الشؤون الخارجية بالانتقالي تبحث التعاون مع المفوضية السامية وتؤكد احترام المجلس لحقوق الإنسان    اغتيال جار الله عمر.. اللحظة التي دخل فيها ملف الإرهاب في اليمن دائرة التوظيف السياسي    وقفة قبلية في جحانة تنديدًا بالإساءة للقرآن وإعلانًا للجهوزية والاستنفار    الأرصاد: سحب منخفضة كثيفة على سقطرى والسواحل والمرتفعات المحاذية    جوائز غلوب سوكر: باريس والبرتغال ويامال الأفضل    تشييع جثمان الشهيد المقدم توفيق العسيقي في التعزية    مدارس أمانة العاصمة تحتفي بعيد جمعة رجب    منذ أكثر من شهر.. مليشيا الحوثي تمنع دخول عشرات الشاحنات المحملة بمادة الأخشاب    الشتاء يتحول إلى كارثة إنسانية: 20 وفاة وآلاف النازحين بالعراء في غزة    مركز البحر الأحمر للدراسات يصدر كتابين جديدين حول الهجرة الأفريقية غير الشرعية إلى اليمن والقضية الفلسطينية    عاجل: أهم نقاط البيان.. سيئون تجدد العهد لاستعادة دولة الجنوب وتفوض الانتقالي خيارًا نهائيًا بلا تراجع أو مساومة    ميلان يقسو على فيرونا بثلاثية ويعتلي صدارة "الكالتشيو" مؤقتاً    ورشة حول الصحة والسلامة المهنية بصنعاء    مجلس الأمن الدولي يعقد جلسة طارئة غدا لبحث الاعتراف الإسرائيلي ب"أرض الصومال"    أمين العاصمة يتفقد أعمال صيانة شارع سبأ بمشاركة مجتمعية    خفر السواحل تحذر من السباحة قبالة سواحل عدن وأبين وشبوة    المجلس الإسلامي العلوي: سلطة الأمر الواقع كشفت حقيقتها القمعية    المحرّمي يطّلع على سير العمل في المؤسسة العامة للاتصالات وخططها المستقبلية    تحت شعار الهوية والانتماء.. جامعة صنعاء تُحيي ذكرى "جمعة رجب"    صنعاء.. صدور حكم استئنافي في قضية الصحفي محمد المياحي    صنعاء: المكاتب التنفيذية تُحيي ذكرى "جمعة رجب"    الصين: تأسيس أكثر من مليون شركة جديدة في 11 شهرا    هل بات قادة اوروبا يخشون "سلام ترامب" في أوكرانيا؟!    اليمن بين ثبات النهج ومنزلق الارتهان: قراءة في ميزان السيادة والهوية    صحيفة فرنسية: غارات جوية وأزمة إنسانية.. لماذا تصاعدت التوترات فجأة في اليمن ؟!    نيجيريا تسقط تونس في مباراة مثيرة وتبلغ ثمن نهائي كأس أمم إفريقيا    الاعتراف الإسرائيلي بالصومال خطر يهدد الجنوب العربي وخليج عدن    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    هروب    هؤلاء هم أبطال حضرموت قيادات صنعت المجد وقهرت الإرهاب    رشاد العليمي يسهل لنجله عبدالحافظ سرقة نفط حضرموت    محمد صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية في «كأس أمم إفريقيا»    الصحفي المهتم بقضايا الناس وانشطة الصحافة الثقافية عبدالعزيز الويز    في صنعاء.. هل ابتلعنا "الثقب الأسود" جميعًا؟    