بعد استمرار المعارك مع الحوثيين. . . خبراء استراتيجيون: * الحرب بين الحكومة والمتمردين قبلية وليست مذهبية وقيام حزام شيعي مستحيل * اللواء عادل سليمان: ما يحدث على الحدود اليمنية يفتح الباب لتدخلات خارجية غير مبررة * السفير هاني خلاف: صنعاء مطالبة بالاستجابة لبعض مطالب الجماعات واحتواء المعارضين * د. حسن أبوطالب: القاعدة استغلت الصراع لتتوطن باليمن ومطلوب دعم عربي لحكومة صنعاء أثار تطورالصراع بين الحوثيين والحكومة اليمنية وامتداده إلى الأراضي السعودية، العديد من التساؤلات نظراً لطبيعة المنطقة وتمركز القبائل بها، في ظل الحديث عن إمكانية وجود سعي لدى الحوثيين لزعزعة الوضع الداخلي السعودي. فمناطق الحدود، تشكل المعقل الأساسي للطائفة الإسماعيلية، وهم -مثل الحوثيون- يشكلون تيارات في المذهب الشيعي، الذي يقول أتباعه أنهم ضحايا لتهميش ممنهج، فهل يكون السيناريو الذي حذرت منه صنعاء وهو إمكانية قيام »حزام شيعي« عند الحدود مع السعودية ممكناً؟ في البداية يتطلب الأمر ضرورة معرفة الطبيعة الجغرافية والسكانية لميدان المعارك من الجانبين اليمني والسعودي. محافظة صعدة على سبيل المثال واحدة من أفقر مناطق اليمن، وهي بمعظمها مرتفعات وجبال وعرة، يصل ارتفاع بعض قممها إلى 2500 متر، ما يجعلها مثالية لحرب العصابات، وأرض صعبة للجيوش النظامية. وتبرز في المنطقة خلافات تاريخية بين القبيلتين الأساسيتين، وبكيل وحاشد، وقد انعكس ذلك على دعم المعارك مع الحوثيين من عدمه. فعندما اختارت قبائل حاشد، التي ينحدر منها الرئيس علي عبدالله صالح، تقديم الدعم العسكري للجيش ضد المسلحين، وجد بعض أبناء قبيلة بكيل أنفسهم في تحالف موضوعي مع الحوثيين، الأمر الذي منح الأزمة بعداً قبلياً. أما الحوثيين، فهم عبارة عن تيار يقدم نفسه من خلال إطار سياسي للحركة التي أسسها أحد وجهاء الطائفة الزيدية، وهو بدر الدين الحوثي، قبل أكثر من عقدين، وعمل التيار أول الأمر في إطار جمعية »الشباب المؤمن«، التي جذبت عدداً من سكان المنطقة من مختلف القبائل. ويتهم خصوم التيار، بدر الدين الحوثي بأن أطروحاته تتجاوز الإطار السياسي لتصل إلى الجانب الديني، متهمين إياه، بترسيخ أفكار شيعية اثني عشرية في أذهان أتباعه، تخرج عن إطار المعتقدات الزيدية التاريخية، التي هي أقرب لوجهات النظر السنيّة في العديد من القضايا الفقهية. ويقود الحوثيين على الأرض حاليا عبد الملك الحوثي، أحد أبناء بدر الدين، بعد أن قاد شقيقاه، حسين ويحيى، التنظيم في الحروب الماضية مع صنعاء، منذ عام 2003. ويرى نفر من المحللين أن الواقع السياسي الذي يفرضه وجود علاقات لمعظم الفرق الشيعية في المنطقة مع إيران قد يرتب نتائج مغايرة في ظل التباعد الواضح بين الرياضوطهران حول ملفات المنطقة، إلى جانب طبيعة العلاقات القبلية المعقدة والتاريخية عند الحدود بين اليمن والسعودية. وبعد هذه المقدمة عن طبيعة الصراع يقول اللواء عادل سليمان المدير التنفيذي لمركز