جمعة الكرامة، اليوم الخالد في ذاكرة الثورة يتعرض للسطو . من سيجرؤ غدا عن الحديث ؟ في ذكرى جمعة الكرامة سيكون الحديث عن الكرامة مجرد عرقلة لحوار أطرش . أي منحة للقاتل أعظم من أن تساهم في محو الأثر وفي يوم القتل ذاته ؟ من يصنع عرسا في ذكرى الموت ؟ من يكون سعيدا وهو يتابع قصة المأساة ؟ من؟ في ذكراكم سنغني "عهدا ياشهداء الثورة ، إنا على درب الثوار " ، ولكنا ياسادتي دائما نضيع الدروب. نحن قساة و مزيفون ، ولهذا نشارك الآن في جريمة حرق الأرشيف . غدا ذكرى الكرامة ، وللحوار أيام أُخر. لن أكتب شيئا ، سأنقل فقط ماكتبته في العام الماضي في هذه الذكرى ، في العام القادم هل ترانا سنتذكر ؟ -------------------------------------------------- هذا ماكتبته العام الفائت كما لو أنها كتبت بالأمس . ------------------------------------------------------ الجمعة التي جمعتنا لقد كان يوما مهيبا ذلك الذي تحولت فيه الأرض اليمنية كلها إلى قلب واحد يدق بشكل منتظم في قلوب ملايين وبينما يقفز هذا القلب في صدورهم يصرخون بصوت واحد " وسيبقى نبض قلبي يمنيا " . اخلع نعليك , سندخل محراب الثورة , وهناك ستذبح القرابين وتشتعل الفوانيس . في جمعة الكرامة حضرت النازية في طرف و حضرت الإنسانية في الطرف الآخر . البندقية يلفها الصدر العاري كحبل مشنقة , يتصارع الحق مع الباطل وتصطف الملائكة ضد الشياطين و يحاول الليل أن يطفئ الشموع والقناديل . لقد كانت أمة اليمنيين في وجه عائلة . جيش من المصابيح وجيوش من الظلمات , كلما تحدق في عين أحدهم ترى هوة سحيقة من الظلمة لا تنتهي عند حد . يا إلهي , أين كان هؤلاء المرعبون ولماذا يسفكون الدم بلا رحمة . لا أنسى أبدا ذات مسيرة , كنا نتقدم في اتجاه الحرس الجمهوري , نحاول أن نهديهم ورودا ونقبلهم على الرؤوس , نحن منكم فلا تذبحونا , كانوا مستعدين وأسلحة الكلاشنكوف أصبحت بلا أمان تستعد لتقذف الحمم وتخطف الأرواح , قفز أحد الشباب وقبل رأس أحدهم , وتهافتنا جميعا نقبل الرؤوس . للأمانة ,, رأيت أحدهم يبكي , وكان الآخرون تحمر وجوههم من الخجل , كيف يمكن أن تقتل شابا أعزل جاء يهديك وردة ويقبل رأسك . لا يحضر في بالي الآن غير أسمال ممزقة لبقايا شهيد يغادر , لقلب ينبض آخر النبضات , لأصبعين ترتفعان كشاهقين تلوّحان بالنصر أو الشهادة , وغمازتين على وشك الانطفاء , ثم رائحة دم لازالت في أنفي , ورصاصة استخرجت من بين لحم ودم ادعكها تحت قدماي, وصرخة أم ثكلى , وحبيبة هزمت الحياء وراحت تحضن عشيقها المذبوح على مرأى من الناس , ثم شيخ كبير في قلبه لهيب ولوعة ولكنه يكابر ويهزم الدموع يقول بصوت أجش ومتهدج "من أجل الثورة سأضحي بكل أبنائي " بينما يرتعش من أعماقه مثل ديك مذبوح ويهمس لحطام روحه "أيتها الثورة, لماذا طحنت قلبي كل هذا الطحن " يمنعه الكبرياء ورغبة الانتقام. أحتاج إلى ألف حرف كي أكتب بعض هذا اليوم , هذه الحروف الأبجدية لا تكفي , ليس كل ما تحسه تقدر على كتابته, إنه ليس شيئا يقال , ستحشد التاريخ أمامك مثل ثلاجة قهوة , وستفرش الاستعارات وتحشد الأمثال والأساطير, كل لغات الأرض لن تكتب سطرا ذا معني. لهذا نتوقف عن كتابة مالا يمكن كتابته. يبقى أن تسيل قطرات الدمع الأحمر في عينيك , ذلك الدمع الذي يجري - حقيقة - في شرايينك , أكاد أتخيلني شريانا من دمع وليس أكثر من ذلك . فعلتم عظيما أيها الشهداء , لن أمدحكم , لا أحد سيكتبكم ,لقد فعلت السماء حين اختارت أسماءكم دون سواكم. لقد تركتمونا ونحن الآن يا أعزائي نتقاذف بأرواحكم , نستغل طهركم , ما أطهركم وما أشد بشاعتنا . لن أبحث عن قاتليكم , في خيالي مجسم كبير لقاتل مازال طليقا . لا شيء عندي الآن في هذه الذكرى , سوى دمعة وقشعريرة .