21 سبتمبر .. إرادة شعب    21 سبتمبر.. كرامة وطن    جدد موقف اليمن الثابت لنصرة فلسطين .. قائد الثورة: مسارنا الثوري مستمر في مواجهة الأعداء    الرئيس الزُبيدي يصل نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة    غموض يكتنف اختفاء شاعر في صنعاء    غموض يكتنف اختفاء شاعر في صنعاء    رئيس مجلس القيادة يصل نيويورك للمشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة    حين يُتّهم الجائع بأنه عميل: خبز حافي وتهم بالعمالة..!    ثورة 21 من سبتمبر - سفينة نجاة الأمة    الدكتور ياسر الحوري- أمين سر المجلس السياسي الأعلى ل" 26 سبتمبر ":خلقت ثورة ال21 من سبتمبر وعياً وقوة لدى الشعب اليمني    ريال مدريد لن يرسل وفدا إلى حفل الكرة الذهبية    ثورة ال 21 من سبتمبر .. تحول مفصلي في واقع القطاع الزراعي    الرئيس الزُبيدي يهنئ القيادة السعودية باليوم الوطني ال95    لمن لايعرف بأن الإنتقالي الجنوبي هو الرقم الصعب    منارة عدن المنسية.. إعادة ترميم الفندق واجب وطني    عرض شعبي لقوات التعبئة في حجة بمناسبة ذكرى ثورة 21 سبتمبر    صحة بنجلادش : وفاة 12 شخصًا وإصابة 740 آخرين بحمى الضنك    نائب وزير الشباب والرياضة يهنئ قائد الثورة والرئيس المشاط بثورة 21 سبتمبر    حزب الإصلاح يحمي قتلة "إفتهان المشهري" في تعز    التحويلات المالية للمغتربين ودورها في الاقتصاد    11 عاما على «نكبة» اليمن.. هل بدأت رحلة انهيار الحوثيين؟    تعز..تكدس النفايات ينذر بكارثة ومكتب الصحة يسجل 86 إصابة بالكوليرا خلال 48 ساعة    من هي مي الرئيس التنفيذي في اللجنة المنظمة لكأس آسيا؟    وزارة الاقتصاد: توطين الصناعات حجر الزاوية لبناء الاقتصاد    مصر تفوز بتنظيم كأس العالم للدارتس 2027 في شرم الشيخ    قبيلة الخراشي بصعدة تقدم قافلة رمان للمنطقة العسكرية الخامسة    القاتل الصامت يودي بحياة خمسة أطفال من أسرة واحدة في محافظة إب    اثنان من الحكام اليمنيين ضمن الطاقم التحكيمي لبطولة كأس الخليج للناشئين    المحافظ بن ماضي يستقبل نجوم شعب حضرموت أبطال ثلاثية الموسم السلوي ويشيد بإنجازهم التاريخي    انتقالي مديرية الضالع يكرم طلاب الثانوية المتفوقين للعام الدراسي 2024/2025    لقاء تشاوري بين النيابة العامة وهيئة الأراضي لمناقشة قضايا أملاك الدولة بالوادي والصحراء    سوريا تستسلم.. ونحن وراءها؟    نائب وزير الإعلام والثقافة والسياحة ومدير صيرة يتفقدان أعمال تأهيل سينما أروى بصيرة    صحة البيئة بالمنصورة تشن حملة واسعة لسحب وإتلاف "شمة الحوت" من الأسواق    وفاة خمس نساء من أسرة واحدة غرقا في أبين    خبير طقس: اضطراب مداري يتجه تاثيره خلال الساعات القادمة نحو خليج عدن    عدن.. البنك المركزي يكشف عن استخدامات المنحة السعودية ومستقبل أسعار الصرف خلال الفترة القادمة    هبوط جماعي للأسهم الأوروبية!    اجتماع للجان الفنية لدمج وتحديث الهياكل التنظيمية لوحدات الخدمة برئاسة الحوالي    براءة العلويين من البيع والتنازل عن الجولان لإسرائيل    "إنهم يقومون بكل الأعمال القذرة نيابة عنا"    الراحلون دون وداع۔۔۔    برشلونة يواصل ملاحقة ريال مدريد    السعودية تسرق لحن زامل يمني شهير "ما نبالي" في عيدها الوطني    أحتدام شراسة المنافسة في نهائي "بيسان " بين "ابناء المدينة"و"شباب اريافها".. !    وزارة الإعلام تطلق مسابقة "أجمل صورة للعلم الوطني" للموسم الثاني    الوفد الحكومي برئاسة لملس يختتم زيارته إلى مدينة شنغهاي بالصين    عبد الملك في رحاب الملك    التعايش الإنساني.. خيار البقاء    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    الكوليرا تفتك ب2500 شخصًا في السودان    موت يا حمار    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قمع مسيرة الحياة: شهادة من أحد المشاركين في استقبالها
نشر في الاشتراكي نت يوم 26 - 01 - 2012


علي عبدالله الكميم*
مثل غيري من المهتمين - وما أكثرهم - تابعت مسيرة الحياة منذ انطلاقتها فجر يوم الثلاثاء 20 ديسمبر 2011 من مدينة تعز الحالمة، وقد تعددت الروايات عن عدد المشاركين في انطلاقها لأن التوافد والمشاركة كانا في ازدياد كل لحظة وكل منعطف.
