسية وعقود المعلمين وقيمة الكتب    وجبات التحليل الفوري!!    كأس العالم للأندية: تشيلسي يتصدر مؤقتاً بفوز صعب ومستحق على لوس انجلوس    القائم بأعمال رئيس المجلس الانتقالي يتفقد مستوى الانضباط الوظيفي في هيئات المجلس بعد إجازة عيد الأضحى    تعز.. مقتل وإصابة 15 شخصا بتفجير قنبلة يدوية في حفل زفاف    علماء عرب ومسلمين اخترعوا اختراعات مفيدة للبشرية    هيئة الآثار :التمثالين البرونزيين باقيان في المتحف الوطني    وزير الصحة يترأس اجتماعا موسعا ويقر حزمة إجراءات لاحتواء الوضع الوبائ    سرقة مرحاض الحمام المصنوع من الذهب كلفته 6ملايين دولار    اغتيال الشخصية!    فشل المطاوعة في وزارة الأوقاف.. حجاج يتعهدون باللجوء للمحكمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة نقدية لوثيقة الحوثيين الفكرية: عندما تصبح العنصرية دينا! (3)
نشر في الأهالي نت يوم 20 - 04 - 2012

في مسائل أصول الدين تحدثت الوثيقة عن الإيمان بالله ثم الإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأعظم الرسل محمد (ص) وكتابه الكريم القرآن ثم انتقلت إلى الإمامة التي قرنتها بالنبوة بدءا من إمامة علي بالنص والوصية وسبطيه ثم ذريتهما، وهذا ما ورد في كتب الأئمة بدءا من الإمام الهادي، فهل الإمامة من أصول الدين أولاً؟ ثم هل تثبت بالنص والوصية أم بالشورى والاختيار؟ وما خطورة اعتبارها أصلا من أصول الدين ونفي الشورى والاختيار للناس عنها؟
الخلاف حول الإمامة
لقد كان الصراع الحقيقي والاختلاف الجذري في قضية الإمامة: هل طريقها النص والوصية وبالتالي هي من أصول الدين والاعتقاد أم أن طريقها الاختيار والعقد والبيعة وبالتالي فهي من فروع الدين والمصالح المفوضة للعباد؟ فالذين قالوا بالاختيار والبيعة هم المعتزلة والخوارج وأهل السنة، في حين قال بالنص والوصية جميع الشيعة على اختلاف فرقها وطوائفها، وبعض فرق الزيدية، واختلافها إنما كان حول أشخاص الأئمة لا حول هذا المبدأ العام الذي جمعها.
الهادي من الاعتزال إلى التشيع في الإمامة
كان الهادي يحيى بن الحسين معتزليا، أخذ الاعتزال على يد أبو القاسم البلخي، كما تذكر كتب التاريخ وفي مؤلفاته الأولى نجده يثبت الأصول الخمسة في الفكر المعتزلي مرتبة وفق الترتيب المعتزلي: 1- التوحيد. 2- العدل. 3- الوعد والوعيد. 4- المنزلة بين المنزلتين. 5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فهذه المرحلة سبقت تحمله مسئولية الإمامة الزيدية سنة 280ه - 893م أو على الأقل قبل وصوله الثاني إلى اليمن سنة 384ه -897م وتأسيسه لدولته في صعدة، فهو لا يورد الإمامة في الأصول الخمسة، وإنما يتحدث عنها في رسائل منفصلة دون أن تكون أصلا من أصول العقيدة، لكن الأمر اختلف في المرحلة الثانية، حيث خف طابع الجدل الكلامي وأدخل تعديلات على الأصول الخمسة والعقيدة، حيث تجده يقول «ما لا يسع أحدا من المتكلفين جهله: معرفة أصول الدين، من توحيد الله وعدله، وإثبات وعده ووعيده، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإثبات الإمامة في المصطفين من آل نبي الله»(1)، لقد حذف الأصل الرابع «المنزلة بين المنزلتين» وجعل محلها إثبات الإمامة في آل البيت، وعن أسباب هذا التحول لدى الهادي، يرى د. علي محمد زيد أن الهادي في المرحلة الأولى «كان لا يزال يرى في هذه الأصول مسائل كلامية فكرية ذات استقلال نسبي عن السياسة والممارسة السياسية المباشرة، أما في المرحلة الثانية فلم يعد متكلما فقط بل أصبح في الدرجة الأولى قائدا سياسيا مسئولا عن تجنيد مزيد من المقاتلين استعدادا للخروج الذي لا يكون إماما إلا به، وفقا لنظرية الإمامة الزيدية، وفي مثل هذه المرحلة يصبح أصل «المنزلة بين المنزلتين» قضية فكرية مجردة بعد أن باعد الزمان بينها وبين أصلها السياسي المرتبط بالصراعات السياسية بين الأحزاب الإسلامية المختلفة، وقد أدخل الهادي محلها أصلا جديدا هو أصل «الإمامة» بمفهومها الزيدي لأن الإمامة في هذه المرحلة من حياة الهادي قضية أساسية تستحوذ على تفكيره وتستغرق كل وقته والتهاون بحقها يؤدي لا إلى الإخفاق في تحقيق ما خرج مقاتلا من أجله بل إلى خسران الحياة نفسها سواء على يد العباسيين أم المعارضين المحليين»(2).