قراءة تحليلية لنص «صدمة استقبلتها بقهقهة» ل"أحمد سيف حاشد"    دوري روشن السعودي: اتحاد جدة يهزم الشباب بثنائية نظيفة    اكتشاف آثار حضارة متطورة في باكستان    ضبط مصفاة نفط جديدة غير قانونية لمتنفذ يمني في خشعة حضرموت    الافراج عن اكبر دفعة سجناء بالحديدة تنفيذا لتوجيهات قائد الثورة    ضربة بداية منافسات بطولة كأس العالم للشطرنج السريع والخاطف قطر 2025    اتحاد حضرموت بحافظ على صدارة المجموعة الثانية بدوري الدرجة الثانية    مأرب تحتفي بتخريج 1301 حافظًا وحافظة في مهرجان العطاء القرآني    القيادة التنفيذية العُليا تناقش الجهود المبذولة لتأمين الخدمات للمواطنين ومراقبة أسعار الصرف    ما علاقة ضوء الشمس بداء السكري.. نصيحة للمصابين    الدولار الأمريكي يترنح في أسوأ أداء أسبوعي منذ شهور    إنجاز 5 آلاف معاملة في أسبوع.. كيف سهلت شرطة المرور إجراءات المواطنين؟    العطاس: نخب اليمن واللطميات المبالغ فيها بشأن حضرموت"    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    ريال مدريد يدرس طلب تعويضات ضخمة من برشلونة    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا سيحل بالأديان لو تم اكتشاف كائنات فضائية بالفعل؟
نشر في البيضاء برس يوم 19 - 12 - 2016


هل يبدو السؤال الذي يطرحه المقال غريباً؟
الواقع أن هذا السؤال يشغل العلماء على أكثر من مستوى وفي لحظة فارقة بدا أنه انتقل من علماء الأديان المختلفة إلى علماء الطبيعة كذلك، والموضوع أدناه الذي نشرته ال BBC يطرح عدداً من الإشكاليات التي سيكون على كل من المسيحية واليهودية والإسلام التعامل معها في حال اكتشاف كائنات أخرى تعيش في الفضاء.
في 2014، أهدت ناسا 1.1 مليون دولارٍ لمركز التحقيق الثيولوجي (اللاهوت)، وهو معهد دراساتٍ مسيحيٍ شامل في ولاية نيوجيرسي، من أجل دراسة "النتائج المجتمعية لعلم الأحياء الفلكي".
غضب البعض بشدة. مؤسسة "التحرر من الدين" التي تدعم انفصال الكنيسة عن الدولة، طالبت ناسا بإلغاء المنحة، وهددت بمقاضاتها إن لم تمتثل ناسا للطلب. وبينما صرّحت المؤسسة بأن شغلها الشاغل هو تزاوج الحكومة والمنظمات الدينية، إلا أنّها أوضحت أيضاً أنّهم يعتقدون أن المنحة إهدارٌ للمال. "العلم لا يجب أن يشغل نفسه بكيفية تأثير تقدمه على المعتقدات الإيمانية".
لكن حجج تلك المؤسسة ربّما يتم تقويضها عندما يأتي اليوم الذي تضطر فيه البشرية إلى الاستجابة لاكتشاف كائنات فضائية. اكتشاف كهذا سيُثير سلسلة من الأسئلة تتخطى حدود العلم. على سبيل المثال، عندما نسأل: "ما هي الحياة؟"، هل نسأل سؤالاً علمياً أم لاهوتياً؟ الأسئلة عن أصل الحياة ومستقبلها معقدة، ويجب أن تُستكشف، بشكلٍ كلي، عبر تخصصات مختلفة. وهذا يتضمن الطريقة التي نستجيب بها لاكتشاف كائنات فضائية.

ليس خيالاً

ليس هذا مجرد خيالٍ محض: فالكثير من العلماء يرون الآن أن تتبع أثر أشكال الحياة خارج الأرض أمر محسوم وهو متوقّف على سؤال: "متى سيتم اكتشاف ذلك؟"، وليس: "فيما لو تم اكتشاف ذلك؟".
هناك بضعة أسباب لهذه الثقة، لكن سبباً رئيسياً منها يتعلّق بالسرعة التي يكتشف بها العلماء كواكب جديدة خارج مجموعتنا الشمسية. في عام 2000، اكتشف علماء الفلك ما يقرب من 50 من هذه الكواكب الواقعة خارج المجموعة الشمسية. وبحلول عام 2013، كانوا قد وجدوا حوالي 850، وتقع هذه الكواكب في أكثر من 800 نظامٍ كوكبي.