كان الداعي والمنظم لهذه المسيرة الراجلة العظيمة - شباب الحسم الثوري - ثوار 11 فبراير - حيث شكلت لجنة اشرافية متعددة المهام برئاسة الاستاذ مصطفى الحضرمي ونائبه الاستاذ محمد عبدالرحمن صبر.
هذه المسيرة الراجلة شارك فيها الجميع بمختلف فئاتهم العمرية والنوعية والسياسية المتعددة في كل شيء ومتفقة على أهداف عامة وثورية متجددة أهمها:
- إعادة الروح الثورية الى ميادين التغيير والحرية في الثورة الشبابية السلمية.
- ايصال رسالة واضحة وجلية شعبية بالفطرة بأن الثورة السلمية مستمرة.
- ان التصعيد الثوري المتعدد النشاطات يجب ان يستمر وفاءً لدماء الشهداء.
- عدم الاعتراف بأي منطقة أو ساحة أو ميادين عامة يمنع فيها اليمانيون من الاحتجاج والتظاهر السلمي مهما كانت الأعذار.
- التأكيد على ان صنعاء هي عاصمة اليمن الموحد وبالتالي فمن حق الناس الوصول إليها للتعبير عن أهدافهم ومطالبهم وبالذات في هذه الفترة الحاسمة للتغيير.
بالنسبة لنا في صنعاء فقد كان التواصل قائماً مع بعض الاخوة في ذمار والذين رافقوا المسيرة بعد استقبالها وضيافتها، وأنهم يفضلون ان تستقبل المسيرة رأس نقيل يسلح يوم الجمعة 23/12/2011، وكان التشاور في الساحة مع كثير من الائتلافات والنشطاء وكانت هناك عدة مقترحات وآراء متعددة وخلص الجميع تقريباً إلى أن كل مجموعة أو أفراد لهم الحق في الاستقبال بالطريقة التي يرونها والى حيثما يستطيعون، وان الاستضافة ستكون في ساحة التغيير دون تحديد خط السير أو الشوارع التي سيتم المرور فيها ولم يبلغ مطلقاً بتفاصيل السير لا ذهاباً لاستقبالها ولا عودة بمرافقتها وكأن «دعوها فإنها مأمورة» هو القاسم المشترك.
لمرتين.. إطلاق نار على مسيرة الاستقبال
انطلقت مجموعات صغيرة من ساحة التغيير صباح يوم الجمعة وتوافد آخرون بمبادرات ذاتية وشكلوا مسيرة محترمة حتى وصلت منطقة حزيز حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً وتعرضت لبعض المضايقات وجرى التفاهم ومعرفة أصحاب المنازل الموتورين والذين يهددون بعمل شيء ضد المسيرة القادمة من تعز وإب وذمار، وجرى القاء بها والتفاهم مع العقلاء خصوصاً بعد صلاة الجمعة وأن الطريق حق عام ولا يحق لأحد الاعتراض بأي شكل من الاشكال.
وفي هذه الاثناء وصلت سيارة صالون خصوصي وبها مجموعة من المسلحين واعطوا توجيهات لنفر من المسلحين الذين جرى الحوار معهم قبل ذلك بأن يفعلوا كذا وكذا ضد المسيرة فأستجاب البعض واستغرب الآخرون الذين أكدوا أن كل واحد مسؤول عن تصرفه بنفسه ويتحمله لوحده.
