فجأة ومن دون سابق انذار قامت قوات ارتيرية- اسرائيلية بهجوم خاطف على جزيرة حنيش الكبرى وقاموا باحتلالها وأسر الحامية اليمنية العسكرية فيها. وكان هذا الهجوم بقيادة طيار مقدم اسرائيلي يدعى (مايكل دوما) وكانت الأسلحة المستعملة اسرائيلية الصنع وقد اعلنت اليمن رفضها التصريح على الصعيد الرسمي بالوجود العسكري الاسرائيلي في ارتيريا بينما أثبتت الحقائق أن الاتصالات التي جرت بين القوات التي اقتسمت جزيرة حنيش كانت باللغة العبرية وهذا ما أكده (مايكل كدامير) مدير معهد (موشيه دايان) في تل ابيب قوله "ان نشر طائرات اسرائيلية شرق تركيا وانتزاع جزيرة حنيش الكبرى من القوات اليمنية بواسطة ارتيريا يندرجان في اطار استراتيجية اقليمية وقائية تنفذها اسرائيل تحسبا لتهديدات سودانية - يمنية يمكن ان تعمد في المستقبل إلى التعرض لحركة الملاحة الاسرائيلية في البحر الاحمر". وفي شباط/ فبراير 1996م قام الرئيس الاريتيري اسياسي افورقي بزيارة معلنة إلى إسرا ئيل اسفرت عن توقيع إتفاقية امنية مع الكيان الصهيوني لتعزيز التعاون العسكري بين البلدين ووضع استراتيجية موحدة في البحر الاحمر وقد تضمنت : 1- التزام اسرائيل بتقديم كل احتياجات ارتيريا في المجال الدفاعي لتتمكن من بناء جيش نظامي قادر على مواجهة التهديدات المحتملة من السودان واليمن 2- تشكيل فريق عمل دفاعي من الطرفين يضم خبراء في شؤون التسليح والتدريب والاستخبارات لتحديد نوعية وحجم متطلبات اعادة بناء القوات الارتيرية من الأسلحة والتدريب. 3- تدعيم موقف ارتيريا في مواجهة محاولات البحث والسيطرة على الجزر الاستراتيجية الواقعة في المدخل الجنوبي للبحر الاحمر وذلك عن طريق تزويدها بوسائل القتال التي تنسجم مع طبيعة المهمات البحرية والجوية التي تتطلبها عملية ضمان سيطرة ارتيريا على هذه الجزر واضطلاع اسرائيل بدور في حماية الوضع الراهن في البحر الاحمر عن طريق تأمين وجود عسكري محدود للمراقبة والرصد، والتدخل العسكري السريع في حالة حدوث تطورات تستدعي مثل هذا التدخل لحماية المصالح الاسرائيلية العليا. 4- الاسراع بارسال مجموعة من الخبراء المتخصصين الذين تناط بهم مهمة تطوير وتحديث المنظومة الارتيرية، الدفاعية البحرية والجوية في الساحل الارتيري، بما في ذلك التدريب على استيعاب المفاهيم والعقائد العسكرية الغربية والاسرائيلية لاستعمال المعدات العسكرية الاسرائيلية بكفاءة وفاعلية ويذكر انه وبموجب هذا الاتفاق أرسلت اسرائيل 350 فنيا من يهود الفلاشا للعمل في صيانة وتأمين المنشآت العسكرية الارتيرية فضلا عن 200 خبير ومستشار عسكريا واقامت مطارا عسكريا لصالح ارتيريا بالقرب من ميناء مصوع وقامت بتصدير شحنة من صواريخ جو/ ارض جو/ وفي نهاية فبراير 1996 زار اليمن عبد الوهاب الدراوشة عضو الكنيست الصهيوني مرشح (الحزب الديمقراطي العربي) وقد أكد موقف اسرائيل المحايد من النزاع اليمني الارتيري وكان يحمل اربع رسائل شفهية هي الأولى تتعلق بيريز في عقد لقاء مع الرئيس صالح والثانية تشير إلى موافقة الملك حسين على استضافة هذا اللقاء. والثالثة طلب عرفات فتح مكتب يمني في منطقة الحكم الذاتي والرابعة تتضمن تمنيات