وربّما يصل هذا العدد إلى المليون بحلول عام 2045، وفقاً لديفيد فاينتراوب، أستاذ الفلك المساعد بجامعة فاندربيلت، ومؤلف كتاب "الأديان والحياة خارج الأرض". يكتب فاينتراوب "يمكننا أن نتوقع بالمنطق أن عدد الكواكب المعروفة خارج المجموعة الشمسية سيصبح قريباً، مثل النجوم، لا يُحصى تقريباً". من هذه الكواكب المكتشفة بعيداً، هناك أكثر من 20 منها بحجم الأرض، تَشْغَل منطقة "قابلة للسكن" حول نجمها، ومن ضمنها أحدث الكواكب المكتشفة "بروكسيما بي" Proxima b، الذي يدور حول نجم "قنطور الأقرب" Proxima Centaurii.
الخلاصة أنّنا كلما زادت قدرتنا على التوغل في الفضاء، تيقنّا من أن كوكبنا ليس الوحيد الصالح للحياة.
وباستثناءات قليلة، تميل معظم النقاشات حول البحث عن الكائنات الذكية غير الأرضية إلى البقاء في نطاق العلوم الصلبة العملية (عكس العلوم المرنة النظرية)، إلا أن عواقب هذا البحث تتخطى حدود علمي الأحياء والفيزياء بكثير، وتصل إلى الإنسانيات والفلسفة، وحتى الثيولوجيا أو اللاهوت.
وكما أشار كارل ساجان في كتابه "السؤال الكوني" (الذي لم يعد يُطبع)، فإن "استكشاف الفضاء يقود مباشرة إلى أسئلة دينية وفلسفية". سنحتاج إلى الأخذ في الاعتبار ما إن كانت معتقداتنا ستتكيف مع هذه الكائنات الجديدة - أم أنّها ستهزّ أساساتها هزاً.
ربّما يحمل العمل على هذه الأسئلة اسمَ "اللاهوت الفلكي"، وهو المصطلح الذي وضعه تيد بيترز، أستاذ الثيولوجيا المتقاعد بالمعهد اللاهوتي اللوثري الأطلنطي، للإشارة إلى "التفكّر في الأهمية اللاهوتية لأشكال الحياة خارج الأرض".
يُشير بيترز إلى أنّه ليس الأول أو الوحيد الذي يستخدم هذا المصطلح، الذي يرجع إلى 300 عامٍ على الأقل، إذ ذُكر في منشورٍ في عام 1714، عنوانه "اللاهوت الفلكي، أو عرضٌ للكائن وصفات الربّ من استكشاف السماوات".

إلى أي حدّ نُعتبر متميزين؟

إذاً، ما المشاكل التي قد يثيرها اكتشاف فضائيين أذكياء؟
فلنبدأ بسؤال تفرّدنا في الكون، وهي مشكلة أرّقت الثيولوجيين والعلماء معاً.
المبادئ التي تُرشد البحث عن الكائنات الذكية في الفضاء هي ثلاثة، كما يشرح بول ديفيس في كتابه "هل نحن وحدنا؟":
أولاً، هناك مبدأ وحدة الطبيعة، الذي يزعم أن العمليات الفيزيائية المُشاهدة على الأرض يُمكن رؤيتها خلال الكون. يعني هذا أن العمليات التي تنتج الحياة هنا، هي نفسها التي تنتج الحياة في كل مكان.
والثاني، هو مبدأ الفيض أو الامتلاء، الذي يؤكد أن كل شيءٍ ممكن إدراكه، سيتحقق. وفيما يخص البحث عن الكائنات الحية خارج الأرض، يزعم المبدأ الثاني أن الحياة ستتشكّل طالما لا توجد عوائق أمام تكوّنها؛ أو وفقاً لقول آرثر لافجوي، الفيلسوف الأميركي الذي صاغ المصطلح، "لا يُمكن بقاء احتمال أصيل للوجود بغير تحقق". يزعم ساجان أن هذا يرجع لأن "أصل الحياة على الكواكب المناسبة يبدو جُزءاً من كيمياء الكون".
