بعض الأمثال إن لم يكن جُلّها، تجد ما يصدقها في الواقع، أما عنوان المقال، فهو مثل شعبي يطلقه الآخرون من باب التهكم على أبناء مديرية غيل باوزير، وأحياناً من باب السخرية والتعيير، أو التفضيل أو الترتيب بين المناطق وأهلها. طبيعي جداً، أن يُطلق المثل من باب النكتة والمزاح، وتبقى العلاقة بين المختلفين وطيدة لا يعكّر صفوها شيء، فأهل الغيل أنفسهم، يتداولون أمثلة أطلقها عليهم علماء أو شخصيات فكاهية مشهورة، نكاية في من لا يضع لهم مكانة واحتراماً. هذا المثل المشهور والمزبور كعنوان للمقال، أصله مقولة تطلق على أنواع الثعابين فهناك “الغيلي” وهو الثعبان الذي يعيش ويتربى عادة في الغيول؛ منابع الماء، حيث يحمل مادة سامة قاتلة، بينما “الحنش” وهو نوع آخر من الثعابين لا يقتل، ولكنّه يضر ضرراً أقل من القتل، فأطلق القول المشهور “قتل الغيلي وخل الحنش” نسبة إلى هذين النوعين من الثعابين. وقيل: إنّما هو مثل أطلق على أهل شبام حضرموت، وتم تحويره ليطلق على غيل باوزير، مع أن الغيول في اليمن كثيرة فهي تقارب الثلاثين غيلاً، ولهذا فالتفسير الأول للمثل الذي يخص الثعابين أقرب. ما دعاني لكتابة المقال، هو تتبعي منذ سنوات ليست باليسيرة، لأوضاع مديرية غيل باوزير، المنكوبة في خدماتها، المحرومة من إيراداتها، المتعثرة في مشاريعها، بالرغم من اتساع مساحتها، والتطور العمراني المتسارع فيها مقارنة ببقية المديريات في حضرموت، إن لم تكن في مقدمتها، خصوصاً إذا ما رجعنا للخرائط التاريخية القديمة. وبالمديرية عديد المؤسسات والمنشآت الصناعية التي ترفد خزينة المحافظة بايراداتها سنوياً. هذه المديرية التي أنجبت الأذكياء والنوابغ من العلماء والقضاة والأدباء والشعراء والساسة والمثقفين والإعلاميين والفنانين والرياضيين..لم تجد العناية المستحقة من أهلها ورجالها ابتداءً، فما بالك بالغرباء!! فمن تعلّم فيها وترعرع وشبّ ثم تأهل وتخصص وأصبح مسؤولاً، قليلٌ جداً منهم من يسعى لخدمة “الغيل”، وأغلبهم من يعتني بنفسه وأهله وأقربائه – إلا من رحم ربك – فمغني الحي لا يطرب كما يقال، حتى المجالس المحلية ومدراؤها الذين تعاقبوا عليها، لم يفلح جلّهم من انتشال المديرية من وضعها المتأزم، هم أيضاً يشتركون في “قتل الغيل، وخلّو الحنش” يقرصها بشكل لاذع، وما أكثر حنشان الفساد في هذا الزمان السيء والبائس!! مايزال أهالي منطقة النقعة، يتابعون ذهاباً إلى صنعاء بحكم النظام المركزي الذي تبخرت الوعود بإلغائه!! يستجدي النقعاويون “الغنيّة بالماء” من المسؤلين، لعلهم ينجحون في إكمال الطريق إلى منطقتهم بعد أن ضحك المقاول على ذقون أهالي الغيل وقتلهم بالهرب وعدم الإكمال، بحجة عدم استلام مخصصاته! شأنه شأن الجسر المعلق على بوابة منطقة شحير، الذي صمد معلقاً طيلة أربع سنوات دون أن يحرّك سكونه أحد، أو يحرّك طريقه الأرضي المليء بالمطبات التي تعبث بمركبات المواطنين تخريباً وتفكيكاً، فكيف لو عرفنا أن هذا الطريق يسمى “طريق دولي”؟!! هذا حديث مختصر عن إكمال طريق داخلي إلى منطقة من مناطق الغيل، فكيف لو تحدثنا عن إغلاق المديرية من جهتيها الغربية والشرقية؟ فإذا دخلت أيها الزائر غيل باوزير فلن تخرج منها إلى مديرية الشحر أو منطقة العيون فالطريق في المخرجين غير ممهدة، بله أن تكون مضاءة ومزيّنة بالأشجار والأعشاب، وحتى الطريق الي يُدخلك إليها، فهو طريق مظلم في جزئه القديم، بل مايزال شاهداً على مدى التجاهل العنيف والخفي على المديرية المعطاءة!! وكيف أيضاً، لو تحدثنا عن رصف وسفلتة الشوارع الداخلية للمدينة؟! لقد ضربت غيل باوزير أروع الأمثلة في الوفاء والإيثار لجوارها فهي تضخ يومياً ملايين المترات المكعبة من الماء، مما تركت أراضيها على حافة الجفاف، وهي الأرض المشهورة بالزراعة والغنية بالماء!! ويكفي أنها تغذي عاصمة حضرموت بالماء، واستطاعت بفضل الله ورحمته وجوده وكرمه، أن تنسيها آلام انقطاع الماء وانتظاره بالساعات. أليس من باب مقابلة الوفاء بالوفاء، أن تنال “الغيل” المغذية للعاصمة الحضرمية أبسط الحقوق؟ ولكن العكس هو الذي حصل؛ فطالتها يد الإهمال والتجاهل في كثير من قضاياها ومشاريعها وشؤونها التي لا يسع المقال لذكرها، فهي كثيرة جداً، تحتاج لاستطلاع مطوّل في حلقتين أو أكثر ليميط اللثام عن مآسٍ ومساوٍ وآلامٍ وآهاتٍ وأحزانٍ وحسراتٍ مما أصاب مديرية غيل باوزير. عن ماذا يتحدث أهالي المديرية الكريمة والوفيّة؟ عن مشكلة الجفاف وانخفاض منسوب المياه وبالتالي انحسار المساحة المزروعة! أم عن عدم وجود دعم محدد من قبل المؤسسة المحلية للمياه للمديرية كتعويض عن ما يتم ضخّه من مياه لمدينة المكلا عاصمة المحافظة. أم عن تأخر تنفيذ السدود والحواجز المائية المعتمدة للمديرية!! أم تدنّي مستوى الخدمات الصحية بل وضحالتها مع انتشار الأمراض الفتاكة بين الفينة والأخرى! أم عن استئثار المهندسين وعبثهم ببلوكات مخططات الأراضي وغياب سلطة الدولة عليها! مما ولّد قضايا ظلّت عالقة لأكثر من عقد من الزمن، أثرّ تأخير حلّها حتماً في نسيج المجتمع الغيلي! أم عن ازدياد البطالة وخاصة بين الشباب المتعلم قبل الأمّي، مما أفرز مظاهر غريبة عنها؛ من تبني أفكار التطرف والإرهاب والتخريب، بمسميات شتّى وفق المعطيات المتعددة المطروحة في الواقع. ناهيك عن انتشار المخدرات والسلوكيات المنحرفة! أم عن ضعف مساهمة القطاع الخاص في التنمية! أم عن تعثر عديد المشاريع في البنية التحتية والخدمية! أو نتحدث بمرارة عن ضعف قدرات الكادر الإداري والفني العامل بالمرافق والمؤسسات الحكومية! أم نصرخ ونطالب بسرعة تثبيت عمال النظافة في الموازنة العامة! أم نتحدث عن النواقص في القطاع التربوي والتأهيلي. أم نذكّر بأهمية الاستفادة من الإيرادات التي يتم تحصيلها من المؤسسات الخدمية والمصانع والمنشآت الكثيرة في حدودها وتخصيص نسبة لدعم تطوير المديرية! أم نستنكر عدم وجود حسم لمشكلة ساكني منطقة الريان ( الشقق) بشأن رسوم استهلاك الكهرباء والماء! أم نذكّر بما وقّع عليه مجاميع من المواطنين مطالبين الوزارة والمؤسسة بتحسين خدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية وصيانتها وإيصالها إلى بقية المخططات السكنية الجديدة! أم نلفت النظر بإعادة تفعيل النشاط الرياضي للشباب والعناية به فهو ركيزة مهمة من ركائز العناية بهم وصرفهم عن كل ما يضرّ بهم! أم نتعجب من عدم تفعيل المركز الثقافي “المدرسة الوسطى سابقاً” فهو معلمٌ بارز في المديرية، بحاجة إلى إعادة تشكيله إدارياً وإسناد إدارته إلى الكوادر الشبابية الكثيرة التي ستنتشله حتماً من وضعه المزريء!! وأشياء أخرى وأخرى.. وبعد، يتساءل أهالي الغيل كثيراً: ماذا يجري لمديريتهم؟ وهل ستظل حالتها المزرية آنفة الذكر مستمرة دون تغيير فعلي وإيجابي؟إنهم ينتظرون الجواب الفعلي على الواقع.