وصلت المسيرة المستقبلة حوالي الساعة الثانية بعد الظهر إلى ضبوة قاع القيضي وتوقفت ومعهم سيارتان شرطة (أوبل وباص اسعاف للهلال الأحمر) إذ فجأة ظهر من التبة الجنوبية مجموعة اشخاص بلباس مدني يطلقون النار بشكل عشوائي على الجموع فانقسم الناس باتجاه الطريقين العائدة الى حزيز والأخرى الترابية المؤدية شرقاً.. وعند ذلك جرى التخاطب مع الأخوة الشرطة: لماذا لم تردوا على مطلقي النيران؟، فقالوا: ليس لدينا أوامر وكانوا في حيرة مثلنا نحن الذين كنا ننادي للشباب بعدم الابتعاد أكثر حتى لا يتشجع البلاطجة.
أحد الضباط بدأ مع أفراد الشرطة بالاستعداد لتوجيه بنادقهم على مطلقي النيران لكنهم لم يطلقوا رصاصة، توقف اطلاق النار ورجع البلاطجة صعوداً فلحقهم الشباب في منظر عجيب عُزل بصدورهم يطاردون مسلحين يطلقون النار في حالة هروب.
تواصلت المسيرة في خط صنعاء -تعز منطقة قاع القيضي والاشادة بالسكان الذين كانوا يحيون الشباب، رداً على تحياتهم وهتافاتهم مثل «يا إخوتنا في سنحان.. إحنا وإياكم إخوان»، وغيرها. ومع ذلك كنا نسمع طلقات نارية متفرقة من الجانب الشرقي للطريق ربما من اولئك الذين اطلقو النار في المفرق.. حدود قريتي (رُهم والمحاقرة).
واصلت مسيرة الاستقبال سيرها بجموع طيبة وعند الوصول الى منطقة قحازة، مفرق وعلان النخلة الحمراء، حيث مفرق سنحان وبلاد الروس، كان هناك قوات جيش حرس جمهوري كانوا يردون التحية ولا يرغبون ان يقترب أحد منهم ومعاهم عربات عسكرية ومصفحات ودبابة على يمين الطريق، وفي المفرق المؤدي شرقاً كان يوجد مجموعة مدنيين مسلحين (قبائل) وفي التبة الجنوبية خلف غرفة المرور وحول سور كلية المجتمع قبليون يطلقون النيران ويرومون بالحجارة بشكل شديد فتفرق الجموع عائدين الى الطريق المزفلت شمالاً جهة قرية (الضبر)، فزاد اطلاق الرصاص، فرفعت من فوق الرأس (المشدة) مناشداً مطلقي ا لنيران التوقف وبأنهم معروفون وأن اصحاب المنطقة براء من أفعالهم دون جدوى حتى اصابتني الاحجار في الكتف والقدمين الى ان تقدم اثنان من الجنود المرابطين ووجهوا سلاحهم نحو مطلقي النيران واطلقوا النيران فعلاً من فوق رؤوسهم، وعندما طلب منهم عدم اطلاق النار وبأن لا يفرطوا، قالوا: نحن نعرف كيف نتصرف مع هؤلاء، وطلبوا من مسيرة الاستقبال مواصلة السير.
التحام المسيرتين
في منطقة وادي وعلان وعلى طول الطريق لامسنا أنفة الرجال وسعة الصدر والاستقبال ورد التحية بأفضل منها حتى وطلنا الى جوار المجمع الحكومي وتحت قلعة وعلان صلينا المغرب والعشاء ومن ثم مواصلة السير باتجاه قرية (خدار) حيث وصلنا الى قرب القرية والتحمنا ببداية المسيرة الراجلة (مسيرة الحياة) وسرنا معهم حتى اقتربنا من قرية وعلان -وهي مطرح قديم للقوافل- ولأن المبيت سيكون هناك.
وصلنا قرية خدار الساعة الثامنة مساءً، وكان أصحاب خدار قد فتحوا المدرسة وهي كبيرة وكذلك نودي على سدنة المساجد لفتحها، وأيضاً بدأ الاهالي الاستعداد لضيافة النساء المشاركات في المسيرة وفتح ديوان القرية، وكانت ليلة عجيبة للجميع من كل أبناء الوطن هنا في خدار.. المتاجر استنفذ كل ما يؤكل ويشرب، والأهالي قدموا مشكورين ما استطاعوا، اتسعت صدورهم قبل ساحاتهم لهذه الجموع.