والثالث، وهو مبدأ التوسط (الوسطية) أو كون الشيء معتدل الجودة أو عادياً، يزعم أنّه لا شيء مميز في وضع ومكانة الأرض في الكون. ويقول تقرير الBBC إن هذا "يمثّل التحدي الأكبر للديانات الإبراهيمية الكبرى، والتي تعلّم البشر أن الله خلقهم لغرضٍ، وأنّهم مفضّلون على سائر خلقه تفضيلاً".
استناداً لبعض الاتجاهات، فإن عالمنا العلمي الحديث قد قام على الاعتراف بأننا كبشر لسنا مميزين بل "عاديون"، كما يُشير ديفيد فاينتراوب في كتابه، "الدين والحياة خارج الأرض": "عندما قال كوبرنيكوس أن الأرض تدور حول الشمس في عام 1543، فإن الثورة الفكرية التي استتبعت ذلك أطاحت ببقايا فكرة أرسطو حول الكون المتمحور حول الأرض، وباتت تلك الفكرة في مزبلة التاريخ".
ثورة كوبرنيكوس، كما سيفهمها العالم بعدها، وضعت الأساسات التي انطلق منها علماء مثل دافيس في زعمهم بأن كوكبنا "كوكب عادي يدور حول نجم عادي في مجرة عادية". ويعبّر ساجان عن الأمر بشكلٍ أكثر إذهالاً، "إننا نكتشف أننا نعيش على كوكب غير مهم، يدور حول نجمٍ رتيب ضائع في مجرة مُخبأة في ركنٍ منسي من الكون، حيثُ هناك عددٌ من المجرات أكثر من البشر".

سؤال

ويطرح كاتب المقال في BBC سؤالاً يقول: لكن كيف يمكن لمؤمن أن يوفّق بين هذا وبين إيمانه بأن البشر هم أحسن خلق الله تقويماً؟ وكيف يُمكن أن يعتقد البشر أنّهم مركز اهتمام الخالق إن كان كوكبهم مجرد واحدٍ من مليارات الكواكب؟
ويضيف: يُمكن لاكتشاف الكائنات الفضائية الذكية أن يمتلك تأثيراً "كوبرنيكياً" مماثلاً لفهم الإنسان لذاته. هل سيجعل الاكتشاف المؤمنين يشعرون بالضآلة، ونتيجة لذلك، يتسبب في تشكيكهم في معتقداتهم؟
لكن هذا القلق قد لا يكون في محله حسب الكاتب؛ فالعقيدة التي تعتبر أن البشر هم مركز اهتمام الخالق لم تقم أبداً على فكرة مركزية الأرض وأهميتها في المجرة. فالمزامير المقدسة عند اليهود والمسيحيين تقول إن الله سمّى كل النجوم. ووفقاً للتلمود "يقضي الرب ليلته يطير بين 18 ألف عالم". أما القرآن فورد فيه أنّ "لله ما في السماوات وما في الأرض"، وفقاً للآية القرآنية. والنصوص نفسها واضحة بما لا يدع مجالاً للشك بأن البشر لهم مكانة خاصة ومميزة عند الله.
ثانياً، كما يقول الكاتب، فإن كلمة "مميز" ليست محجوزة للظواهر غير القابلة للتكرار، الفريدة، المعزولة. يقول بيترز إن اكتشاف الحياة في مكانٍ آخر من الكون لن ينتقص من حب الله للحياة الأرضية، "تماماً كما يحب الأب طفله ولا ينتقص من ذلك الحب وجود أخٍ أو أخت". إن كنت تؤمن بالله، فلماذا تفترض أنّه لا يقدر على أن يحبّ إلا بعض أبنائه في النجوم؟

الوحي


لكن هل تذكر النصوص الدينية نفسها، احتمال وجود حياة فضائية؟
يكتب القس الكاثوليكي والعالم اللاهوتي طوماس أومييرا: "الأمر الأساسي في الدين هو التوكيد على وجود نوعٍ من الاتصال داخل الطبيعة البشرية، ومتجاوزٌ لها في الوقت ذاته". بالنسبة لليهود والمسيحيين والمسلمين، فإن هذا يتضمّن وحيا مكتوباً، إلا أنّه يستند إلى المواقف التاريخية المحددة التي نزل فيها في البداية. أفضل الثيولوجيات تعترف بهذه المحدودية. لكن بعضها لا يفعل، وبالنسبة للمؤمنين المتشبثين بها، فإن اكتشاف كائناتٍ فضائية ربّما يمثّل تهديداً بالنسبة لهم.
