عشية الثلاثين من نوفمبر 1967م، كان الشعب اليمني بنخبه السياسية والثقافية، يثير اعجاب أحرار وثوار العالم، وهو يتوج ثورته الشعبية المسلحة بانتزاع الاستقلال الوطني الناجز، ويؤسس لانطلاقة جديدة حافلة بالنضالات والتحديات والاستحقاقات التاريخية والعملية على صعيدي التنمية الاقتصادية والبشرية. ولا شك أن انبعاث الشعب اليمني في فترة ما بعد الثورة والجمهورية والاستقلال الوطني، كان له ما بعد من مسارات الرجاء والأمل، صوب حياة حرة كريمة، خالية من مشكلات حكم الأئمة الرجعي والكهنوتي والاستعمار في إقليم اليمن.. ولا تسأل إلاَّ التاريخ كيف كان أحرار وثوار اليمن على كل الدروب مع مواكب الثورة والتغيير. بانتصار ثورة 26 سبتمبر 1962م وتتويج ثورة 14 أكتوبر 1963م وبانتزاع الاستقلال الوطني 1967م ازالت جماهير الشعب الظروف الاستثنائية المباشرة التي يعيش ذروة الشقاء والمعاناة في الحياة وتسنى له أن يتطلع إلى تحقيق أمانيه الوطنية في الوحدة الوطنية والتقدم للحاق بشعوب العالم. من هنا نحسب أن إعادة تحقيق الوحدة اليمنية فور الحصول على الاستقلال الوطني كان أهم وأعظم التحديات والاستحقاقات التي كان يفترض أن تنجزه الجبهة القومية لولا نكسة حزيران وانقلاب 5 نوفمبر 1967م الذي وضع مكاسب الثورة والجمهورية في شمال الوطن اليمني بين يدي القوى الملكية المنحلة في اليمن والرجعية العالمية. إن القراءة التحليلية المتواضعة لطبيعة الصراع الملكي الجمهوري الذي كان محتدماً في الوطن اليمني كان في معناه صراعاً إقليمياً عالمياً بين قوى ثورة التحرر الوطني من جهة وقوى الرجعية والصهيونية والاستعمار من جهة ثانية.. ولقد عاش جيل الستينيات من القرن العشرين ذلك الانقسام بكامل الوعي وقدم فيه ما يلزم من تضحيات لا سبيل إلى حصرها وتعدادها. لقد كان أحرار وثوار اليمن يسيرون على كثبان هائلة من الرمال المتحركة جراء مؤامرات أعداء الثورة والجمهورية والاستقلال ولكنهم كانوا يتحلون بعزم وحزم وإصرار على الذهاب نحو مشاوير التحرر الوطني غير حافلين بالمشكلات والتحديات التي يتوقعونها ذات يوم على هذا الدرب أو ذاك. يحز في نفوس من تبقى من أحرار وثوار اليمن أن يتجسد أمام انظارهم خيال المعارك الضارية بين الإخوة الأعداء في اليمن ابتداءً بصراع الملكيين والجمهوريين ومروراً بصراع الجبهة القومية وجبهة التحرير على مسألة من يمثل الشعب في مفاوضات الاستقلال مع حكومة المملكة المتحدة. يشعر الآن من عاش زمن أحداث الثورة والجمهورية والاستقلال بالأسى والأسف تارة وبالفرح والزهو بالنصر تارة أخرى، والأحداث التي كانت والرجال الذين استشهدوا لن يعودوا ولكن من يريد أن يحيا أميناً للثورة والجمهورية والاستقلال عليه أن يدرس باهتمام مجريات تلك الفترة وأن ينتبه إلى استخلاص ما تحفل به من دروس وعبر مفيدة تساعد على تقوية الوحدة الوطنية. للمرة الثانية يأتي الثلاثون من نوفمبر 1967م واليمن يعيش ارهاصات ثورة تغيير سلمي يقدر لها القائمون عليها أن تمضي بلا انقسامات او صراعات سياسية أو عسكرية ونحن اليوم بفضل من الله وبمساعدة من أشقائنا وأصدقائنا وبحكمة منا وطول بال البعض في خير منظور وعلينا الا نستهين بما تحقق فعلاً منذ التوقيع على المبادرة الخليجية وآلية تنفيذها. نستطيع أن نقول اليوم بملء الفم ودون أن نخشى من الوقوع في المحذور أن نظام التشطير سقط سقوطاً فظيعاً ولا مستقبل له في اليمن وأن وحدة 22 مايو 1990م وجدت لتبقى وأن الحوار الوطني يجب أن يتم من قاعدة الحفاظ على وحدة الوطن وصيانة أمنه واستقراره وإصلاح ما يمكن إصلاحه من أخطاء علقت بالتجربة الوطنية الكل مسؤول عنها. من واجبنا في الحركة السياسية الوطنية ونحن نحتفي بالذكرى الخامسة والاربعين للاستقلال الوطني أن نؤكد على مايلي: الحفاظ على الثورة والجمهورية والاستقلال والوحدة. تعزيز وحدة قوى الشعب، وتسهيل تفاعلها في تحقيق التغيير السلمي وحماية الإنجازات من التعديات. تأمين أجواء مناسبة لإنجاح مؤتمر الحوار الوطني. التفاعل البناء مع مجريات أحداث العصر والتعرف على قضاياه الأساسية. إيجاد فهم سليم مشترك لبناء الديمقراطية والدولة المدنية والمواطنة المتساوية. خلاصة الوطن اليمني أرضاً وإنساناً يستحق منا أن نجعل من ذكرى الاستقلال هذا العام محطة للحوار والتوافق في الوطن على المساواة والحرية والكرامة والديمقراطة. التمسك بالمبادرة الخليجية وآلية تنفيذها وأن نعمل بروحها ونصها حتى نتمكن من العبور من واقع الأزمة إلى المستقبل الواعد بميلاد يمن جديد يحضن جميع أبنائه المؤتلفين والمختلفين. كل عام والجميع بخير.