الإمام علي مع الشورى والاختيار لا النص والوصية
يزعم الشيعة بما فيهم الهادوية أن الإمامة أصل من أصول الدين وأن الوصي قرين النبي، وهذا يعني أن إمامة علي بالنص والوصية في مكانة تساوي التوحيد، وما كان هذا شأنه فيفترض أن تكون أدلته قطعية الثبوت والدلالة معلومة للقاصي والداني وليست محل خلاف؟ فهل النص على إمامة علي كان كذلك؟
قبل الحديث عن مناقشة أدلة القائلين بالنص والوصية والتي أشبعها بحثا مخالفو الشيعة وهم كل فرق الأمة، ينبغي لنا أن نتساءل: إذا كان الصحابة قد رفضوا أو كتموا أو جهلوا الوصية كما تزعم الشيعة، فهل كان الإمام علي وولداه من بعده يعرفون ويدعون لإمامتهم بسببها أم لا؟
التحاكم إلى نهج البلاغة
لن نحاكم الشيعة إلى أقوال خصومها ولكننا ينبغي أن نحاكمهم إلى كتبهم ومراجعهم المعتمدة، لقد جمع الشيعة خطب ومراسلات ومقولات الإمام علي في كتاب «نهج البلاغة» الذي حققه أحد شيعة وأحفاد الإمام علي المعروفون وهو الشريف الرضي (359 -406ه /970 -1005م) وهو متلقى لديهم بالقبول، ما يجعله حجة ملزمة لهم وإن لم يكن حجة على خصومهم الذين يشككون بصحة ما ورد فيه كله أو بعضه، وهو ليس حجة فقط على الشيعة الاثني عشرية، والهادوية أيضا، وليس صحيحا ما حاوله بعض المؤلفين من تشكيك في تزكية الزيدية الهادوية للكتاب، وعندما قال أحد المؤلفين(3) «لا يمكن أن ينكر أي زيدي أو يشك في أن «نهج البلاغة» من رواية الشريف الرضي الرافضي وكل من روى النهج أسنده إليه ومن المعلوم لدى كل زيدي أن الشريف الرضي من الإمامية الرافضة ولا يمكن أن يعتمد الزيدية على مرويات الإمامية الرافضة لأنهم يكفرون الزيدية.. ولو جاءتنا رواية نهج البلاغة عن الزيدية لقبلناها على العين والرأس ولكنها جاءت عن طريق أعداء الزيدية الذين يستحلون الكذب لنصرة مذهبهم» رفضه عدد من علماء الزيدية المعاصرين وعلى رأسهم العلامة أحمد بن لطف الديلمي الذي اعتبر ما طرحه الكاتب أو مدعي محبة أهل البيت -كما سماه- مجرد شبهة ناصبية، ورد عليها بالقول إن «كتاب نهج البلاغة هو عند الزيدية وغيرهم من فرق الأمة المحمدية لأمير المؤمنين وسيد البلغاء والمتكلمين رغم أنوف النواصب»، فقد تلقته أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالقبول إلا من لا يعتد بخلافهم من النواصب»، ثم بدأ يسرد روايات أئمة الزيدية للكتاب عن الإمام محمد بن عبدالله الوزير في كتابه «لآلئ الفرائد وجواهر الفوائد» وعن عمدة الزيدية في عصره شيخ الإسلام وإمام أهل البيت الكرام مجد الدين المؤيدي في «لوامع الأنوار» إضافة إلى الإسنادات التي تفوق الحصر المتوارثة جيلا بعد جيل التي رواها علماء الزيدية في عصرنا الحاضر منهم: مفتي اليمن في حينه العلامة أحمد محمد زبارة -رحمه الله، والعلامة الزاهد حمود عباس المؤيد، والعلامة المجتهد محمد بن محمد إسماعيل المنصور، وغيرهم كثير». وأضاف: «أما ادعاء الكاتب وإضرابه أن الشريف الرضي -رحمه الله- رافضي فدعوى لا برهان عليها.. فالشريف الرضي -رحمه الله- عده الزيدية من جملة علمائهم وفضلائهم، وصاحب البيت أدرى بالذي فيه...»(4).