كان اللقاء مع الاخوة القادمين في مسيرة الحياة العظيمة وكانت معنوياتهم مرتفعة جداً وبرغم ان الاقدام كانت متورمة ولكن لم يظهر التعب على محياهم.. ولمسنا منهم رغبتهم في الوصول الى ميدان السبعين لأنه ميدان عام وليس حوش خاص وهم في اطار سلمي وبصدور عارية وينشدون الحياة للجميع وطيلة الليل كان اشعال النيران مستمراً للتدفئة في الشوارع.
تنوع وطيبة
قبل الفجر سمعنا تسبيحة من أحد المساجد، وحيث الفجر سمعنا من مسجد آخر اذان الفجر دون ذكر (الصلاة خير من النوم) أو (حيا على خير العمل) وبعد ان اكمل المؤذن اذانه بلحظات، قال: قوموا للصلاة يهديكم الله -مكرراً ذلك- وفي المسجد الذي سمعنا منه التسبيح اذن للفجر كاملاً بما في ذلك (حيا على خير العمل) دون ذكر الصلاة خيرٌ من النوم. وهكذا تجد التنوع ما أجمله وكلكم من رسول الله ملتمسون.
بعد صلاة الفجر ازداد الحريق واشعال النيران والبرد في قمة موسمه والحركة بدأت. وما أن لاح الضوء حتى تحركت الجموع منطلقة صوب وعلان طريق صنعاء، مودعة خدار وأهلها الطيبين حتى وصلنا وعلان الساعة الثامنة والمسيرة كبيرة.
في الطريق وعلى جانبيه كان الناس بما فيهم الطلاب يحيون المسيرة بابتسامة عريضة وبالذات بائعي ثمرات الدباء التي ترمز الى رجاحة العقل.
كانت الهتافات ترتفع في هذا الصباح متعددة الانواع ومن ضمنها تحية لاصحاب المنطقة تقول: (التحية من النفوس.. لقبائل بلاد الروس)، و(هذه مسيرة ملايين.. من تعز الى السبعين). لقد تعاون الجميع من أهل المنطقة وغيرهم من المستقبلين في عملية الفطور بالخبز والكدم والبسكويت طيلة الطريق مروراً بمنطقة قحازة، حيث شوهد بعض من كانوا بالأمس مدنيين ومسلحين يخفون اسلحتهم وراء ظهورهم أو في سياراتهم ولم يؤذ أحد هنا، بل البعض كان يحيي المسيرة ويرد على التحية، والقلة كانوا منزعجين ومتجهمين ويرفعون صورة (علي صالح)، المسيرة لها أول وأخرها بعيد، وإن كنت وسط المسيرة فلا ترى أولها ولا ترى أخرها، حيث مجاميع من خولان اليمانية العليا ومن مخلاف الكميم وبلاد الروس وسنحان وبني بهلول تلتحم بالمسيرة وكانت الزوامل تسمع رغم مكبرات الصوت والهتافات المتعددة.
إطلاق نار
في منتصف قاع القيضي في حوالي الساعة الحادية عشرة من صباح يوم السبت 24/12/2011 كان هناك مجموعة مسلحة مقابل قرية (رهم) واطلقوا النار على مقدمة المسيرة وفروا بسيارتهم غرباً فتبعهم الشباب فصدمت السيارة بسور أرضية واحرقت وهرب مطلقوا الرصاص.
وواصلت المسيرة اتجاهها وكان البعض يتعب، وقد بذل منتسبو الهلال الأحمر اليمني جهوداً مشكورة وكذلك بعض الجمعيات العاملة في هذا المجال وفاعلو الخير الذين ما قصروا في توفير الماء والخبز والجبن جزاهم الله خير الجزاء.
في قرية حزيز لم يعترض المسيرة أحد وان تواجد بعض الذين توعدوا بالأمس ولكنهم بدون سلاح ويهتفون بحياة (علي صالح) كقولهم: «بالروح بالدم نفديك ياريس» فيما الآخرون يحيون المسيرة بل رفعوا لافتة قماشية مرحبة بها.