الدراسات المستقبلية والاستراتيجية الموقف في اليمن والصراع الدائر بين الحكومة والحوثيين بأنه وضع غاية في الخطورة ويهدد الاستقرار في اليمن بشكل كبير ويفتح الطريق امام تدخلات خارجية بأشكال مختلفة مشيرا الى وجود محاولة لإضفاء صبغة طائفية على الصراع رغم انه بعيد عن أي صبغة طائفية فعلياً مطالباً بأن يكون هناك موقف من قبل جامعة الدول العربية في محاولة لوضع حد لهذا الصراع. وأكد ان أي صراع او اضطراب في منطقة عربية قد يؤثر على الاطار العام للأمن القومي العربي فأهم ما يميز الصراع في اليمن انه يخرج قوة من قوى الدول العربية خارج اي اتفاق او تكتل يسعى لتحقيق المصالح العربية عن طريق إشغالها باضطرابات سياسية داخلية حادة. واستبعد سليمان إمكانية تواجد شريط شيعي جنوب للسعودية حيث يجب النظر الى الصراع في اليمن بعيدا عن الطائفية فهو صراع قبائلي اكثر من كونه طائفي فالحوثييون زيديون والرئيس اليمني نفسه زيدي واليمن منقسم ما بين الزيدية والسنة الشافعية مشيرا الى وجود مشاكل متعلقة بالتركيبة القبلية خصوصا في الشمال حيث يتميز البعض على البعض الآخر فيما يخص حقوق المشاركة السياسية في السلطة وأوضح سليمان أن المهم بالنسبة للسعودية هو تأمين حدودها وهو موضوع مهم بالنسبة لها خاصة حدودها مع اليمن والتي تكتسب أهمية خاصة فهي منطقة جبلية واعرة جدا وبها تداخلات بين القبائل وبين السكان وبعضهم البعض كما أن هناك مشاكل كبيرة بين البلدين حول الحدود انتهت باتفاقية جدة لترسيم الحدود. السفير هاني خلاف مساعد وزير الخارجية المصري الاسبق يقول إن انشغال العرب بالخلافات الاقليمية والجزئية من شأنه تعطيل اي مسار عربي جماعي صحيح واثارة اسباب للتراجع والتشرذم وقد يخدم ذلك أهداف الاعداء، وأشار الى ان توسيع دائرة الصراع لتشمل الحدود المعترف بها دوليا أمر مزعج فرضته طبيعة العمليات العسكرية، مبديا ثقته الكاملة في ان يكون لدى القيادات سواء اليمنية او السعودية الحكمة الكافيه لإيقاف أي تطور. واضاف ان الامر نتيجة طبيعية لطموحات بعض المجموعات اليمنية التي تحتاج الى مرونة في تجاوب الرسميين معها، وأبدى خلاف عدم رغبته في الاشارة باصابع الاتهام لأطراف غير عربية تسعى لإضرام النيران وذلك بسبب عدم تأكده من اية معلومات ميدانية عن وجود أياد خفية، مضيفا ان الامن القومي العربي بشكل عام وأمن الخليج بشكل خاص يتأثر إذا لجأت بعض الاطراف الى اطراف غير عربية مبديا دهشته من عدم انعقاد مجلس الامن والسلم العربي لبحث هذا الأمر الخطير كما ان اجتماعات الجامعة العربية لم تطرح في اجندتها الرسمية هذا الموضوع فقد اعتدنا في النظام الاقليمي العربي ان الدولة ذات الشأن هي التي تعمل على إدراج الامر للمناقشة والبحث وحتى الآن لم تطالب لا اليمن ولا السعودية بذلك موضحا ان الجهاز المنوط به مثل هذه المسائل هو مجلس الامن والسلم العربي واذا كان الصراع سيترك لقمة عربية قادمة تعقد في ليبيا او غيرها فهو امر مبكر ولم يتم