"عندما يرتكب الإنسان جريمة فإن الله يجد الشاهد عليها".. إيمرسون قبل عامين وفي الثامن عشر من مارس، وفيما رائحة الموت تخيم على المكان، سُئلت ما رأيك؟ قلت في ثقة بلا حدود: "النظام سقط أخلاقيا، وهذا يعني أنه لن يبقى طويلاً، لقد انتصرنا". لم يمر وقت طويل حتى اكتشفت أن شعوري هو شعور جميع من كان موجوداً في ساحة التغيير، لقد أعطى شهداء جمعة الكرامة زخماً للثورة ومعنى لنضالات الشعب ضد الاستبداد. فقد صدّق المتشككون من الجنوبيين أخيراً، أن هناك ثورة، وأن هناك تصميما على إسقاط علي عبدالله صالح، قبل ذلك كان البعض يتساءل، لماذا فقط يكون الموت في الجنوب؟. كانت لحظة تاريخية بحق، بدا النظام فيها فاقداً لأعصابه وفاقداً لشرعيته ولمبرر بقائه، فلم تكن مذبحة بالمعنى المتعارف عليه، لا، لم تكن كذلك، لقد كانت حفلة إعدام. فمساحة الشارع التي يتواجد فيها الثوار كانت ضيقة للغاية، ولا يستطيع أحد أن يتفادى رصاصات الغدر التي كانت تنهمر كالمطر، لم يكن من خيار سوى الموت، لكن ذلك كان إيذاناً بحياة جديدة، فالله يصطفي من عباده الشهداء. في ذلك اليوم، لم تسكت صفارات سيارات الإسعاف، كانت تصرخ. وكانت التعليقات الرافضة لهذا العمل الإجرامي تتوالى، لقد بدأ النظام الحديدي يتشقق. لا بأس من نكتة في المساء، فقد أعلن صالح أن شهداء الكرامة ليسوا سوى شهداء الديمقراطية، هكذا ببساطة، وكأن من مات يومها، مات نتيجة تهور سيارة طائشة بينما كان في طريقه للاقتراع بصوته في انتخابات مصيرية. اليوم ونحن نتذكر شهداء جمعة الكرامة، وفي مصادفة لم يكن من الممكن تفاديها، أمر يدعو للقرف حقاً، يقيم الرئيس والسياسيون اليمنيون مهرجان الحوار، كل ما يمت للكرامة يجب نسيانه في هذه اللحظة، يمكن بشكل استثنائي الطلب من الحضور قراءة الفاتحة على أرواح مذبحة جمعة الكرامة وأرواح شهداء اليمن، وكأنما شهداء "الكرامة" يودون احتكار الفاتحة، تباً لأولئك الذين لا يدركون أن الشهداء هم ملح الأرض. عامان إذن مرا على مذبحة جمعة الكرامة دون عقاب، هذا ما أكده تقرير نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش التي طالبت بمعاقبة المسؤولين الحقيقيين عن المذبحة. التقرير الذي تم تجاهله دون مبررات واضحة إلا أن يكون ذلك من أجل طمس الحقائق والتغطية على المجرم الحقيقي الذين حصل على حصانة مشبوهة، كشف عن تدخلات سياسية منعت إجراء تحقيق شفاف يصل للحقيقة. إذا كان مبرراً أن يحصل ذلك في عهد المتهم الأول في هذه القضية، فهو الآن خارج السلطة، ومن حقنا أن نعرف ما مبرر استمرار وجود تدخلات سياسية في مسار هذه القضية، وهل لهذا علاقة مباشرة بالمبادرة الخليجية وقانون الحصانة، ومؤتمر الحوار الوطني؟ إذا كانت هذه هي الحقيقة، فأرجو من رئيس الجمهورية ورئيس وزرائه ووزير العدل، مصارحتنا ومصارحة أهالي الشهداء بذلك، لكن عليهم أن يدركوا أن الإفلات من العقاب ليس الطريق الأمثل لتجنب أي صراعات في المستقبل. أيها السادة المحترمون: ثمن إغفال العدالة سيكون باهظاً، هل أنتم مستعدون لدفعه؟ أشك في ذلك.