يعتقد فاينتراوب أن الإنجيليين ربّما يواجهون أوقاتاً عصيبة مع البحث عن أشكال الحياة خارج كوكب الأرض؛ لأنّهم يتبعون نهجاً في فهم مخطوطاتهم يحتوي على درجة عالية من الحرفية. يمتدّ تراثهم التأويلي إلى صيحة مارتن لوثر الإصلاحية "سولا سكريبتورا"، التي تؤكد أن "النص وحده" هو الضروري لفهم منهج الله من أجل الخلاص. هؤلاء الإنجيليون يصرّون على الحكم على أي نصٍ مكتوب أو فكرة عن طريق عرضها وتقييمها من خلال الإنجيل. على سبيل المثال، نظرية التطوّر الداروينية، والتي يرفضها الإنجيليون على أساس أن الإنجيل قال إن الله خلق العالم في 7 أيام.
رؤية العالم عند هؤلاء المؤمنين يُمكن تلخيصها في الشعار المسيحي: "الله قال، وأنا أؤمن بما قال، وهذا يحسم الأمر". إن سألت واحدة من أولئك المسيحيين ما إذا كانت تؤمن بالحياة خارج الأرض، فإن غريزتها الأولى ستكون التفكير فيما قاله الإنجيل عن خلق الله. وبعدم إيجاد أي توكيد إيجابي للحياة الفضائية، فإنها قد تستنتج، مثل العالم في مجال الخلق جوناثان سافارتي، أن الإنسان وحده في هذا الكون.
كتب جوناثان في مقالٍ له بمجلة أخبار العلم والثيولوجيا "النصوص تُشير بقوة إلى عدم وجود أي حياة عاقلة في أي مكانٍ آخر". ربما تظل منفتحة بالتأكيد على احتمالات اكتشاف الحياة الفضائية، لكنها ستضطر حينها إلى مراجعة مفهومها عن الوحي الإلهي بطريقة كبيرة جداً: عن طريق تلطيفه بإضافة بعض التواضع المعرفي".
ثانياً، ستضطرّ إلى التفكير ملياً في مفهوم التجسيد، وهو الاعتقاد المسيحي بأن الله تجسد كاملاً ومتفرداً في جسد بشري من القرن الأول يُدعى يسوع النصراني. وفقاً للمسيحية، فإن الخلاص يُمكن الوصول إليه فقط من خلال موت المسيح وقيامته. كل الطرق إلى الله تمرّ به فعلياً. لكن ماذا يعني هذا بالنسبة للحضارات الأخرى التي تجوب الكون في الخارج، غير عالمة على الإطلاق بقصة يسوع؟
أجاب طوماس باين إجابة شهيرة عن هذا السؤال في كتابه "عصر المنطق"، الذي نُشر عام 1794، في مناقشة للعوالم المتعددة. يُجادل بلاين بأن الاعتقاد في تعدد لا نهائي من العوالم "يجعل نظام الاعتقاد المسيحي ضئيلاً، وسخيفاً بشكلٍ فوري، ويبعثره في العقل مثل الريش في الهواء". ليس من الممكن أن تؤكد الاثنين في الوقت نفسه، كما كتب باين، و"من ظنّ أنه يؤمن بكليهما لم يفكّر في أي منهما إلا قليلاً". أليس أمراً بشعاً أن تؤمن بأن الرب "ترك العناية بكل العوالم الباقية" التي خلقها، وجاء ليموت في هذا العالم؟ على الناحية الأخرى، "هل نفترض أنّ كل عالمٍ آخر في الكون غير المحدود" قد تلقّى زياراتٍ مماثلة من هذا الرب؟ يستنتج باين أن هذا إن كان حقيقياً، فسيعني أن هذا الشخص "لم يكُن لديه ما يفعله سوى السفر من عالمٍ إلى عالمٍ في تتابع لا نهائي من الميتات، بدورة حياةٍ لحظية نادرة".
