لبنان.. هيئة علماء بيروت تحذر الحكومة من ادخال "البلد في المجهول"    سان جيرمان يتوصل لاتفاق مع بديل دوناروما    الرئيس المشاط يعزي في وفاة احد كبار مشائخ حاشد    تعرّض الأطفال طويلا للشاشات يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب    تعاون الأصابح يخطف فوزاً مثيراً أمام الشروق في بطولة بيسان الكروية 2025    إيران تفوز على غوام في مستهل مشوارها في كأس آسيا لكرة السلة    أسوأ يوم في تاريخ المسجد الأقصى !    شباب الغضب يحمل العسكرية الأولى مسؤولية القمع في تريم    وزير التجارة يكشف في حوار مع "الصحوة" إجراءات إنعاش الريال ويعلن عن حدث اقتصادي مرتقب    المجلس الانتقالي الجنوبي يصدر بيانًا هامًا    قبيل مشاركته بكأس الخليج.. التعديلات الجديدة في قانون التحكيم الرياضي بمحاضرة توعوية لمنتخب الشباب    مجلس القضاء: المطالبة بتحسين الأوضاع ليس مبررا لتعطيل العمل بالمحاكم    الرئيس الزُبيدي يشدد على أهمية النهوض بقطاع الاتصالات وفق رؤية استراتيجية حديثة    إجراءات الحكومة كشفت مافيا العملة والمتاجرة بمعاناة الناس    ترتيبات لاقامة مهرجان زراعي في اب    محافظ إب يدشن أعمال التوسعة في ساحة الرسول الأعظم بالمدينة    مهما كانت الاجواء: السيد القائد يدعو لخروج مليوني واسع غدًا    عصابة حوثية تعتدي على موقع أثري في إب    الرئيس الزُبيدي يطّلع من وزير النفط على جهود تشغيل مصافي عدن وتأمين وقود الكهرباء    رصاص الجعيملاني والعامري في تريم.. اشتعال مواجهة بين المحتجين قوات الاحتلال وسط صمت حكومي    هائل سعيد أنعم.. نفوذ اقتصادي أم وصاية على القرار الجنوبي؟    الصراع في الجهوية اليمانية قديم جدا    عساكر أجلاف جهلة لا يعرفون للثقافة والفنون من قيمة.. يهدمون بلقيس    إصابة 2 متظاهرين في حضرموت وباصرة يدين ويؤكد أن استخدام القوة ليس حلا    منتخب اليمن للناشئين في المجموعة الثانية    حتى لا يحتضر السياسي الاعلى كما احتضر البرلمان    محاضرات قانونية بالعاصمة عدن لتعزيز وعي منتسبي الحزام الأمني    الأرصاد الجوية تحذّر من استمرار الأمطار الرعدية في عدة محافظات    وفاة وإصابة 9 مواطنين بصواعق رعدية في الضالع وذمار    خبير طقس يتوقع أمطار فوق المعدلات الطبيعية غرب اليمن خلال أغسطس الجاري    من هي الجهة المستوردة.. إحباط عملية تهريب أسلحة للحوثي في ميناء عدن    الريال اليمني بين مطرقة المواطن المضارب وسندان التاجر (المتريث والجشع)    الفصل في 7329 قضية منها 4258 أسرية    جامعة لحج ومكتب الصحة يدشنان أول عيادة مجانية بمركز التعليم المستمر    خطر مستقبل التعليم بانعدام وظيفة المعلم    من الصحافة الصفراء إلى الإعلام الأصفر.. من يدوّن تاريخ الجنوب؟    طالت عشرات الدول.. ترامب يعلن دخول الرسوم الجمركية حيز التنفيذ    صنعاء تفرض عقوبات على 64 شركة لانتهاك قرار الحظر البحري على "إسرائيل"    الهيئة التنفيذية المساعدة للانتقالي بحضرموت تُدين اقتحام مدينة تريم وتطالب بتحقيق مستقل في الانتهاكات    الاتحاد الأوروبي يقدم منحة لدعم اللاجئين في اليمن    خسارة موريتانيا في الوقت القاتل تمنح تنزانيا الصدارة    آسيوية السلة تغيّر مخططات لمى    دراسة أمريكية جديدة: الشفاء من السكري ممكن .. ولكن!    هيئة الآثار تنشر قائمة جديدة بالآثار اليمنية المنهوبة    موظفة في المواصفات والمقاييس توجه مناشدة لحمايتها من المضايقات على ذمة مناهضتها للفساد    تعز .. ضغوط لرفع إضراب القضاة وعدم محاسبة العسكر    اجتماع بالمواصفات يناقش تحضيرات تدشين فعاليات ذكرى المولد النبوي    الاتحاد الآسيوي يعلن موعد سحب قرعة التصفيات التأهيلية لكأس آسيا الناشئين    مجلس الوزراء يقر خطة إحياء ذكرى المولد النبوي للعام 1447ه    الأبجدية الحضرمية.. ديمومة الهوية    لا تليق بها الفاصلة    حملة رقابية لضبط أسعار الأدوية في المنصورة بالعاصمة عدن    ( ليلة أم مجدي وصاروخ فلسطين 2 مرعب اليهود )    رئيس الوزراء: الأدوية ليست رفاهية.. ووجهنا بتخفيض الأسعار وتعزيز الرقابة    رجل الدكان 10.. فضلًا؛ أعد لي طفولتي!!    مرض الفشل الكلوي (15)    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكر السوداني د:عبد الله النعيم علمانية الدولة فريضة إسلامية
نشر في الاشتراكي نت يوم 17 - 07 - 2012


أجري الحوار: محمد حربي
يري البروفيسور عبد الله النعيم الاستاذ بجامعة إيموري الأمريكية ان الدولة الدينية أمر مستحيل وان علمانية الدولة ترتفع الي مستوي الفريضة لحضارية بمنطق الاسلام نفسه.