وأنا مع الديلمي في أن علماء الزيدية الهادوية لا يشككون بصحة نهج البلاغة، وبالتالي فإنه حجة عليهم كما هو حجة على الاثني عشرية.
الإمام علي وبيعة الخلفاء من قبله
إن من يقرأ كتاب نهج البلاغة لا يجد في جميع خطب ومراسلات الإمام علي -لأنصاره وخصومه- على حد سواء بخصوص إمارة المؤمنين ما يشير من قريب أو بعيد إلى قضية النص والوصية، كل ما هناك أنه تأخر عن بيعة أبي بكر، لأنه كان يرى أن له حقا أو أن المسلمين سيقدمونه هو في الخلافة، لكنه لما رأى بيعة الناس لأبي بكر ذهب وبايع، ولو كان هناك نص لأظهره في موطن الخلاف، ولعل المسلمين كانوا على وعي تام وهم يؤخرون عليا حتى لا تظهر شبه الوراثة والنسب في قضية الخلافة، وقد عبر عن ذلك عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عندما قال لعبدالله بن عباس «يا عبدالله أنتم أهل رسول الله وآله وبنو عمه» فما تقول في منع قومكم منكم؟ قال: لا أدري علتها، والله ما أضمرنا لهم إلا خيرا»، فقال عمر: «إن قومكم كرهوا أن تجتمع لكم النبوة والخلافة فتذهبوا في السماء شمخا بذخا»(5)، وقد أدرك الإمام علي نفسه تخوف قريش من انتخابه أميرا للمؤمنين بعد وفاة الرسول (ص)، ولقد أرادت قريش تأكيد الفصل بين بيت النبوة وبيت الخلافة حتى لا يكون شبهة توحد السلطتين وتربط بينهما رباطا دينيا أبديا، فبعد مداولات أهل الشورى الذين اختارهم عمر لتعيين الخليفة بعده قال علي: «إني لأعلم ما في أنفسكم، إن الناس ينظرون إلى قريش، وقريش تنظر في صلاحها، فنقول إن ولي الأمر بنو هاشم لم تخرج منهم أبدا وما كان في غيرهم فهو متداول في بطون قريش»(6).
إن اختيار المسلمين المطلق هو المؤهل الوحيد للحكم وليس القرابة أو النص، هذا ما فهمه المسلمون وهم يؤخرون عليا ابن عم رسول الله (ص) وأقرب الناس نسبا إليه، وقد يكون علي -كما يقول الشهيد سيد قطب- «قد غبن في تأخيره، وبخاصة بعد عمر، ولكن هذا التأخير كان له فضله في التقرير العملي لنظرية الإسلام في الحكم، حتى لا تقوم عليها شبهة من حق الوراثة الذي هو أبعد شيء عن روح الإسلام ومبادئه، وأياً كان الغبن الذي أصاب شخص الإمام كرم الله وجهه، فإن تقرير هذه القاعدة كان أكبر منه على كل حال»(7).
الإمام علي حاكم بالبيعة لا بالنص
يحاول الشيعة الاثنا عشرية التملص من حجية عدم حديث الإمام علي عن النص والوصية ومبايعته للثلاثة الخلفاء من قبله، بالقول إن ذلك كان تقية منه لخوفه على نفسه أو على الإسلام -حسب قولهم.
