تشهد اليمن حدثاً مهماً يتمثل في إعلان قيام مؤتمر الحوار الوطني الشامل يوم 18 مارس الجارى وفقاً لمبادرة الخليج للتسوية السياسية وبمشاركة الأحزاب السياسية وبحضور عربي وخليجي ودولي. ويأتي انطلاق الحوار الوطني للمساهمة في معالجة كافة القضايا المهمة مثل صياغة دستور جديد يحدد نظام الدولة وأسس العلاقات في المجتمع. وفي الوقت الذي يأمل فيه البعض بنتائج وتوصيات ايجابية للمؤتمر ، غير أن هناك مؤشرات توحي بعدم استكمال المؤتمر لفاعليته، ولاسيما بعد المظاهرات التي شارك فيها عددٌ من الشباب الثوار والتي تطالب برفض الحوار. مما أثار عدة تساؤلات أولها ما أهمية هذا المؤتمر؟ وما مدى نجاحه في نقل اليمن من الصراع إلى مرحلة الوفاق وبناء الدولة اليمنية؟ ولماذا ترفض القوي الثورية الحوار ؟ أهداف المؤتمر: مع بداية 2013 شهد اليمن العديد من التطورات، ولذا جاء النداء بإقامة المؤتمر ليأتي تمهيداً لتسوية الدرب بين القوى السياسية حول القضايا المهمة. والجدير بالذكر أن انعقاد المؤتمر تأجل أكثر من مرة، فكان من المتوقع أن ينعقد في نهاية عام 2012، ولكنه تأجل لصعوبات سياسية واقتصادية ورفض عدة فصائل المشاركة فيه حتى استكمال هيكلة الجيش اليمني. وتنبع أهمية المؤتمر لكونه محطة التتويج للمبادرة الخليجية التي طرحت من أجل رحيل نظام الرئيس السابق، ويتوقع أن يشارك فيه جميع الأطراف السياسية والفاعلة ومنظمات المجتمع المدني. ويكتسب المؤتمر - الذي يشكّل الانطلاقة الفعلية للمرحلة الثانية من فترة الانتقال السلمي للسلطة - أهمية خاصة كونه يناقش القضايا المصيرية التي ستحدد شكل اليمن الجديد، وبناءً على نتائجه يتوقف إنجاز الخطوات اللاحقة والتي لا تقل أهمية من قبيل صياغة الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة. ويهدف المؤتمر (وفقاً لقرار الرئيس اليمني رقم 30 لسنة 2012) إلى التوافق حول عملية صياغة الدستور، وإنشاء لجنة توافقية لصياغته، ووضع العناصر الرئيسية للإصلاح الدستوري، كما يهدف إلى التعامل مع القضية الجنوبية ومختلف القضايا ذات البعد الوطني. وحدد مؤتمر الحوار الوطني المزيد من الخطوات الإضافية نحو بناء نظام ديمقراطي شامل، بما في ذلك إصلاح الخدمة المدنية والقضاء والحكم المحلي، كما يتناول المؤتمر المزيد من الخطوات الهادفة إلى تحقيق المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، والتدابير التي تضمن عدم حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني في المستقبل، ويقترح كافة السبل القانونية وغيرها من السبل الإضافية التي تعزز حماية حقوق المجموعات الضعيفة بما فيها الأطفال، وكذلك السبل اللازمة للنهوض بالمرأة. كما يتناول المؤتمر أسس بناء الجيش والأمن وطنياً ومهنياً ودورهما في الحياة السياسية ومدى توافق إعادة الهيكلة مع تلك الأسس ودور مؤسسة الأمن كهيئة مدنية. علاوة على مناقشته مسألة استقلالية الهيئات ذات الخصوصية (الخدمة المدنية، الإعلام، الأوقاف)، بالإضافة إلى مناقشة عدد من القضايا الاجتماعية والبيئية خاصة (الثأر، السلاح، الجماعات المسلحة، التنوع والتسامح، المياه والبيئة). ورغم تلك الأهداف الكثيرة التي سعى الحوار إلى مناقشتها من أجل تحديد أسس الدولة القادمة، ظهرت تهديدات بعدم المشاركة في المؤتمر، فلماذا؟ مشاركة مشروطة: وبالرغم من قيام الدولة بتخصيص 40 مقعداً من مقاعد الحوار للشباب المستقلين غير المنتمين للأحزاب السياسية، غير أن هناك عدداً كبيراً من شباب الثورة احتشد في احتجاجات في أرجاء البلاد للتعبير عن رفضهم للمشاركة في الحوار ومطالبة الرئيس هادي باتخاذ إجراءات كشرط لدخولهم الحوار وأهمها إنهاء سيطرة أقارب الرئيس السابق على مقاليد الجيش وقوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي، وتقديم قتلة الشباب للعدالة والإفراج عن المعتقلين التي تنكر السلطات اعتقالهم ما يجعلهم في عداد المخفيين قسراً. وأعلن عددٌ من الأحزاب السياسية اليمنية المعارضة (مثل حزب البعث) تعليق مشاركتها في مؤتمر الحوار الوطني ومقاطعة جلسات المؤتمر احتجاجاً على عدم الالتزام بتنفيذ النقاط العشرين التي طالبت بها. وأعلن حزب اتحاد القوى الشعبية عدم المشاركة في المؤتمر، مجدداً إلتزامه بالمصلحة الوطنية العليا، وبالأهداف التي قامت من أجلها الثورة الشبابية الشعبية. وعلى الجانب الآخر، أشار عددٌ من الأحزاب والقوى الشبابية عن مشاركتهم في الحوار، فيرى محمود عبد الغني القدسي، أحد شباب الثورة، أن مؤتمر الحوار الوطني يعدّ المخرج الوحيد لليمن من المآسي والمظالم التي وقعت في المرحلة السابقة. ويدور التساؤل حول احتمالية تأجيل الحوار الوطني مرة أخرى بعد إعلان عددٍ من القوى المعارضة تعليق مشاركتها ورفض البعض الآخر. تغيير سلمي: وفي إطار ما سبق، أكدت الأمانة العامة لمؤتمر الحوار الوطني الشامل، استكمالها كافة الإجراءات المتعلقة بالجانب الفني والإداري واللوجستي لانعقاد المؤتمر. وصرح ياسر الرعيني بأن المؤتمر سينطلق في موعده المحدد يوم الاثنين المقبل، نافياً ما تناقلته بعض المواقع الإلكترونية عن احتمال تأجيل الحوار الوطني. وأضاف: "سيعلن عن قوائم المستقلين من الشباب والمرأة من قبل الرئيس اليمني بصورة نهائية، بعد تعذر إعلانها من قبل اللجنة الفنية بسبب تضمينها أسماء غير مستقلة". وفى سياق متصل، أكد البعض أن الحوار يمثّل الحلقة الأهم في مسار العملية السياسية التي تستهدف مواصلة التغيير السلمي وبما يمكن كافة القوى والفعاليات السياسية وكل قطاعات المجتمع اليمني من المساهمة في وضع رؤية جديدة لمستقبل اليمن. وأخيراً؛ على اليمنيين وهم ينتقلون من ساحات الصراع والانقسام إلى قاعات الحوار والوفاق من أجل التغلب على التحديات الداخلية والخارجية التي تحيط بهم، أن يتعظوا من الماضي ويعلموا أن الوقت يداهمهم وأن بلدهم قد تأخر بما يكفي عن ركب العصر وأنه حان الوقت للنهوض به من كبوته التي استمرت عقوداً.