الحاخام جاملئيل راعي اليهود اليمنيين في اسرائيل لزيارة اليمن. ولا ريب ان التدخل في منطقة البحر الاحمر لم يكن اقليميا فقط بل كانت له ابعاده الدولية إذ ان واشنطن في ظل التغيرات الدولية الجديدة وانفرادها بالنظام الدولي تمنع وقوع مضيق باب المندب تحت نفوذ قوى معادية وتؤمن الممر المائي لحماية مصالحها في تدفق النفط من الخليج العربي كما ان الولاياتالمتحدة لها مصلحة في منطقة البحر الاحمر واهمها ضمان امن وقوة الشرق الاوسط التي تلتزم بتسوية سلمية للصراع العربي- الاسرائيلي واجتذاب دول عربية أخرى إلى فلك هذه السياسة وقامت الولاياتالمتحدة في 14 نيسان/ ابريل 1996 بتحذير صانع قرار السياسة اليمنية من تكثيف وجوده العسكري في الارخبيل أو اتخاذ أي ترتيبات عسكرية تهدف إلى استعادة الجزيرة باستعممال القوة العسكرية في مواجهة ارتيريا كما طلب ديفيد نيوتن السفير الامريكي في صنعاء 13/ 4/ 1996م من الرئيس صالح التطبيع مع الكيان الصهيوني بوصفه مقابلا لتسوية قضية حنيش وجاءت التحذيرات الامريكية لصانع قرار السياسة الخارجية اليمنية بطريقة عملية أي بعد اقل من خمسة أشهر من العدوان الارتيري وفي النصف الثاني من نيسان- ابريل 1996 حدثت مناورات عسكرية مشتركة جمعت القوات الامريكو- اسرائيلية والارتيرية لمدة شهور وكانت رسالة واضحة وجهتها واشنطن لصانع قرار السياسة اليمنية بعدم استعمال القوة العسكرية لاسترداد الجزيرة. وهذا مؤشر بارز على التواطؤ الامريكي لزعزعة الاستقرار في منطقة جنوب البحر الاحمر و تعمل امريكا على ايجاد دور فاعل لها في منطقة الخليج والبحر الاحمر مع العمل على اعادة ترتيب المنطقة طبقا لمصالحها الاستراتيجية واستبعاد وجود أي منافس لها.والسعي إلى استخدام ارتيريا للقيام بعملية خلق واقع جديد في المنطقة من خلال اضفاء طابع مغاير لهوية المنطقة العربية الإسلامية. وبقدر ما اتسم موقف صانع قرار السياسة اليمنية في البداية بشييء من التهاون وعدم القدرة على قراءة مؤشرات الازمة منذ بداية ظهورها واتخاذ الاحتياطات اللازمة والحفاظ على السيادة الوطنية بقدر ما اتسمت في الوقت نفسه باستعمال سياسة ضبط الاعصاب وتفادي توسيع انتشار دائرة المعارك العسكرية ومحاولة استعمال ما امكن من امكانات متوافرة للحوار والحلول السياسية على قاعدة الحفاظ على السيادة الوطنية. وعلى الرغم من احتلال الجزيرة بالقوة واسر الجنود اليمنيين البالغ عددهم 185 جنديا مرارة الهزيمة إلا ان النزاع على الرغم من مساحتة المحدودة والطابع المفاجئ الذي برز فيه. ألا أنه يحمل ابعادا كثيرة قد تتجاوز الحدود لاسيما الدعم الاسرائيلي والامريكي لارتيريا ألذي يشكل في نهاية المطاف محصلة لتأثير عوامل محلية واقليمية ودولية متعددة ولهذا فمن الخطأ تجاهلها أو تبسيطها مماجعل صانع القرار السياسياليمني أمام خيارين: الأول ترك الفرصة أمام الوسائل الدبلوماسية والوساطات الدولية إلى ان تتوصل إلى انسحاب القوات الارتيرية ومن ثم حل القضايا المتنازع عليها بالحوار وفقا للمواثيق الدولية والحقوق القانونية والتاريخية للطرفين والخيار الثاني: هو استعمال القوة على قاعدة ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة وهذا يمثل الاتجاه الشعبي لكن الخيار الأول افضل إذا ما قيس بخيار الحرب الذي لا يخدم مصلحة الطرفين والاستقرار والامن في المنطقة. خاصه بعد تأكيد وزير خارجية اليمن والدفاع أمام مجلس النواب اليمني ان البحرية اليمنية قد دمرت عن بكرة ابيها في اثناء حرب الانفصال. وإن اليمن لم يكن يملك أي زورق حربي جاهز للمواجهة العسكرية حين قامت القوات الارتيرية باحتلال الجزيرة وانها لا تملك وسائل أو قطع بحرية لنقل الماء والغذاء للقوات اليمنية المتمركزة في زقر، لذا جرى الاعتماد على الطائرات المروحية ووسائل النقل المدنية التي كانت تستعمل بالاجر وهذا الأمر هو الذي دفع اليمن إلى الاعلان بأن محاولة إسترداد الجزيرة بالقوة العسكرية من دون قوات بحرية معناه الانتحار. ينظر في هذا ردود وزيري الخارجية والدفاع على استفسارات أعضاء مجلس النواب في 31/ 12/ 1995 في مجلس النواب، المحضر التفصيلي للجلسة رقم 2/2/2/3 المنعقد بتاريخ 31/12/1995 صنعاء سكرتارية المجلس ص ص23- 29. ولاجل هذا بذلت القوى الدوليه فيها جهوداً دبلوماسية مكثفة بين اليمن وارتيريا وتوصل الطرفان إلى اتفاق تحكيم دولي بشأن جزر حنيش في 3/ 10/ 1996م وبعد سنتين من ذلك الاتفاق. قضى قرار محكمة التحكيم بالاجماع باحقية اليمن بالسيادة على جزر حنيش وفي مقدمتها جزيرة حنيش الكبرى وذلك بتاريخ 9/ 10/ 1998م وقد استعان البلدان [اليمن وارتيريا] بمحامين اجانب يتقاضون اجورهم بالساعة وكلفتا الدولتين ملايين الدولارات ،وعادت العلاقات اليمنية- الامريكية ولاسيما في الجانب العسكري الذي تلى عودة السيادة اليمنية على جزر حنيش ففي المرحلة الاولى من التحكيم أكدت المحكمة سيادة الجمهورية اليمنية على جزيرة جبل الطير ومجموعة جزر الزبير وجزيرة زقر ومجموعة جزر حنيش، أما المرحلة الثانية من التحكيم فقد حددت الحدود البحرية بين الدولتين بخط حدودي بحري واحد مستند إلى نقاط الاساس على الساحلين الشرقي لليمن والغربي لارتيريا وكذلك مجموعة الجزر القريبة من الشاطئ مثل جزيرة كمران وما حولها من الجزر على الساحل اليمني ومجموعة جزر دهلك على الساحل الارتيري واعطى الحكم للجزر اليمنية الواقعة في وسط البحر الاحمر حقها الكامل من البحر الاقليمي بحسب نص المادة 159 من إتفاقية الأمم المتحدو لقانون البحار لعام 1988، وفي حالة الجزر المتقابلة للدولتين واذ تقل المسافة البحرية بينهما عن 24 ميلا بحريا فقد قسمت هيئة التحكيم تلك المسافة بين الدولتين مناصفة. ويمثل البحر الاحمر أهمية بالغة لأمن الدول العربية المطلة عليه خاصة والامن القومي العربي عامة وإن ما حدث لليمن من احتلال لجزيرة حنيش الكبرى لا يعني اليمن فحسب وانما يعني في الوقت نفسه العرب جميعا والدول المطلة على البحر الاحمر بصفة خاصة. ولاشك ان قضايا البحر الاحمر هي قضايا معقدة وذلك لطبيعة أهميته الجيوبولتيكية والجيوستراتيجية. ولهذا فان قضية امن وتأمين البحر الاحمر وخاصه في ما يتعرض له اليوم من قرصنه ذات مغزى استعماريه، ولابد من اجتماع طارىء للدول المطله عليه والمشاطئة له واتخاذ قرار رادع افي اطار الامن القومي قبل الحسره وانهزام عربي اخر ..