ونحن وإن سلمنا لهم بذلك جدلا فماذا يقولون عن عدم حديث الإمام علي عن النص والوصية منذ استشهاد الخليفة الثالث ومجيء الثوار ثم المهاجرين والأنصار لمبايعته وحتى وفاته!! لقد جاءه الثوار وطلبوا مبايعته، فقال ليس هذا إليكم، هذا للمهاجرين والأنصار، من أم�'ره أولئك كان أميرا، وعندما جاءوه قال اختاروا غيري، فأصروا عليه ولم يقبل إلا بعد مضي ثمانية أيام، فيا ترى: هل سيحاول رفض أو دفع الأمر لو كان هناك نص أو تعيين إلهي؟ سيكون إذن رافضا لحكم الله وحاشاه من ذلك، وعندما قبل اشترط أن تكون البيعة علنا وفي المسجد وبرضا واختيار الجميع وقال -كما في نهج البلاغة: «إن كرهني رجل واحد من الناس لم أدخل في هذا الأمر»، فهل كان سيحرص على البيعة ويعتبرها أساس الشرعية لو كان هناك نص أو وصية؟ وهل نصدق الإمام علياً أم الإمام الهادي الذي جاء بعده بأكثر من قرنين ونصف ليقول إن «الإمامة لا تثبت بإجماع الأمة ولا بعقد برية ولكن تثبت لصاحبها بتثبيت الله لها فيه، وعقدها في رقاب من أوجبها عليه من جميع خلقه وأهل دينه...»(8).
أما احتجاجه على من خرجوا عليه (طلحة والزبير) فقد كان باسم البيعة، كما احتج على معاوية عندما ادعى أنه لم يبايع، أنه قد بايعه من بايع أبو بكر وعمر، وهم المهاجرون والأنصار فمن اختاره هؤلاء فهو الإمام، وليس للغائب أن يختار.
ولو كان هناك وصية أو نص جلي أو خفي -يقول الهادي والاثنى عشرية بالأول والجارودية بالثاني- لذكره علي ليلزم خصومه بالحجة الدينية، ومثلما لم يتحدث عن وصية له من الرسول لم يوص لابنيه الحسن أو الحسين بعد أن طعنه ابن ملجم فقد ذكر الشيعة وصايا الإمام علي في نهج البلاغة لأبنائه وأصحابه وكلها وصايا عادية بطاعة الله ورسوله وعدم التمثيل بقاتله، بل إنهم عندما قالوا له «استخلف. قال: لا إنا دخلنا على رسول الله فقلنا: يا رسول الله استخلف. فقال: لا، أخاف أن تفرقوا عنه كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون، ولكن أن يعلم الله في قلوبكم خيرا يختر لكم. فعلم الله في قلوبنا خيرا فاختار لنا أبا بكر فتركوه، ثم عادوه فما فعل، وسألوه أن يشير عليهم بأحد فما فعل، فقالوا له: إن فقدناك يا أمير المؤمنين فلا نفقدك أن نبايع الحسن، فقال: لا آمركم ولا أنهاكم، فعادوا القول، فقال كذلك: أنتم أبصر.. وكان آخر عهدهم به، وقبض صلوات الله عليه، فلم يقل غير هذا»(10).
الحسن والحسين مع الاختيار
على نهج علي مضى الحسن والحسين ولم يعلما أو يتحدثا عن نص أو وصية لا لأبيهما ولا لأنفسهما، ففي شرح نهج البلاغة نقرأ «لما توفي علي عليه السلام خرج عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب إلى الناس فقال: إن أمير المؤمنين عليه السلام توفي، وقد ترك خلفا فإن أحببتم خرج إليكم وإن كرهتم فلا أحد على أحد، فبكى الناس وقالوا: بل يخرج إلينا فخرج الحسن عليه السلام فخطبهم، فقال: أيها الناس اتقوا الله، فإنا أمراؤكم وأولياؤكم، فبايعه الناس»(11).
إذن الأمر واضح بجلاء، ابن عباس يطرح عليهم رأيا أو اقتراحا إن أرادوا البيعة للحسن خرج عليهم لأخذ بيعتهم وإلا فلا أحد سيكرههم على ذلك فهم «أدرى بشئون دنياهم» فليختاروا من يريدون و»لا أحد على أحد» كما قال، وقد تنازل الحسن لمعاوية سنة 61ه حقنا لدماء المسلمين واشترط أن يكون الأمر بعده شورى بين المسلمين»، ولو كانت إمامة الحسن نصا كما ادعى الهادي وخصومه الشيعة الاثنا عشرية لما جاز له أن يتنازل عنها بأي حال من الأحوال، اللهم إلا أن يكون رافضا أمر الله، مستهينا بحقه. وحاشا أن يكون ذلك هو الظن بسيد شباب أهل الجنة(12) ثم إن أخاه الحسين قد أقر تنازل أخيه عن الخلافة أو على الأقل سكت عنه واستمر سكوته طوال حياة معاوية ولم يخرج شاهرا سيفه إلا عندما بويع لابنه يزيد، حيث وجد مبررا لخروجه، فمعاوية نكث بالعهد والاتفاق مع الحسن ويزيد غير مؤهل لخلافة المسلمين، وحتى بعد أن خرج الحسين إلى الكوفة وأراد بعض أصحابه ثنيه لم يبرر موقفه بنص أو وصية وإنما كان يقول «هذه كتبهم وهذه بيعتهم». إن بيعة أهل الكوفة له هي من أخرجته لا الوصية المزعومة بعد وفاته بأكثر من قرنين.