بحثه بعد. واستبعد خلاف ان يكون الصراع في اليمن طائفيا مشيرا الى وجود الاباضيين في عمان والزيدية في اليمن بشكل مستقر ويتمتعون بحقوقهم ومشاركتهم في العمل الوطني والسياسي كما ان دورهم الثقافي مكفول وان الخلاف قد ظهر بعد المطالب المحدودة التي تعد شأنا داخليا مدنيا. واوضح ان هناك من يحاول المزايدة واثارة مطالبات طائفية تزيد اشعال المنطقة، فالطلبات في البداية كانت محدودة وكان من الممكن التعامل معها بحصافة وكياسة لكن مسألة استخدام الاسلحة والطائرات والبحرية جعل الامر اوسع من مجرد مطالب مدنية وحقوق محلية الطابع. وشدد خلاف على ان إطلاق بعض الصفات الطائفية على نشاط الحوثيين من شأنه سكب الزيت على النار لأن الطائفية تجد صداها الآن في معظم بقاع العالم العربي وقد تشعل قلاقل لا حاجة لنا بها. ومن جانبه يقول الكاتب والباحث د. عمار علي حسن في علم الاجتماع السياسي انه لا يمكن فهم الصراع السياسي الذي يشهده اليمن حاليا من دون الإلمام بطبيعة البنية الاجتماعية اليمنية، الفريدة عربيا في تعقيدها، والتي تتداخل وتتشابك رأسيا وأفقيا، بشكل يجعل من الصعوبة بمكان فصل إحداها عن الأخرى، إلا نظريا لأجل دراسة متأنية، أو مسعى للتأمل العميق. وتتناقض القبائل في تعاطيها مع السلطة السياسية بين قبائل داعمة ومغذية لها وأخرى تناهضها في بعض الأحيان، في حالة من السيولة الواضحة، إذ لا تتجمد قبيلة عند الرفض ولا تثبت أخرى عند التأييد، خاصة أن الفئات الاجتماعية المحدثة التي راحت ترسخ أقدامها في العقود الأخيرة تتوزع على مختلف القبائل، وعلى التوازي تتوزع على الأحزاب السياسية، سواء الحزب الحاكم أو الأحزاب المتحالفة معه أو المعارضة بمختلف توجهاتها. والقبائل اليمنية إما أن تأخذ شكل القبيلة المفردة أم التجمعات أو التحالفات القبلية. وفي شمال اليمن توجد ثلاثة تجمعات كبرى من القبائل هي حاشد وبكيل ومدحج، وفي الجنوب هناك قبائل تنتمي إلى مدحج، وقبائل تدخل في تجمعات متفرقة تمتد من شبوة إلى حدود سلطنة عمان، وهناك قبائل تتمسك بعزلتها، مثل يافع، التي يطلق عليها بعض الشماليين »حاشد الجنوب«. وتتوزع القبيلة الواحدة على عدة بطون، تنتشر في قرى عدة. ويمكن أن نضرب مثالا على ذلك، بقبيلة سنحان التي يتوزع أفرادها على ثلاثة وعشرين قرية. وتقوم القبيلة اليمنية على أساس التمايز في العلاقات والترتيب الهيراركي، شبه الارستقراطي، ويبرز هذا في مختلف المواقف الاجتماعية، مثل الزواج واختيار الزعامات التي تتوارث المكانة والأدوار، الأمر الذي يحول، في كثير من الأحيان، دون وجود حراك اجتماعي ملموس وفعال. وإذا كانت القبلية اليمنية صنيعة الجغرافيا، بشكل ما، فإن السياسة قد غذت استمرارها بشكل كبير. فالأئمة الزيديون الذين حكموا اليمن قرونا عديدة، علاوة على أنهم قد دخلوا البلاد على أكتاف القبيلة حين دعت قبائل خولان الإمام الهادي إلى الحق المؤسس الأول للإمامة الزيدية إلى اليمن لحل خلافات كانت ناشبة بينهم، ساهموا