لا شك في أن ماتعاني منه محافظة حضرموت اليوم , من مشاكل جمة مترهلة كترهل العجوز الشمطاء والتي من أبرزها مشاكل الكهرباء والماء والغاز والإتصالات , هي ليست وليدة الساعة , أو هي من بنات اليوم , بل هي أرث ثخين توارثته المحافظة من مخلفات السلطات المتعاقبة على حكمها منذ عقود , وهو يستفحل مع الأيام استفحال السرطان بالجسد , فبقدر ماتعطي هذه البقرة الحلوب , بقدر ماتجزئ , فلا عجب أن جاء هذا الجزاء بعد الوحدة المشئومة جزيل , جزيل ولكن في الإقصاء والتهميش والإهمال والحرمان حتى من أبسط الحقوق والخدمات . ومثل هذا الطرح لم يعد خافياً على أحد , يدلل عليه ثرواتها الضخمة وخيراتها الكثيرة , ومايقابلها في الواقع من تصدع كبير في البنى التحتية والفوقية . ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الأن وخاصة بعد نشوب هذا العدوان الهمجي لعصابات الحوثي وعفاش على مناطق الجنوب , ومارافقها من بروز أزمة المشتقات النفطية الحادة بحضرموت خاصة ! فلماذا عانت حضرموت , ولا زالت تعاني , وهي التي لم تصلها الحرب ؟ . ومن المسئول عن معاناتها لليوم , وقد تحرر الجنوب كله أو كاد ؟ . للإيجابة عن هذه الأسئلة نرى لزاماً علينا ونحن ننحا هذا المنحى التنظيري , تناولها من بعدين أو قل مسببين رئيسين لهذه الأزمة , وأن بدأ لنا هذين المسببين مختلفين أو متضادين ,إلا انهما يتفقان في نفس الأسلوب والهدف , في جعل الناس تعاني من مشكلات الكهرباء والماء وغيرها , بقصد إلهائها وجرها إلى مايرسمون لها من مخططات تهدف في النهاية لبسط نفوذهم والسيطرة عليها مجدداً . ونقصد بهاذان المسببان مفتعلي الازمات ( المخلوع صالح فاقد الشرعية من جهة . والرئيس عبدربه منصور طالب الشرعية من جهة أخرى ) . فلو أخذنا المتسبب الأول وهو المجرم عفاش , سنرى أنه المستفيد من زيادة حدة معاناة الناس أثناء الحرب , مستخدماً فيها ادواته وألاته ( الطابور الخامس الموجود في معظم مؤسسات الدولة وخاصة مؤسسات الكهرباء والماء , وغالبيتهم عينوا من قبله , ويتلقون اوامرهم منه ) . والهدف من هذا هو ضمان إلهاء الحضارم بمشكلاتهم اليومية التي لا تنتهي وخاصة مشاكل الكهرباء والماء , كي تصرفهم هذه المشكلات عن واجبهم الأكبر والأسمى في إمداد المقاومة الجنوبية بالعتاد والرجال وهو الذي سيسرّع من نصر المقاومة الجنوبية وسيعجل بهزيمته وهزيمة أذنابه , وقد نجح عفاش في هذا , بالرغم من أن هناك من الحضارم من استطاع تجاوز هذا العبث وتخطي العوائق والأسوار والألتحام بأخوانهم في جبهات القتال , إلا انه والحق يقال ليس بذلك القدر الكافي أو المطلوب مقارنة بعدد سكان وحجم هذه المحافظة الولادة . كما كان يهدف من خلق هذه الازمات ( والتي هي أصلاً بارعاً فيها ) ايجاد فوضى شعبية عارمة يستطيع من خلالها تفعيل خلاياه النائمة لزعزعة الأمن والأستقرار أكثر , تمهيداً لعودة خلاياه المستيقظة لمعاودة السيطرة على حضرموت , ومثل هذه الخلايا المستيقظة والمتأهبة موجودة لليوم في محافظة المهرة بعد أن تم ولا يزال نقلها بالباصات من مناطق