عند المرور أمام مستشفى 48 ومعسكر السواد لم يعترض المسيرة أحد فحيتهم المسيرة عبر مكبرات الصوت وتذكيرهم بأنهم جيش الوطن والثورة وأن هذا المعسكر كان لقوات المدفعية بقيادة الشهيد يحيى ناصر الظرافي ثم سمي باسمه متمنين إعادة هيكلة الجيش من جديد، وكان الجنود والضباط يردون التحية برفع الأيادي.
في الجولة
في حوالي الساعة الثالثة عصراً كانت طلائع المسيرة قد اقتربت من جولة دار سلم «جولة الحياة» بحوالي مائة وخمسين متراً جنوباً وبالتحديد شمال محطة الكميم البترولية، وإذا بقوات كبيرة وعربات بملابس الأمن المركزي «قوات المغاوير» وبعضها ملابس خاصة قيل انها من الحرس الخاص، وكانت مسيلات الدموع تطلق والماء الملوث المسموم يرش والرصاص من فوق الرؤوس يئز، وأول من أصيب امرأة وكانت اصابتها شديدة، ولم يستطيعوا اسعافها والمختنقون بالغازات ازدادوا ومعركة حامية الوطيس بين الصدور العارية والتقنية الكبيرة لقوات مكافحة الإرهاب الأسرية بأنواعها قبل أن يصل الناس إلى جولة دار سلم. فأي تبرير لهذه الجريمة أياً كان شكله ما هو إلا عار على من يطلقه أو يتلفظ به، كون جولة دار سلم تؤدي غرباً إلى بيت بوس وكان بالإمكان اغلاق الطريق، أما العذر: لماذا لم يتجهوا شرقاً طريق دار سلم شارع خولان، فاعتقد ان الذين شاهدوا البلاطجة بأسلحتهم وعددهم يستطيع ان يردوا. أيضاً شارع تعز شارع عام ومستقيم والمسيرة سلمية.
عموماً ظل ذلك الكر والفر قرابة ساعة وأكثر، وللأمانة أن بعض الجيران للطريق زودوا الناس بالماء والبصل وشارك شبابهم في ذلك المعمعان والطغيان وفرق الموت الرسمية.
تساقط العشرات من الجرحى والمغمى عليهم ومع ذلك كلما خف إطلاق الرصاص وقل رش الماء المسموم والقنابل المسيرة للدموع والخانقة عاد الجمهور للهتاف ومواصلة السير حتى اندحرت قوات فرق الموت باتجاه بيت بوس بعد استنفادها عدة مرات للماء والرصاص والدخان.
مجزرة
تحرك الشباب إلى الجولة بصيحات التكبير وهتاف: «سلمية سلمية» ملوحين للعساكر بأيديهم وما أن قطع مجموعة من الشباب الجولة باتجاه صنعاء شمالاً وبشكل مفاجىء تقدمت المصفحات والقناصة وقاذفوا القنابل المسيلة للدماء والدموع مطلقين العنان لرشاشاتهم وقنابلهم على الجموع في الجولة وما قبلها وما بعدها فتساقط الشهداء والجرحى وأنقسمت المسيرة جنوباً وشرقاً وشمالاً وسيطر الجند على الجولة.
فك الحصار
عاد الشباب الذين تقدموا شمالاً وكانوا وصلوا إلى جوار المسلخ المركزي عادوا إلى الجولة ووجهوا بالرصاص ولكن الإرادة أقوى فانحدرت فرق الموت غرباً والتحمت المسيرة.
وتتويجاً لذلك أخذ الشباب يتوافدون على الجولة وما حولها وأصبحت غابة من البشر واخذوا يدقون بالأحجار الصغيرة على أعمدة الاعلانات ذات المواسير الحديدة فتحدث أصواتاً رائعة للمشاركين في المسيرة ولكنها مزعجة لفرق الموت وقوات الأسرة فوجهوا نيرانهم على الشباب في الجولة بشكل نازٍ وفاشٍ لا نظير له.
كان شاب بجواري يدق على ماسورة لوحة الاعلانات في بداية المنعطف الشمالي للجولة وكان الرصاص يصب على منتصف الناس فإن انحنيت اصبت برأسك وإن وقفت أصبت ببطنك أو صدرك أو خاصرتك وهذا ما جرى مع الشاب (نشوان سعيد الجابري) الذي بجواري والذي أصيب في الجانب الأيمن من البطن وسقط شهيداً برصاص فرق الموت التي كانت غرب الجولة طريق بيت بوس، وأسرع الشباب رغم الرصاص لاسعافه والدماء تسيل ووجهه يزداد نوراً وعيناه تنادي الإله (يارب انتقم من القتلة).