في هذا الحوار الذي أجرته معه صحيفة الأهرام المصرية قراءة أولية لرؤي النعيم, التي قدمها في كتابه' الاسلام وعلمانية الدولة' والذي يرصد فيه بين التاريخ والواقع سيرة الدولة في االاسلام ويخلص الي نتائج ربما تسهم في حل اشكاليات المصطلح المراوغ, سواء كان العلمانية او الدولة الاسلامية.
لا يكتفي النعيم بقراءة نظرية تتكيء علي الموروث بل يعمد الي فك ضفائر الماضي التي تغطي رأس الانظمة الاسلامية الراهنة في كل من اندونيسيا وتركيا والسودان. ولا ينسي التوقف امام التجربة الإسلامية الأولي في ادارة شئون المجتمع في' المدينة المنورة' والتي يراها تجربة سياسية لا دينية ولا يمكن استعادتها لأنها كانت مرتبطة بالنبي صلي الله عليه وسلم.
هل لك أن تحدد للقاريء المصطلحات الأساسية التي ترتكز عليها في خطابك الدولة، لماذا اخترت نموذج الدولة الوطنية كما برز في التاريخ الأوروبي؟
أتحدث عن النموذج الأوروبي للدولة الوطنية لأنه نظام الحكم الذي يعيش في ظله كل المسلمين منذ نهاية فترة الاستعمار. فمع تحقيق الاستقلال لم تحاول أي من الدول ذات الأغلبية المسلمة العودة لنظم الحكم التي كانت سائدة في العالم الاسلامي قبل الاستعمار وقد مضت عقود طويلة منذ الاستقلال ولا ذكر هناك لأي تغيير محتمل في طبيعة الدولة. إذن فخيار النموذج الاوروبي هو خيار عامة مجتمعات المسلمين اليوم وليس خياري..
الدولة شكل من اشكال القهر ولم يشارك المجتمع الراهن في التفاوض حولها
صحيح ان الدولة شكل من اشكال القهر ولكن هناك تفاوتا بين الدول بقدر ممارستها للديمقراطية, والشفافية والمحاسبة, فكلما تحققت هذه المواصفات للدولة تصبح علي اقل قدر ضروري من القهر لحفظ الأمن, وفض المنازعات بين المواطنين.
وأنا أري أن المواطنين هم المسئولون عما اذا كانت دولتهم وثنا حداثيا مفروضا عليهم ام انها جهاز ناجز لتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية للجميع, واستمرار الاستعمار الفكري والوجداني بعد زوال الاستعمار العسكري السياسي المباشر مسئولية الشعوب الإسلامية ولا يجوز القاء اللوم علي الاستعمار الأوروبي لان هذا الاستعمار كما قال مالك بن نبي:' نتيجة التخلف والضعف الداخلي في المجتمعات الاسلامية وليس السبب في التخلف والضعف'
وجميع المجتمعات الانسانية بحاجة الي الدولة بشكل من الأشكال لحفظ الأمن وتقديم الخدمات الضرورية, ولكن هذا لا يعني بالضرورة ان تكون الدولة قهرية واستبدادية تجاه شعبها وانا اري ان كل شعب مسئول عن دولته' فكما تكونوا يول عليكم
الشريعة :كيف يمكن اتباع الشريعة الآن؟
مصطلح الشريعة يشير إلي مفهوم' هداية ربنا سبحانه وتعالي للبشربحسب طاقة وامكانات كل مجتمع في مرحلته التاريخية', ومن هذا المنظور فإن البشرية تتطور في فهمها وممارستها للشريعة بحسب الإطار التاريخي للمجتمعات. فكمال الشريعة الاسلامية هو في مقدرتها علي التطور, وليس في ثباتها وجمودها علي حالة واحده. فاذا كانت هناك صعوبة في تطبيق الشريعه فالسبب هو قصور الفهم البشري للشريعة في ضوء احتياجات وطاقة المجتمع المعين. ومع ذلك فالشريعة ملزمة لكل مسلم ومسلمة وليست الواجب الجمعي للمجتمع أو مؤسسة الدولة. والتزام كل فرد مسلم هو تطبيق الشريعة كما يفهمها هو أو هي ويؤمن بها, فالمسلمون مسئولون بشكل فردي.
