يعيش البولنديون أجواءا من الحزن العميق بعد مقتل رئيسهم ليخ كاتشينسكي والعديد من أفراد النخبة الحاكمة في البلاد في حادث تحطم طائرتهم قرب مطار سمولينسك غرب روسيا أمس السبت 10/4/2010
وكان الرئيس كاتشينسكي في طريقه لإحياء الذكرى السنوية السبعين لمذبحة الضباط البولنديين على أيدي القوات السوفيتية في غابة قرب مدينة سمولينسك في مارس من عام 1940م. وتحطمت الطائرة التوبوليف وسط ضباب كثيف مما أسفر عن مقتل 97 شخصا هم كل من كانوا على متنها، من بينهم زوجة الرئيس ماريا و رئيس هيئة أركان القوات المسلحة وقائد سلاح البحرية ومحافظ البنك المركزي مع عدد كبير من مسؤولين عسكريين وبرلمانيين ومفكرين و مؤرخين. وقد تم تعيين رئيس مجلس النواب بالبرلمان برونسيلاف كوموروفسكي قائما بعمل الرئيس حسب الدستور، وقد أعلن بدوره الحداد لمدة أسبوع في بولندا. ومن المقرر أن يتم تقديم موعد الانتخابات الرئاسية التي كان من المزمع عقدها في شهر أكتوبر القادم إلى شهر يونيو القادم.
بحر من زهور وشموع واحتشد عشرات الآلاف من المشيعين وسط وارسو طوال ليلة الأمس السبت حتى صباح اليوم الأحد وحولوا الطريق الواقع أمام قصر الرئاسة إلى بحر من الزهور والشموع. وغنى العديد من أبناء هذا البلد الكاثوليكي ترانيم وصلوا من أجل رئيسهم، كما ظلت أبواب الكنائس مفتوحة أمام المصلين. وقال القائم بأعمال الرئيس كوموروفسكي في كلمة إلى الأمة البولندية بثها التلفزيون "أمتنا متحدة اليوم في مواجهة هذه المأساة.. لا انقسام إلى يسار أو يمين والخلافات في وجهات النظر غير مهمة. نحن معا في مواجهة هذه المأساة." وقال كوموروفسكي انه سيحدد موعدا لاجراء انتخابات رئاسية كانت مقررة في أكتوبر القادم بعد إجراء محادثات مع الأحزاب السياسية في بولندا. وبموجب الدستور يتعين إجراء الانتخابات الآن بحلول أواخر يونيو القادم. وكوموروفسكي (58 عاما) هو المرشح الرئاسي لحزب المنتدى المدني الحاكم برئاسة رئيس الوزراء دونالد توسك. وكانت استطلاعات الرأي تشير الى أنه سيفوز على كاتشينسكي في الانتخابات القادمة.
وتوجه رئيس الوزراء توسك إلى موقع تحطم الطائرة في وقت متأخر السبت حيث قابل رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين ووضعا أكاليل الزهور معا. كما انتقل ياروسلاف كاتشينسكي زعيم حزب المعارضة الرئيسي القانون والعدالة وهو شقيق ليخ التوأم وحليفه السياسي إلى موقع التحطم للمساعدة في تحديد هوية الجثث. ومن المتوقع أن تصل جثمان الرئيس وبقية الضحايا اليوم الأحد إلى العاصمة وارسو.