الخلاصة حسب الكاتب: إن كان الخلاص المسيحي غير ممكن إلا لمخلوقاتٍ اختبرت عوالمها تجسداً من الله، فإن هذا يعني أن الله يقضي حياته في زيارة العوالم الكثيرة خلال النجوم حيثُ من المفترض أن يُصلب ويُبعث. لكن هذا يبدو سخيفاً لباين، وأحد الأسباب التي يرفض من أجلها المسيحية.
لكن هناك طريقة أخرى للنظر إلى المشكلة، لا تخطر على بال باين: ربما تجَسُّد الله في تاريخ الأرض "ممكنٌ" بالنسبة لكل المخلوقات في سائر الكون. هذا الخيار يستكشفه جورج كوين، القسّ اليسوعي والمدير السابق لمرصد الفاتيكان، في كتابه لعام 2010 بعنوان "عوالم كثيرة: الكون الجديد، والحياة خارج الأرض والنتائج الثيولوجية".
"كيف يمكن أن يكون الله ويترك العوالم غير الأرضية في خطيئتها؟ اختار الله طريقة محددة جداً لتخليص البشر. أرسل ابنه الوحيد يسوع إليهم.. هل فعل الله هذا لغير الأرضيين؟ هناك إشارة مرسّخة بعمق في الثيولوجيا المسيحية إلى عالمية افتداء الله، وحتى الإشارة إلى أن كل الخلائق، حتى الجمادات، تشارك بصورة ما في افتدائه".
هناك احتمالٌ آخر. ربّما يكون الخلاص نفسه مبدأ أرضياً حصرياً. لا تتطلب الثيولوجيا المسيحية الإيمان بأن الخطيئة تؤثر على كل الحياة الذكية، في كل مكان في الكون. ربما يكون البشر متفرّدون في السوء. أو، باستخدام لغة دينية، ربّما تكون الأرض هي المكان الوحيد سيئ الحظ بما يكفي ليحظى بآدم وحواء. من قال إن الكائنات الفضائية معيبون أخلاقياً وفي حاجة إلى افتداء روحي؟ ربما هم وصلوا إلى وجود روحي أكثر كمالاً مما عليه البشر في هذه النقطة من تطورنا.
ويُلاحظ دافيس أن التفكير الروحاني يتطلب من الحيوان أن يكون واعياً بذاته وكذلك "أن يصل إلى قدرٍ من الذكاء يمكّنه من تقدير عواقب أفعاله". على الأرض، هذا النوع من الإدراك عمره على أفضل التقديرات بضعة ملايين من الأعوام. إن وُجدت الحياة في مكانٍ آخر من الكون، فمن البعيد جداً عن الاحتمال أنّهم في المرحلة نفسها من التطوّر التي نحن فيها بالضبط. وبالنظر إلى الخط الزمني الهائل لتواجد الكون، فمن المحتمل أن بعض أشكال هذه الحياة على الأقل أقدم عمراً منّا، وبالتالي متقدّمين في تطورهم أكثر منّا. لذا، يستنتج، "يُمكننا توقّع أننّا من أقل الكائنات تقدّماً من الناحية الروحية، في الكون".
إن كان دافيس محقاً، فإنّ البشر، على النقيض مما يُشاع في الأعمال الأدبية الرائجة مثل The Sparrow، لن يُعلّم البشر الكائنات الفضائية حول الله. بل سيسري التعليم في الاتجاه المعاكس.