في إطالة أمد الصراعات القبلية، وحالوا دون حدوث تفوق من جانب قبيلة على القبائل الأخرى، بالصورة التي كانت تحدث في البلاد قبل ظهور الإسلام، بما كان يقود إلى انضواء القبائل تحت لواء واحدة منها قوية، تصل باليمن إلى أعتاب الدولة الموحدة. فالأئمة كانوا حريصين على إحداث نوع من التوازن بين القبائل، لأن هذا من شأنه أن يقضي على دولتهم، وتمسكوا بلعب دور الحكم بين القبائل، ووقفوا خارج البناء القبلي يناورون من أجل ضمان استمرار حكمهم. وقاد هذا الوضع إلى الحفاظ على التعددية القبلية، خاصة في ظل مقاومة الأئمة لأي تيار تحديثي، كان يريد تخليص اليمن من قبضة الماضي ويضعه على عتبات الحاضر. وهذه الخلفية القبلية لا تزال تشكل ظهيرا للحوثيين، الذين يتمردون على الدولة، ويطالبون بعودة »الإمامة«. فالحوثيون، الذين ظهروا على الساحة السياسية اليمنية في نهاية التسعينيات بقيادة حسين بدر الدين الحوثي، يستغلون في صراعهم ضد السلطات اليمنية كافة الموروثات الاجتماعية التقليدية، وفي مطلعها البعد المذهبي، إذ إن »المتمردين« الحوثيين، هم في الأساس حركة طائفية تتمركز في محافظة صعدة ذات الأغلبية الشيعية، وتحاول أن تستقطب ما بوسعها أن تجنده من أتباع الزيدية، الذين يشكلون نحو 30 بالمئة من سكان اليمن برمته، عبر دعاية تقول إن السلطات تستعين بالسلفيين، من الشوافع، في قتال الحوثيين، وتصويرهم على أنهم معتنقون للمذهب الإثني عشر، وليسوا زيديين. وفي حقيقة الأمر فإن من يبحث وراء خلفيات الحوثيين ومرجعيتهم يجد كثيرا من المصادر التي تصنف حركتهم على أنها شيعية اثني عشرية. لكن أتباع الحوثي يبدون حرصا شديدا ودائما على نفي هذا الأمر، ويقولون إنهم لم يتحولوا أبدا عن المذهب الزيدي رغم إقرارهم بالالتقاء مع الإثني عشرية في بعض المسائل كالاحتفال بعيد الغدير وذكرى عاشوراء. ومن هنا تجد السلطات اليمنية نافذة عريضة لاتهامهم بأنهم يرمون إلى إعادة حكم الأئمة إلى اليمن، وهو نظام يتصدره رجال الدين. وما يهم في هذا المقام أن مشروع الحركة السياسي لا يخلو من نزعة طائفية، إذ إنها تتهم الحكومة بأنها تهمش الطائفة الزيدية، وتضيق باختلاف مذهبها الديني، وتخنق حريتها الفكرية، ولذلك يطالب الحوثيون السلطة بإنهاء هذا الوضع، والموافقة على قيام حزب سياسي مدني، وإنشاء جامعة معتمدة في شتى ألوان المعرفة، وضمان حق أبناء المذهب الزيدي في تعلم أصوله في الكليات الشرعية، واعتماد الزيدية مذهبا رئيسيا بالبلاد إلى جانب المذهب الشافعي. وحتى الان لا تلوح في الأفق أي بوادر تجعل أحدا متيقنا من أن الدولة اليمنية الحديثة التي كانت عام 2000 تصنف عالميا على أنها تقع في أحضان »الديمقراطيات الناشئة« في العالم، بوسعها أن تتغلب في زمن سريع على العيوب والثقوب التي تخلفها التقليدية، بل إن هناك تقديرات متشائمة تجزم بأن اليمن سيسقط قريبا في فخ »الدولة الفاشلة« إن لم يتمكن من إنهاء صراعاته المتفجرة. ويرى د. حسن أبوطالب مستشار التقرير