الشمال وبلباس مدني . إلا أن هذا المخطط الأخير فشل فيه المخلوع على الأقل إلى الان , إذ لم ينجر الحضارمة إلى مستنقع الفوضى وخلط الأوراق , انما ظلوا متماسكي الاعصاب . رابطي العمائم عا البطون , والصبر على المكاره . كما أن جل معسكراته التي كان يعول عليها , طردت من المحافظة , على الأقل الساحل منها مما صعب عليه الأمر واربكه , فضلاً عما واجهه المستوطنين ( كطابور خامس داخلي ) من مضايقات أدت في النهاية لإنسحاب العديد منهم لمناطقهم , ولكن ومثلما تعودنا من مكر هذا الثعلب الخوّان , فهو لن ييأس أو يستسلم , وانما سيعاود تآمره مجدداً , فقد يستعمل الان كرت النازحين من الشمال لحضرموت فلننتبه ولنتعض . أما المتسبب الآخر في زيادة حدة معاناة الناس اثناء الحرب لليوم والمستفيد منها هو ( عبدربه منصور هادي ) , فهادي الذي خاض حربه ضد المخلوع والحوثي ( الشمال ) وتبعه في خندقه الجنوب بأجمعه , كان اشد مايخشاه انحراف حضرموت عن هذا الجمع , والنأي بنفسها ليس عن الحرب وحدها , وانما عن الدولة التي يسعى لتثبيت شرعيته عليها , وبالتالي تختلط عليه كل اوراقه وحساباته , خاصة بعد تنامي اصوات عدة من هنا وهناك تدغدغ عواطف الحضارم وتمنيهم بمجد قادم , ولا يستبعد ان يكون المخلوع والحوثي وراء هذه الدعوة ايضا لخلق شرخ بين الجنوبيين . وبالتالي فالضمان الوحيد لإلهاء الحضارم وغلق أذانهم عن مثل هذه الدعاوى الانفصالية , هو خلق لهم ازمات الحياة اليومية كالكهرباء والمشتقات التي اصبحت حديث الشارع , وهي عند المواطن اهم من اي دعوى سياسية أو حتى دينية . والجانب الآخر ماحدث مؤخراً عن سيطرة تنظيم القاعدة على مناطق الساحل , ونية هذه الاخيرة وان كانت غير معلنة إقامة دولة إسلامية لها وفقاً ولتصوراتها . وعلى ما يبدو فأن أفضل وسيلة ضغط قد تستعمل ضدهم لإزاحتهم عن المحافظة وفقاً ولوجهة نظر هادي ( كما نظنها ونعتقدها ) هو تأليب عامة الشعب عليهم , وهذا لن يتأتى إلا من خلال تشديد الحصار ومنع المشتقات النفطية من الوصول للمحافظة , إلى جانب إفتعال اسباب تؤدي لتعثر استمرار إمدادات الكهرباء والماء كشرياني حياة ضرورين , مما يؤدي إلى ثورة من الداخل هي وفقاً ولحسابات هادي ومن معه أفضل من التدخل العسكري المباشر , او ربما هي التمهيد لهذا التدخل , وإلا فما تفسير عدم تزويد المحافظة بمشتقاتها النفطية واستمرارها وايجاد حلول من قبلهم للكهرباء , مثلما وجدت حلول لعدن وغيرها من مناطق , وهادي ومن معه من دول التحالف العربي لقادرين على حل هذه الأزمات خلال أيام معدودات أن هم أرادوا ذلك . صحيح هم لم يعلنوا صراحة أن الحل بأيديهم , أو أنهم سبب في هذه المشكلة ( المفتعلة ) , إلا أن تكرارها واستمرارها وتواتر الاعذار المقنعة والغير مقنعة التي نسمع عنها كل يوم , يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك قوة كبيرة تقف خلفها , وهذه القوة أما أن تكون بيد طالب الشرعية , أو بيد المخلوع عنها , والأيام القادمة ستبدي كل ماكان خافياً . فما رأيكم أنتم ؟ . تحياتي . / انور السكوتي .