ربما لا يجد هذا المقال طريقه إلى النشر، لكني أراهن على أن صديقي وزميلي العزيز عبدالله بن هاشم الحضرمي رئيس تحرير صحيفة (اليمن اليوم)، يشاركني تعب الحياة التي يعيشها أكثر من 25 مليون مواطن ومواطنة، بعد أن أدخلتهم المرحلة الانتقالية الممتدة إلى أجل غير معلوم، في نفق طويل ومظلم، بسبب مؤامرات المرتشي الدولي جمال بنعمر، وتعطش أهل السلطة للبقاء فوق رؤوسنا بدون تفويض منا، بعد أن انتهت ولايتهم علينا.. ولم يعد بوسعهم أن يحكموننا بدون الاستقواء بالأجانب، واستجداء التدخلات الخارجية، والخضوع لأوامر سفراء (الدول العشر )، وتلبية مطامع أحزاب داحش والغبراء المنضوية في إطار تكتل (الفساد المشترك). كم هو مؤلم يا صديقي عبدالله بن هاشم أن يكون منتهى آمالنا هو أن نشاهد ضوءاً في نهاية النفق المظلم لهده المرحلة الانتقامية، بعد أن أصبحنا نعيش في الظلام والظلمات، والفتن والأزمات. لقد افتقدنا الإحساس بالأمان والجمال، ولم يعد في حياة كبارنا وصغارنا، وشُباننا وشاباتنا حيز من المكان لممارسة الدهشة والأحلام والخيال، وفسحة من الزمان للاستمتاع بالموسيقى والغناء، بعد أن قادنا مشروع (التغيير التدميري العكسي) الذي خطط له أعداء أمتنا، وينفذه حكامنا المنتهية ولايتهم علينا، إلى محاصرة قيم الحب والسلم والحق والعدل، على أيدي الطواغيت الذين طغوا وبغوا وأفرطوا وأسرفوا في نهب ثروات وأحلام البلاد والعباد، ونشر ثقافة الكراهية والأحقاد. تأسيسا على ما تقدم اسمح لي يا عبدالله بن هاشم الحضرمي أن أتوسل صحيفة (اليمن اليوم) للفوز بلحظة حرية، أحدث القراء فيها عن ما تعلمناه في حياتنا عن ثقافة الحب التي يحاصرها حكامنا بمخرجات مشاريعهم المتخلفة والكريهة والبغيضة. قال المتنبي ودعني أوجه كلامه لكل المنكودين في هذه المرحلة الانتقامية وهو يصف معاناة إنسانية لفتاة باكية : أتراها لكثرة العشاق تحسب الدمع خلقةً في المآقي أمّا السياب فقد بكى عندما حرمته الحياة من سعادة الفوز بحبيبته، بعد أن اغتال الفقر حبه الذي هوى في مستنقع يتعامل مع المرأة بالمزاد، ولم يبق من حبّ السياب سوى معاناته التي أُضيفت إلى خبرة مئات الملايين من العشاق في هذا الكوكب حين قال: قد محا أيامَنا الفقرُ فهل تبقى لديك ِ آه لو كنت بقربي إنني أصبو إليكِ من البديهي والحال كذلك أن تكون عاطفة الحب في حياة الإنسان متعددة الصور والأشكال، غير أنها على اختلافها تشكل على الدوام طاقة روحية لا غنى عنها في مجال النشاط الواعي والهادف للإنسان.. فليس بوسع التعب والتضحية أن يكتسبا مضمونا ًإنسانيا ًنبيلا ًما لم تتجسد فيهما هذه العاطفة التي تربط الإنسان بأهداف عزيزة عليه سواء في حياته الخاصة أو العامة.. وليس بمقدور الناس الطيبين أن يقوموا بحماية الدين من أوساخ السياسة، وإنقاذ العقل من عدوان النقل، وتنقية الضمائر والسرائر من نوازع الشر، ما لم يكن هناك حب صادق يمنح صاحبه قوة الإرادة والاحتمال والإبداع في مواجهة تحديات الحياة. إننا لا نبكي بحرقة إلا عندما نحب إنسانا ً أصابه مكروه.. ولا نبتسم بصدق إلا ًحين يكون اندماجنا بجمال الحياة والكون مثيراً ومدهشاً.. ولا نغضب بقوة إلا ً دفاعا ًعن إنسان نحبه أو قضية نؤمن بها أو هدف نسعى إليه. عندما ينعدم شرط الحب في بكائنا وأفراحنا وأوجاعنا وأحزاننا، فإن ما نفعله يكون شيئا ًآخر لا علاقة له ببكاء الإنسان وأفراحه وأحزانه وأوجاعه.. ولهذا عاشت وما زالت حية في ذاكرة البشرية مآثر الحب التي سجّلها لنا الأدب الإنساني بكل ما فيه من أفراح وآلام وأحزان، وهي تتواصل اليوم مع خبرة الحضارة المعاصرة التي تغذي بقيمها الإنسانية المشتركة حب الإنسان للحياة، وإيمانه بمثل الحرية والحق والعدالة، وعشقه للسلم والجمال، مقابل كراهيته الفطرية للحرب والظلم والخوف والاستلاب. إنه الحب الذي يبدأ مع ولادة الإنسان وينمو معه ويكبر كلما كبر وعيه لوجوده في الحياة، ثم يتسع ويمتد بين التفاصيل الكبيرة والصغيرة.. المعقدة والبسيطة. إنه الحب الذي قد يتخذ صورة غرام حار بين العشاق.. ووصال أو فراق بين المحبين، لكن جوهره الإنساني يبقى في قلب كل مواجهة تدور في أي وقت من الأوقات بين الإنسان والمشاهد المؤلمة والأنفاق المظلمة والصور المعقدة التي تتداخل في تفاصيل حياته، بكل ما فيها من هموم وأحلام وقدرات وإحباطات! إنه الحب الذي يبدأ بدهشة الانفعال العاطفي الحسي بعيني الحبيبة أو وجهها أو شعرها أو صوتها، ثم يتحول إلى ممارسة واعية وصاخبة تقذف بالعاشقين في لُجّة الصراع من أجل أن تكون الحياة جميلة والدين نقيا ًوالعقل طليعياً، بمعنى اكتشاف الحقيقة والفوز بالحرية والاستمتاع بالجمال. هكذا هي الحياة تبدو جميلة في حضرة الحلم والتخيُّل، وتغدو أكثر جمالا ً في غمرة الكفاح الشاق ضد الوصاية التي تصادر العقل والحقيقة والحرية.. وضد الفقر الذي يشوٍّه وجه الحياة ويصادر بريقها.. وضد الإرهاب الذي يستبدل الحياة بالموت.. ثم تزداد جمالا ً أكثر فأكثر كلما زاد التصميم على الإبحار نحو الآتي الأجمل والأفضل. غير أن كل ذلك لا يكتسب طاقة الفعل الإنساني بدون ممارسة عاطفة الحب في حياتنا، وبدون أن نتصدى لكل الأوهام الضالة التي تزعم بإمكانية تأجيل الحب حتى إشعار آخر. وأخيرا.. شكرا لك يا عبدالله بن هاشم إن نشرت أو منعت نشر هذا المقال.