الاستراتيجي العربي والخبير المتخصص بالشأن اليمني ان اللحظة الزمنية الراهنة تشهد تزامنا فريدا بين ثلاثة أنواع من التحديات الجسام نتيجة ضعف مناعة الداخل اليمني، الأول هو تحدي الحراك الاجتماعي الجنوبي السلمي، الذي تحركه عناصر تطرفت في مطالبها الى حد القول إن الانفصال مرة اخرى الى شطرين، كما كان الوضع قبل الوحدة، هو الحل الوحيد لأزمة الجنوب واليمن ككل، والثاني هو عودة تنظيم القاعدة للظهور انطلاقا من أرض اليمن لكي يهدد أمن كل الجزيرة العربية وما حولها، وذلك بعد أن اندمج ما يعرف قاعديا بأنهما تنظيما القاعدة في اليمن والسعودية وشكلا معا تنظيم القاعدة في الجزيرة وفق ما اعلن مطلع هذا العام، تحت قيادة ناصر الوحيشي وهو يمني عمل سكرتيرا شخصيا لأسامة بن لادن في الفترة السابقة للهجوم الامريكي على إمارة طالبان الافغانية في نوفمبر 2001، وحسب ما أعلن بيان الدمج يناير 2009 فإن هذا التنظيم، أو فرع القاعدة في الجزيرة العربية إن جاز القول، سوف يستقر في الاراضي اليمنية متسلحا بطبيعتها الجبلية في الوسط والجنوب. أما التحدي الثالث فهو المواجهة مع الحوثيين لمدة تقترب من ستين يوما باتت تعرف بالحرب السادسة التي لم تحسم بعد. وإذا كان الجيش اليمني وهو الأكثر تسليحا وتنظيما من عناصر التمرد الحوثي، لم يستطع بعد أن يحسم الامر بعد هذه المواجهة العسكرية الطويلة، فإن الدلالة البالغة الأهمية هنا هي أن التمرد الحوثي لديه من الموارد البشرية والتسليحية والقيادات العسكرية والقيادات الميدانية، ما يوفر له عنصر ضغط مضاد على الجيش اليمني. صحيح أن المنطقة التي يجري فيها القتال معروفة بوعورتها وصعوبتها وتوافر مواقع الاختباء، مما يسمح لعناصر التمرد بالحركة وشن حرب عصابات ضد قوات الجيش اليمني، لكن الصحيح أيضا أن الاداء العسكري المصحوب بأداء إعلامي جيد الى حد كبير، يشير الى ان هذا التمرد قد أعد منذ فترة إعداداً جيداً، وأن هناك جهة أو جهات عديدة وفرت للحوثيين التدريب العسكري جنبا الى جنب مع الشحن العقائدي والمذهبي اللذين يقودان الى الشراسة في المواجهة مع عناصر القانون. وهنا تساؤل يفرض نفسه بقوة من أين أتي الحوثيون بكل هذا العتاد العسكري وكل هذا الفكر العملياتي الكبير وكل هذه القدرات الاعلامية التي تتعدى حدود اليمن الى فضاءات عربية وأجنبية، فضلا عن هذا العدد الكبير المدرب جيدا على استخدام السلاح. البعض هنا، ومن بينهم الحوثيون أنفسهم يشيرون الى توافر السلاح في اليمن وحصولهم على غنائم حرب من بعض الوحدات في الجيش اليمني التي تركت ساحة القتال لسبب أو لآخر، وهي تفسيرات لا تقدم إجابة مقنعة لهذا الأداء العملياتي الذي يستند الى نظريات عسكرية معروفة والى قدرات بشرية عالية التدريب والجاهزية. وحتى إذا قبلنا منطق توافر السلاح في اليمن فمن أين توافرت الأموال التي تشتري هذا السلاح؟ بالقطع ثمة مورد مالي متدفق ربما إقليمي وربما داخلي محلي يوفر التسلح الكبير لعناصر التمرد الحوثي. وهو ما تثبته حادثة وقف إحدى السفن قبل يومين محملة بالأسلحة الصينية والوثائق المزورة وصفت بأنها كانت في طريقها الى الحوثيين في منطقة صعدة. فمن مول هذه الصفقة إذن؟. ومعروف أنه في شق من دعاية الحكومة المضادة هناك تركيز على دور إيراني في دعم التسلح الحوثي منذ فترة سبقت هذه المواجهة الضروس. وهو ما ينفيه الايرانيون الذين لم ينكروا دعمهم السياسي ومساندتهم المعنوية للحوثيين باعتبارهم إخوة في المذهب الجعفري الاثني عشري يتعرضون لاضطهاد السلطة اليمنية الحاكمة. ويضيف أبو طالب أن نفي الحكومة الايرانية وعدم توافر دليل مادي ملموس على تدخل إيراني بشكل مباشر في اليمن، أدى بالدعاية الرسمية اليمنية الى القول إن الجهات الإيرانية الداعمة لتمرد الحوثيين ليست جهات رسمية، اي ليست جزءا من مؤسسات الدولة الايرانية، وانما هي مؤسسات رسمية تعنى بنشر المذهب الشيعي الجعفري في الإقليم ككل. ما يؤكد هذا المعنى الى حد كبير ما ذكره لي طالب يمني من أبناء صعدة في عام 2005، حول نشاط كبير كان يقوم به المستشار الثقافي الإيراني في اليمن في الفترة من 2002، الى عام 2004، للتعاون مع مكتبات في صنعاء وصعدة بغرض بيع كتب شيعية إيرانية، وكذلك لدعوة طلاب وشباب يمنيين لزيارة طهران وقم لمدة تتراوح بين أسبوعين الى شهرين. ووفقا لرواية الطالب اليمني فإن كثيرا من الطلاب اليمنيين الذين شاركوا في هذه الزيارات تأثروا بالمذهب الجعفري الاثني عشري. علينا ان نتذكر هنا أن هذه المرحلة كانت فترة رئاسة الرئيس محمد خاتمي الذي قام بزيارة عدد من البلدان العربية تطبيقا لسياسة انفتاح إيرانية محسوبة تجاه دول المنطقة، وكانت زيارته الشهيرة في فبراير 2005، لكل من لبنان واليمن ودمشق دليلاً على تطور كبير في علاقات إيران مع هذه البلدان فضلا عن خطوات انفتاحية مع السعودية وباقي دول الخليج العربية. وينفي أبوطالب امكانية وجود شريط شيعي جنوب السعودية مشيرا الى ان هذا الامر مقولة بها تضخيم للوضع فالتدخل العسكري المكثف للسعودية لا يوفر للحوثيين اي قدرة على الامتداد فتوازن القوى ليس في صالحهم لا في مواجهة الجيش السعودي ولا في مواجهة الجيش اليمني متصورا ان الحوثيين الآن يواجهون موقف عسكري وميداني عصيب للغاية وسوف يهزموا عسكريا بكل المقاييس فهم الآن تحت ضغط مزدوج من القوات السعودية شمالا والقوات اليمنية جنوبا وليس لهم رغم كافة استعداداتهم السابقة التي اظهرت انهم كانوا مستعدين لقتال طويل المدى مع القوات اليمنية تحديدا وعندما فشلوا في تحقيق مآربهم في المواجهة مع اليمن تحولوا وخلطوا الاوراق بالاعتداء على السعودية وأراضيها، وهم كظاهرة عسكرية في حالة تدهور الآن وسوف يتم احتواؤهم ولكن كظاهرة فكرية فهذا هو السؤال الكبير الذي يجب ان يتم التعامل معه في المرحلة المقبلة، فهم كنواة لإثارة المشكلات من الناحية الفكرية والمذهبية فهم في حاجة الى نوع من انواع تنسيق الجهود اضافة الى اطار تنموي للتحرك اليمني. عن الراية القطرية