وبعد التحام المسيرة للمرة الرابعة أو الخامسة واصلت السير وكان الخوف على مؤخرة المسيرة من الغدر بها، وقيل وقتها أن وزير الداخلية قدم استقالته وآخرين قالوا إنه صرح بأن الأمن المركزي المتواجدين في جولة دار سلم لا يمثلون توجيهاته بوقف إطلاق النار، وكثيراً من القيل والقال، ومنها ان القائم بأعمال رئيس الجمهورية اصدر التوجيهات بعدم اعتراض المسيرة.
نحو الساحة
وصلنا إلى أمام حديقة الحيوان ولابد من التذكير بأن هذه الحديقة اقيمت على تبة شهدت إبان الحرب الملكية / الجمهورية وحصار صنعاء المشهور ب«السبعين يوماً» أعنف المعارك وسميت بتبة العمري.. ومثلما محي اسم الشهيد الظرافي من المعسكر جرى مسح اسم العمري من التبة وتحويلها إلى حديقة حيوان وكثير من هذه الأمثلة.
عندما كان أحدنا يسأل: من أي الاتجاه ستمر المسيرة؟. كان يقال: (دعوها فإنها مأمورة) مع وجود رغبة المرور في ميدان السبعين من خلال شارع 45 بعد دار رعاية الايتام.
واصلت المسيرة دربها قاطعة شارع 22 مايو ولم يعترضها أحد بالنار وكذلك شارع بينون وشميلة حيث خرجت الجموع تحيي المسيرة بما في ذلك العرسان الذين اشرفوا من نوافذ الصالة وكل يرحب بطريقته، أما الشهداء والجرحى والمختنقين بالغازات فهم في علم الله ومثلهم المخطوفون.
مرت المسيرة من شارع الستين أمام المرور وهو شبه مغلق ومرت من شارع تعز حتى شمال دار الأيتام فوق نفق 45 أول المسيرة واصل السير باتجاه باب اليمن وغالبيتهم من المستقبلين، قلب المسيرة ومؤخرتها وقفوا بالمفرق وطلبوا الدخول إلى ميدان السبعين كي يمروا به ولكن العسكر كانوا اغلقوا الشارع رافضين رغم التوضيح من البعض بأنهم سيمرون جوار المستشفى ويواصلون السير باتجاه الجامعة.. استمرينا حتى قرابة الساعة العاشرة مساءً بعد ذلك واصل الجميع الطريق باتجاه باب اليمن، أما الأولون فقد واجهوا مصاعب في باب اليمن بمنعهم من الدخول من الميدان أمام جامع الشهداء والمؤسسة العسكرية.
وصل الجميع إلى ساحة التغيير بأكثر من (14 شهيداً ومئات الجرحى وعشرات المختطفين والمخفيين قسراً).
نماذج من الهتافات
- في مسيرة الحياة.. منتصرون ضد الطغاة.. هذا هو حبل نجاة.. صادقين فيما قلناه.
- من تعز الحالمة.. إلى صنعاء العاصمة.. مسيرتنا حاسمة.. ضد العصابة الحاكمة.
- يا شباب اليمن ثوروا.. ياعمال يافلاحين.. لا للسلطة الأسرية.. لا للقتلة السفاحين.
- هذه ثورتنا شعبية.. تقلع حكم الفاسدين.. من أجل الدولة المدنية.. فيها كل اليمنيين.
- عهدا شهداء الحرية.. لن نقبل يابو وجهين.. وهذه ثورتنا سلمية.. فيها كل الكادحين.
- يا تعز يا أم الثورة.. يا عدن يا رمز الوحدة.. من صعدة إلى سقطرة.. صنعاء اليمن حرة.
- يا ثوار أهلاً بكم.. صنعاء رحبت بكم.. الحياة من أجلكم.. تشرفنا بقدومكم.
من الزوامل:
«ياعلي عفاش قم شد وإرحل... في غيابك باتخف المشاكل... قالها الأحرار والشعب كامل... قالها دم الشهيد المناضل».
«قسماً بالله ما اترك خيامي... أو نخونك ياشهيد الكرامة... مستمر في ثورتي واعتصامي... نقتلع عفاش وباقي نظامه».
* عضو تكتل القادة الإداريين والدبلوماسيين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.