العصيان المدني وسيلة سلمية يستخدمها الناس ضد قوانين غير عادلة أو ضد حكم مستبد , وتلحق به خسائر مادية من جراء تعطل سير أعمال مرافقه الحيوية الهامة , كما تنقل عنه صورة إعلامية سيئة لا تخدم مصالحه وعلاقاته العامة مع الدول الأخرى . وتفكرت مليا في العصيان المدني الذي تقوم به تنظيمية الحراك السلمي في عدن وغيرها من مدن الجنوب كل سبت وأربعاء , ما هي جدواه الفعلية وما النتائج الايجابية التي يحققها للقضية الجنوبية؟ وهل وسيلة تطبيق هذا العصيان تحمل رسالة إيجابية أم سلبية عنه ؟ عبر إغلاق الطرق بالحجارة ومنع المرور فيها بالقوة وإجبار المحلات التجارية والمدارس وغيرها على عدم الدوام تحت التهديد والإكراه. وما هو الضرر الذي لحق بالنظام من هذا العصيان ؟ . الواقع يقول لا شيء يذكر ! فمواقعه النشطة ومرافقه الحيوية تعمل دون توقف , وهي التي بتعطلها سَيُسَلط الضوء الإعلامي اللازم لخدمة القضية الجنوبية العادلة داخليا وخارجيا . والواقع المؤكد أن من لحق به الضرر الأكبر هو المواطن بكل مستوياته من خلال تعطل مصالحه ومعاملاته ومدارس أبناءه ومصدر رزقه اليومي . وبقصد أو بدونه لقد زاد الحراك ظلما جديدا وتسلطا عتيدا على شعب الجنوب المحتسب. وأكثر ما يثير العجب هو قطع الطرقات الداخلية بالحجارة وتهديد كل من مارس عمله بالانتقام , لأن الشعب الثائر والرافض للوضع الراهن بحق لا يحتاج تهديدا لتنفيذ العصيان ولكنه ذاتيا سيبادر عند أول نداء . إن ما يمارسه الحراك اليوم ينقل للناس رسالة سلبية عمَّا ينتظرهم غدا في ظل غياب قيادة حكيمة تدرس الأمور جيدا من كل جانب , إيجابياتها وسلبياتها , أبعادها وأثارها , كيفيتها وآليتها , وتلزم أفرادها بتنفيذ العمل بما يحقق الهدف بصورة حسنة . وهذا أمر لا بد أن يحسمه رموز الجنوب وقيادات مكونات الحراك بإعلان دخولهم العمل السياسي ككيان مؤسسي احترافي , منضبط بلوائح العمل ونظامه الداخلي وبرامجه الهادفة. إن ما يحدث اليوم أمر مخيف ومقلق , فما نراه أمامنا مجرد أعمال مزاجية اندفاعية روتينية ارتجالية لا تتم وفق دراسات مسئولة ولا يتم متابعة سيرها ولا تقييم نتائجها . واليوم بدأ البعض فيما بينهم يتداولون تذمرهم من هذه الأعمال العشوائية , ومع زيادة الفوضى والعبث الميداني سيصلون حتما إلى نقطة الرفض العلني . والمتعارف عليه بيننا (كجنوبيين) أننا في حالة رفضنا لواقع قاهر نعيشه نبدأ تلقائيا بتبيان ردة فعلنا نحوه بالنكتة العابرة المعبرة , وهي مؤشر يبين تفاعل الشارع مع ما يحدث فيه . في أحد أيام العصيان دخلت بقالة جانبية مفتوحة وسألت صاحبها الشاب : " أشوفك فاتح , أيش ما عندك عِصيان ؟ " , فرد قائلا : " لا , عندي عوادي ومرابيع ! العُصيان عند أصحاب 2009م " . ويوم الثلاثاء وقفت منتظرا أبنائي بمركز تأهيل القدرات الذهنية والعلاج الطبيعي بالمنصورة حينما اقترب مني أحد الدارسين قائلا بلكنته المتعثرة :" شُف بُكره عصيان لا تجيش , وخميس وجمعة ما فيش دراسة , والسبت كمان عصيان لا تجيش , الأحد والاثنين والثلوث تعال , شُف الأسبوع حقنا 3 أيام بس . تمام يا عمو " .! فرددت مبتسما : تمام يا ولدي .. وتمام التمام .!