صديق الغرب وخصم روسيا وعبر زعماء العالم عن شعورهم بالصدمة والحزن لمقتل كاتشينسكي الذي كان يعتبر زعيما وطنيا على مستوى بولندا وصديقا مقربا من الغرب، وكان مشهورا بعدائه لروسيا. ونقلت وكالة رويترز عن رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين الخصم التاريخي لبولندا قوله في بيان للشعب البولندي "هذه مأساة بالنسبة لنا أيضا. نشعر بحزنكم." وفي مظهر آخر من مظاهر التضامن الروسي قدم الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف تعازيه إلى البولنديين في خطاب تلفزيوني غير مسبوق. وأعلنت روسيا 12 أبريل يوما للحداد على الحادث. وأما في واشنطن، أثنى الرئيس الأمريكي باراك أوباما على دور كاتشينسكي في حركة التضامن المؤيدة للديمقراطية التي أطاحت بالشيوعية في عام 1989. وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن " ألمانيا ستفتقد ليخ كاتشينسكي". وأما في إسرائيل ، قال وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان "صدمنا باختفائه المفجع. " واعتبره صديقا حقيقيا لإسرائيل والشعب اليهودي." لقد أثبت ذلك بأفعاله وتحالفه الاستراتيجي المهم معنا". وكان الرئيس كاتشينسكي قد دعا خلال زيارته إسرائيل عام 2006 إلى "تعزيز العلاقات بين بولندا وإسرائيل"، مذكراً بأن "اليهود عاشوا ثمانية قرون في بولندا". ومن جهتها أعلنت إسبانيا التي تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي تضامن دول الاتحاد مع بولندا في الفاجعة.
لعنة كاتين وتحدث البولنديون عن المفارقة في تحطم طائرة قتل فيها عدد كبير من النخبة البولندية قرب موقع قتلت فيه الشرطة السرية السوفيتية خلال حقبة جوزيف ستالين نحو 22 ألف جندي ومفكر بولندي في عام 1940، مما جعل الرئيس الاشتراكي السابق ألكسندر كواشينيفسكي يصف الحادث ب"لعنة كاتين" واعتبرها الرئيس الأسبق ليخ فاليسا "مأساة كبرى". وكان رئيس الوزراء الروسي بوتين ونظيره البولندي توسك تعهدا في مراسم إحياء ذكرى مذبحة كاتين في الأسبوع الماضي بالسعي للتغلب على هذه الذكريات التاريخية المؤلمة. وكان كاتشينسكي القومي المناضل على خلاف في أحيان كثيرة مع حكومة توسك المنتمية إلى الوسط ومع الاتحاد الأوروبي ومن أشد المنتقدين لروسيا في عهد بوتين. وكان بوتين قد دعا توسك وليس كاتشينسكي لحضور مراسم إحياء ذكرى مذبحة كاتين.
لا خطر على الاستقرار ورغم احساس البولنديين العميق بالخسارة إلا أن هناك قناعة عامة بأن الحادث لن يشكل أي خطر كبير على الاستقرار السياسي والإقتصادي في بولندا العضو القوي في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي وحليفة الولاياتالمتحدة. وقاد توأم كاتشينسكي المحافظ والقومي المعارضة ضد سياسات توسك الاقتصادية المؤيدة للسوق ودفع للتبني السريع لليورو. وتتحدث توقعات عن حصول موجة من التعاطف مع حزب القانون والعدالة الآن غير أنه من المبكر جدا التنبؤ هل سيترجم هذا التعاطف إلى أصوات في الانتخابات أم لا. وكان كاتشينسكي (60 عاما) حليفا في وقت من الأوقات لرئيس منظمة التضامن ليخ فاليسا وشارك في تأسيس حزب القانون والعدالة مع شقيقه. واستقال من الحزب عندما أصبح رئيسا للبلاد عام 2005 لكنه واصل دعم الحزب. وفي حين أن دور الرئيس رمزي إلى حد بعيد إلا أن من يتولى هذا المنصب يمكنه أن ينقض التشريعات الحكومية. وأغضب ليخ كاتشينسكي حكومة توسك مرات عديدة من خلال عرقلة تشريعات تشمل إصلاح قطاعات الصحة والإعلام والمعاشات.
أسباب محتملة ونقلت وكالة انترفاكس عن ألكسندر اليوشين نائب رئيس الأركان العامة لسلاح الجو الروسي قوله إن الطيار الذي كان يقود الطائرة تجاهل عدة أوامر بعدم الهبوط. وتعتبر الطائرة التي سقطت واحدة من بين طائرتين توبوليف تي يو - 154 في أسطول الحكومة البولندية كل منهما عمرها حوالي 20 عاما. وشكا مسؤولون حكوميون من طول عمر الأسطول الرسمي البولندي. وقالت كل من بولندا وروسيا أنها تعتزم إجراء تحقيق في أسباب تحطم الطائرة
