المرشد الثامن لجماعة الإخوان المسلمين، محمد بديع ملامحه صارمة، بقلبه الحجر ونظرته الحادة وآرائه الديكتاتورية غير قابلة للنقاش، هو باختصار محمد بديع، أول مرشد منتخب في جماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسيها على يد حسن البنا قبل أكثر من 80 عاماً.
ولد بديع في المحلة الكبرىبالقاهرة عام 1943، في وقتها كانت مصر مملكة ومستعمرة بريطانية، تنتفض بين حين وآخر لنيل حريتها، التي توجت بعد 10 أعوام من ولادته بثورة يوليو التي قادها جماعة الضباط الأحرار عام 1952. وكان لنظام عبدالناصر، العدو اللدود والتاريخي ل جماعة الإخوان، الفضل في دخول بديع قسم الطب البيطري في جامعة القاهرة، وهي الجامعة التي كانت فيما مضى تسد أبوابها في وجه عموم المصريين. لم يكن بديع مجرد منتسب في جماعة الإخوان، إذ يشير اعتقاله في 1965 إلى جانب منظر الجماعة سيد قطب والحكم عليه بالسجن 15 عاماً إلى مكانته العليا في التنظيم رغم يفاعته، قضى من محكوميته 9 أعوام، ليباشر بعدها مشوراه العملي والعلمي شاغلاً عدة مناصب أكاديمية وبحثية في مصر واليمن، مكملاً تخصصه في البيطرة. لكن نشاطه العلمي لم يطغ عن نشاطه السياسي، إذ استمر في قيادة العمل السري للجماعة في عهدي الرئيسين الأسبقين محمد أنور السادات ومحمد حسني مبارك، واعتقل عام 1999 في قضية النقابيين وحكم بالسجن 5 أعوام وخرج عام 2003. ومنذ خرج بديع من محكوميته الأخيرة، وضع نموذج حزب العدالة والتنمية التركي بوصلة لسياسة الإخوان في "عصر الألفية"، فبدأ بإعادة ترتيب البيت الداخلي، وأصبح أكثر براغماتية في قراراته باتباع سياسة مهادنة مع نظام مبارك، إلى حد أنه منع الجماعة من الاشتراك في أي تظاهرات تندد بحكم الرئيس المخلوع، خاصة في فترة تظاهرات 6 أبريل التي شاركت بها جميع القوى السياسية المعارضة في مصر. 2010، كان عاماً فارقاً في تاريخ الجماعة، إذ أنه شهد أول انتخابات لاختيار المرشد الذي كان يعين فقط بداعي وفاة المرشد السابق. كما أبدع بديع عدة تصريحات مدوية جعلته يقترب من نظام مبارك، من بينها عدم اعتراضه على ترشيح نجله جمال لمنصب رئاسة الجمهورية، قائلاً: "طالما سيتبنى جمال مبارك برنامجاً انتخابياً جديداً، يقدم فيها إصلاحات يتعهد بها أمام الشعب المصري، فليس لدينا تحفظ على ترشحه"، مشدداً على أن الجماعة "لم ولن" يكون لديها مطامح لشغل مناصب سيادية في البلاد. لكن ثورة "25 يناير"، التي وقفت فيها الجماعة على الفاصل الرمادي، فتحت شهية الإخوان السياسية لابتلاع مصر، فحنث المرشد ومن يحيطون بهم بأيمانهم في عدم المشاركة في الانتخابات البرلمانية، وأوغلوا أكثر في حنثهم وشاركوا بالانتخابات الرئاسية رافضين جميع المقترحات حول إقامة مجلس رئاسي انتقالي يضم جميع ألوان الطيف السياسي لقيادة مصر نحو الديمقراطية. وفي اللحظة التي فاز فيها الرئيس المعزول محمد مرسي، أصبح المرشد هو رئيس جمهورية مصر العربية، نافضاً الغبار عن أحلام البنا وقطب وغيرهما من زعماء الإخوان، ومعلناً نقطة اللاعودة عن مشروع أخونة الدولة وتحقيق "مشروع الخلافة" في مصر والمنطقة العربية برمتها، مشروع أعماه عن تظاهرات الملايين في30 يونيو، وجعله يوغل في دم شعبه بالتحريض على العنف ودفع مؤيديه لتحدي أمن الدولة ورفض جميع المبادرات الداعية لإنهاء أزمة عزل مرسي عبر الحوار والاشراك في العملية السياسية، حتى قدم ابنه قرباناً لمطامح تنظميه فمات باشتباكات فض ميدان رابعة. كثير ما يؤكد متخصصون في علم النفس، أن طباع الإنسان عادة ما تقع في شباك تخصصه ودراسته وتحصيله الأكاديمية، ويبدو أن بديع الذي درس البيطرة، وقع في فخ منطق "قيادة القطيع" وكان الوقت تأخر كثيراً ليعرف أن إرادة الشعب "لا يمكن تدجينها" باسم الدين، وفتح عينيه على يديه المكبلتين بجلبابه الأبيض وملامحه الذاهلة.