هبطت ذكرى تأسيس التجمع اليمني للإصلاح السادسة والعشرين بخطاب مكثف لرئيسه الاستاذ محمد اليدومي ، نشره على صفحته بموقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك" ، أبرز ما جاء فيه تكراره نفي علاقة حزبه بجماعة الإخوان المسلمين ، غير أن شباب الإصلاح الجُدد أفسدوا الأمر كما هي عادتهم بتركيزهم على "تأثرهم" بمفاهيم التيارات الإسلامية ومنها جماعة الإخوان تحديداً .- هناك هوة متسعة بين قيادة الإصلاح وشبابه ، ربما أن المفاهيم السابقة التي تعلموها في معاهد الدراسة الثانوية أثرت بشكل عميق في انتماءهم اللإرادي لجماعة الإخوان ، فتجدهم جامحين منفلتين ، لا يجزؤون السياسة ولا يرغبون بالمراجعات الفكرية أو السياسية لمبادئهم العنيدة ، أراد "اليدومي" أن يقول لهم "ليس هذا زمن الإخوان" ، فيومأون برؤوسهم ، ثم يعودون إلى تمجيد البنا وسيد قطب ، وأوغلان وأردوغان والغنوشي ، والقرضاوي ومن إليهم ، عجزوا عن تقديم نماذج وطنية شابة وذكية أكثر إدراكاً لمستقبل مفتوح .- تخيلوا لو أنني هاجمت "أردوغان" مثلاً ، سيتطوع آلاف للنيل مني ، هكذا دون أي تبرير !، ليست المشكلة في "اليدومي" ، بل في الجيل الجديد ، العنيد حقاً ، مثلاً إستطاع الحوثيون تجاوز ثورتهم الخاصة ، وحلمهم المذهبي بالقضاء على ماعداهم من التيارات الأخرى عبر إتفاق سياسي مع الخصم الشعبوي الكبير وهو المؤتمر الشعبي العام ، إلا أن "الإصلاح" الذي كان مؤتمرياً قبل إقرار التعددية السياسية يرفض بعناد غريب اعادة فتح قنوات التواصل الجاد مع المؤتمر حفاظاً على مكاسب كبيرة وهامة ، أبرزها القضاء على الحوثيين تماماً ، وبلوغ مرحلة الإنتخابات المؤجلة كأهم خطوة تجعله يعود إلى أرضه بدلاً من المنافي الإجبارية ، ورحلة الإغتراب الشاقة .- في حسنات الإصلاح الكثير ، وفي سيئاته وعيوبه القليل ، إلا أنها تطغى لإرتباطها بالسلوك العام للأفراد ، وتوجس الجميع خيفة منهم ، ويبدو أنهم لا يبالون بتطمين القوى الأخرى من نظرتهم المزدوجة لمفهوم السلطة والغنيمة ، الدستور والشريعة ، الدين والدولة ، على الإصلاح أن يفكر جيداً في هذه التعقيدات الفكرية لرؤيته في المستقبل ، فالتضحيات التي يقدمها في سبيل إعادة الجمهورية ليست هينة ، إلا أنها قد تضيع بمجرد الإستمرار في السعي نحو أسباب التمكن من مفاصل الدولة القادمة دون حساب لمستويات الشراكة ومحدداتها وقنواتها .- مثلاً .. كيف ستكون علاقة الإصلاح بالإنتخابات ، ثم بمفاهيم السيطرة على الدولة وعلاقته بها ، وماهي رؤيته حول احتجاجات 2011م ، وماذا تعني له حادثة النهدين تحديداً ، وعلاقته بالمؤتمر الشعبي العام ، والأحزاب الأخرى ، ومستوى إرتباطه بالجيش الوطني ؟، هناك أسئلة قلقة يجب تبديدها لتستطيع حركة التحرير الوطنية الشاملة من تجاوز هذه العقبات الضيقة المفتعلة عبر الكثير من ناشطي الحزب المنتشرين في مواقع التواصل الإجتماعي.- لقد تجاوز الإصلاح بربع قرن من الزمن حركة النهضة التونسية ، وجماعة الاخوان في مصر ، والمغرب ، والسودان بتقديمه أنموذج ناضجاً للكثير من أطروحاته المدنية التي ارتبطت بالمجتمع ، إلا أنه لم يتمكن من كسب الجماهيرية الشعبية في محيط يتوجس منه على الدوام ، فالكتائب التنظيمية للحزب ماتزال جامدة في تفاعلاتها ، تستثمر مواردها فيما يخص كياناتها المستقلة بعيداً عن إدارة الدولة ورقابتها ، وتلك أسباب جعلت الحزب مغلقاً على نفسه ، واستقطابه لأعضائه ينحدر إلى الأسفل عبر النشء ، ولا يهتم بالاستقطاب الأفقي لشخصيات وأفراد مستقلين بذواتهم ، قد يشكلون بتفكيرهم القريب من ثوابت الحزب إضافة نوعية تحرص على التنوع في الداخل أكثر من التربية الصارمة التي تصطدم بواقع آخر غير مثالي .- مجدداً .. أكرر أن "الإصلاح" حزب الوعي بإمتياز ، إلا أن التوعية تحتاج إلى مراجعات مستمرة ، ليس من المعيب مثلاً إعترافه بأخطاء تاريخية في مسيرته ، فهو حزب ليس له إرتباط بالنبوة المقدسة ، بل بطريقة إدارة الدولة ، وإدارة المجتمع ، ولو أنه يتمسك أكثر بتعزيز الهوية الوطنية فسيستطيع في المستقبل المنظور التمكن من قيادة البلاد عبر الإنتخابات ، وعليه أن يتعلم قبل ذلك أن الخسارة في صناديق الإقتراع لا تعني أن يخرج إلى الشارع لإنتزاع السلطة ، بمبرر أن سجلات القيد مزورة ، فقد يخسر بالساحات والإعتصامات أكثر من أي وقت مضى .- خطاب اليدومي الذي ألقاه بمناسبة ذكرى تأسيس حزبه بالغ الأهمية ، لكنه لا يكفي .. يجب أن يترجم إلى سلوك في تصرفات أفراده ، عليهم أن يحفظوه عن ظهر قلب كما يحفظون أسماءهم ، لتعود راحلة الإصلاح في الصيف والشتاء ، وليعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمهم من جوع ، وآمنهم من خوف ... ولنا لقاء آخر #سام_الغباري