فلنلاحظ أن هذه الاحتمالية لا تُبطل مصداقية ما تذهب إليه الديانات الأرضية عن الوحي الإلهي. لا حاجة إلى تخيل أن الله يكشف الحقائق نفسها بالطريقة ذاتها لكل أشكال الحياة الذكية في الكون. يُمكن أن تفهم الحضارات الأخرى المقدّس بطرقها الخاصة التي لا تُحصى، والتي تتوافق كلها مع بعضها البعض.

الهوية

لكن ماذا عن الانقسامات بين المعتقدات؟ هل سيؤثر الاكتشاف على الهوية الدينية؟ في 1974، قصة بعنوان "على الزهرة عندنا حاخام!" للكاتب فيليب كلاس، دعت اليهود وكل المتدينين إلى التفكير في هذا السؤال. تذهب القصة إلى نقطة ما في المستقبل، فيها يعقد المجتمع اليهودي على الزهرة أول مؤتمر نيو صهيوني كوني. من الحضور نوعٌ فضائي ذكي يُدعى البولبا والذي سافر من نجم بعيد يُدعى ريجل. يُذهل المظهر الجسدي للبولبا اليهود، ببقعهم الرمادية ومجساتهم. يقرر اليهود أن البولبا لا يمكن أن يكونوا بشراً، وبالتالي لا يمكن أن يكونوا يهوداً.
يُستدعى مجلس حاخامي للتفكير بشأن كيفية استجابة اليهود للزوار الجدد. يتساءلون، ماذا سيحدث إن قابل البشر يوماً ما كائنات فضائية تريد اعتناق اليهودية؟ "هل تقولون، لا، أنتم لستم مقبولين بالكلية؟".
ينتهي الحاخامات إلى أن هذا ليس رداً جيداً، ويقترح طريقة ملتفّة ينظر بها سكّان الزهرة إلى الأمر، "هناك يهود - وهناك يهود. البولبا ينتمون إلى الجماعة الثانية".
التشديد على العنصر الكوميدي في القصة يأتي من التركيز على الجانب القَبَلي المتأصل في الدين. الإعلان عن أي هوية يُمكن أن يقسم العالم إلى مجموعتين: نحن وهم. لكن عندما يتعلق الأمر بالدين، فإن هذا الانقسام يأخذنا إلى بعدٍ كوني: نحن وهم، والله معنا. كان هذا دائماً تحدٍ يواجه التحول بين الثقافات، المُثقل دائماً بالتفاوض على هذه الحدود، ولكن ليس تفكيكها.
وحسب المقال؛ فهناك تحدٍ آخر ربما يواجه اليهودية والإسلام أكثر من بعض أشكال المسيحية التي لا تركّز على الطقوس اليومية إلا قليلاً. تأمل الإسلام، الذي يتطلب من معتنقيه القيام بعبادات جسدية خلال العام. على العكس من المسيحية، والتي محا مؤسسها الحاجة إلى المكان من أجل ممارسة الدين، فإن الإسلام -حسب الكاتب- دينٌ مكاني جداً. الصلاة تشترط استقبال مكة، في 5 أوقاتٍ محددة من اليوم، وتؤدى عن طريق الركوع والسجود. والصيام مطلوب في أوقاتٍ معينة، وكذلك الحج إلى مكة لمن استطاع إليه سبيلاً.
اليهودية كذلك، لديها صيامها، وأيضاً مفهومها عن الحج - رغم أنّه ليس مطلوباً - والذي هو رحلة اليهود إلى الأرض المقدّسة وطنهم. إلا أن اليهودية المعاصرة ليست معتمدة على الموقع مثل الإسلام، بالنظر إلى تاريخ الدياسبورا والشتات.