الإمام زيد مع الشورى والاختيار
ظلت الأمة تقاوم الانحراف الأموي وتحاول استعادة الحكم شورى بين المسلمين، وكانت ثورة زيد بن علي في هذا الاتجاه، يقول الأستاذ زيد الوزير: «جاء زيد فدعا إلى الانتخاب وأسس دعوته على أن بيعتي أبي بكر وعمر صحيحتان شرعيا، ولست أدري من أين نسب أتباعه إليه حصر الخلافة في أهل البيت وحدهم، فلم أجد في مسنده دليلا كما أن تلميذه الأقرب إليه وهو سليمان بن جرير يذهب إلى أن الإمامة شورى بين خيار الأمة، وفضلائها يعقدونها لأصلحهم لها»، وكذلك يذهب إلى هذا ابنه وحامل مذهبه «عيسى بن زيد». إن أثر الإمام زيد في هذه القضية بالذات يبدو حتى عند أشد أتباعه تعصبا وهم «الجارودية» أشد أتباع زيد تعصبا فهم لم يذهبوا إلى القول بالنص الصريح على الإمام علي وإنما بالوصف، فإذا كانت الجارودية أشد أتباع زيد تعصبا لا تقول بذلك، فإنه لدليل على أن الإمام زيد لم يقل بالوراثة أو النص أو القرشية لكن القاسم بن إبراهيم ومن بعده الهادي يحيى بن الحسين عادا إلى القول بحصر الخلافة في أهل البيت وحدهم وقررا أن الخلافة أمر ديني»(13).
الهوامش
1- انظر: علي محمد زيد «معتزلة اليمن، دولة الهادي وفكره»، مركز الدراسات والبحوث اليمني صنعاء، دار العودة، بيروت، الطبعة الثانية، 1985م، ص158، وهو ينقل عن كتاب مخطوط للهادي بعنوان «الأصول في الدين».
2- علي محمد زيد، مرجع سابق، ص159.
3- علي بن أحمد بن ناصر مجمل في كتابه «القول الجلي في الذب عن مذهب زيد بن علي» دار النشر للجامعات صنعاء، الطبعة الثالثة 2008م، ص71، والكتاب قد�'م له وأثنى على مضمونه: العلامة محمد بن إسماعيل العمراني، محمد بن علي المنصور، وعبدالله بن عبدالله الشماحي.
4- انظر: أحمد بن لطف بن زيد الديلمي «كشف النقاب عن مذهب قرناء الكتاب» مركز عبادي للدراسات والنشر، الطبعة الأولى 2010م، ص74 -77، والكتاب قدم له وأثنى على مضمونه العلامة محمد بن محمد المنصور (عضو مجلس الإفتاء)، والعلامة محمد أحمد الكبسي (عضو المحكمة العليا).
5- انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي جرير، ج1، ص189.
6- نفس المرجع، ص194.
7- سيد قطب، العدالة الاجتماعية في الإسلام، الطبعة الثامنة، 1968م، ص203.
8- المجموعة الفاخرة للإمام الهادي، تحقيق علي أحمد الرازحي، ص674.
9- انظر نهج البلاغة، ص330.
10- تثبت دلائل النبوة، ج1، ص292 293-.
11- شرح نهج البلاغة، ج6، ص22.
12- انظر د. محمد عمارة، الإسلام وطبيعة الحكم، طبعة دار الشروق الأولى 1989م، ص333.
13- زيد بن علي الوزير، محاولة في تصحيح المسار، مركز التراث والبحوث اليمني، الطبعة الأولى 1992م، ص79 -80.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.