إذاً، ما الذي سيضطر الفضائي إلى فعله لكي يُعتبر منتمياً لديانة أرضية؟ ماذا سيُطلب منه فعله؟ الصلوات الخمس كل يوم؟ ربما كوكبهم لا يدور مثل كوكبنا، وأيامهم أقصر بكثير - هل سيُتوقّع منها الصلاة بنفس معدل الصلاة على الأرض؟ هل ستحتاج الكائنات الفضائية إلى أن تُعمّد كما في المسيحية؟ أو المشاركة في طقس التناول؟ أو بناء خيمة للسكوت؟ ورغم أننا نتخيل الفضائيين على هيئة جسدية مشابهة لنا، فلا سبب للاعتقاد بأن لديهم أجساماً من الأصل. ربما ليس لديهم. ألن يقلص هذا من خيارات تحولهم؟
ربّما تبدو هذه ثيولوجية خارجية عبثية بعض الشيء، لكن المقصود هنا هو أن الهوية الدينية محورها الأرض. هكذا يصف الحاخام جيريمي كالامانوفسكي الأمر: "الدين هو الاستجابة البشرية الاجتماعية للسمو.. اليهودية العادية توفر مسلكاً ممتازاً ومختبراً بتطهير عقولنا وأخلاقنا وأجسادنا، وتنقيحنا كأناس، وتحسين العالم، وربط حيواتنا بحياة الله الباقية المبسوطة على حياة الأرض الفانية".
وما خرج به؟ "أنا يهودي، الله ليس يهودياً".
نظرية الحاخام يمكن أن تساعدنا في التفكير بجيراننا في الفضاء الخارجي، وعلى هذا الكوكب أيضاً. إن كان الدين استجابة بشرية للألوهية - حتى وإن كانت هذه الاستجابة علّمتنا إياها وبدأتها الألوهية - فمن الواضح أن هذه الاستجابات قد تختلف وفقاً للسياقات التي تتشكل فيها. إن تعلّم المسيحيون الغربيون احترام التجارب الدينية للفضائيين حسني النية السائرين على دروبهم الخاصة في الاستجابة إلى الإله، ربّما سيتمكنّون حينها من تطبيق المبادئ نفسها في تعلّمهم التعايش السلمي مع المسلمين على الأرض. والعكس بالعكس.
يكتب أومييرا: "في مليار نظامٍ شمسي، أشكال الحب، المخلّق وغير المخلّق، لن تكون محدودة. وادراكات الحياة الإلهية لن تكون متناقضة مع بعضها البعض أو مع الخلق".

هل للدين نهاية؟

إن استيقظنا غداً على أخبار تواصلنا بفضائيين أذكياء، فكيف سيستجيب الدين؟ يعتقد البعض أن الاكتشاف سيضعنا على درب، نهايته هي التسامي فوق الدين. دراسة تُجدر الإشارة إليها أجراها بيترز وجدت أن نسبة من يعتقدون أن اكتشاف حياة فضائية يمثل مشكلة للدين الأرضي تتضاعف في غير المتدينين عن المتدينين (69% عند غير المتدينين، و34% عند المتدينين).
لكن من غير التاريخي أن نفترض ضعف الدين إلى درجة تحول دون صموده في عالمٍ يحتوي على كائنات فضائية. يُشير بيتر إلى أن هذا الزعم يستخف ب"درجة التكيّف التي وقعت بالفعل". باستثناء بعض المشاكل، فإن الدين كان قادراً على التكيّف مع تغيّرات نموذجية متعددة واجهته، بدون إثارة الكثير من الصخب. تشهد هذه القدرة على التكيف وإعادة الاختراع بالتأكيد على حقيقة وجود شيءٌ ما بخصوص الدين، يجد صداه لدى البشر على مستوىً أساسي.
ستتوجب إعادة التفكير في جوانب معينة من الدين، لكنّه لن يُهجر بالكلية، كما يُشير أومييرا. يقول، "إن جاء الوجود والوحي والنعمة إلى عوالم غير الأرض، فإن هذا يُعدّل الفهم المسيحي للذات بطريقة متواضعة" - وربّما نضيف كل الفهم الديني للذات. لكنه يقول، "المسألة ليست في الإضافة أو الحذف، وإنما رؤية الأساسي بطريقة جديدة".
لطالما آمنت الكثير من الديانات أن الله يُسمّي النجوم. هل من المبالغة أن نعتقد بأن الله سمّى سكان النجوم أيضاً؟ وأنّهم من الممكن أن تكون لديهم أسماءهم الخاصة لله؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.