وأنا أعتقد بوجود حاجة لإعادة النظرفي فهمنا لاحكام محددة, وليس في كل احكام الشريعة فعلينا اعادة النظر في الاحكام المتعلقة بحقوق المراة, وحقوق غير المسلمين وحرية الاعتقاد. فما عليه فهمنا لهذه الاحكام الآن فهم بشري يمكن اعادة النظر فيه في اطار الإسلام نفسه.
العلمانية: لماذا دعوت الي علمانية الدولة وليس علمانية المجتمع ؟
دعوتي لدولة علمانية تأتي لتمكين المسلمين من الحياة وفق فهمهم للشريعة في صدق واخلاص من غير رهبة او رغبة الدولة. فالدولة العلمانية هي التي لا تتخذ موقفا في أي موضوع يتعلق بالدين, وتسعي لأن تكون حيادية قدر الإمكان فيما يتعلق بالأديان المختلفة
الصفة الأساسية للدولة التي أعنيها هي ألا تميز بين مواطنيها علي أساس العقائد الدينية فلا تفضل موقفا في امور الدين علي موقف آخر.
والمجتمع من ناحية أخري يمكن افراده من ممارسة معتقداتهم الدينية سواء كانت اسلامية او مسيحية او هندوسية بحرية. فالمجتمع هو مجال الممارسة والتجسيد لقيم الدين المعتقدات والممارسات الدينية لكل حسب معتقداته ومستواه في التطبيق, والمجتمع بالنسبة لي عبارة عن جماعة من المؤمنين, وليس' جماعة مؤمنة' لأن الكيان الجمعي مفهوم مجازي ولا يمكن أن يؤمن أو يعتقد أو يفكر أو يشعر مثل الأفراد.
الهدف عندي هو حماية امكانية الإيمان الصادق في المعتقدات والممارسات للأفراد المؤمنين, عن طريق حماية الافراد من خطر الإجبار علي التدين بواسطة الدولة أو المجتمع.
والدولة المحايدة في امور الدين والمجتمع المتسامح وسيلتان ضروريتان لهذه الغاية. وعن طريق تنظيم الحياة الاجتماعية, وحفظ السلم وضمان الخدمات الاساسية دون تفرقة او تفضيل لاتباع ديانة علي أخري, فإن الدولة تشجع المجتمع علي التسامح تجاه التعددية الدينية.
وهذه الحيادية القانونية للدولة وتسامح المجتمع مع التعددية والاختلاف تمكن الأفراد المؤمنين من أن يكونوا أكثر أمانة في جهودهم للوصول بسلوكهم إلي التعايش مع اصحاب المعتقدات الدينية الأخري. أما القمع والإجبار من جانب الدولة او المجتمع فيدفعان الي النفاق
التفاوض: ماذا تعني بالتفاوض حول الشريعة ودورها وحول علاقة الدين بالدولة ؟
أفرق بين الدولة والسياسة, فالقول بأن الدولة يجب الا تحاول فرض تطبيق الشريعة كشريعة, مع امكانية تأثير الاحكام الشرعية علي سياسات الدولة من خلال السياسة.
هذا ما أعنيه بالتفاوض في تأثير الشريعة, حيث تتصارع عدة قوي سياسية مختلفة في تقديم وتعضيد سياساتها والدفاع عنها من خلال ما اسميه' بالمنطق المدني'.
وبهذه الطريقة, يكون علي الناشطين السياسيين أن يسعوا لطرح ودعم اختياراتهم السياسية بحجج واسباب يمكن لجميع المواطنين مناقشتها بحرية, قبولا أو رفضا من دون إشارة للمعتقدات الدينية. فإذا أردت ان اقترح منع الفوائد علي القروض( الربا) فعلي أن أقدم أسبابا اقتصادية واجتماعية تدعم اقتراحي في الحوار السياسي, بدلا من القول بأن الدولة يجب ان تمنع فوائد القروض لأنها حرام
في الوقت نفسه, علي المسلمين أن يتجنبوا الربا في معاملاتهم الشخصية لأنه حرام. سواء منعته الدولة او سمحت به هذا هو السلوك الديني الذي يثاب عليه المؤمن أو يعاقب علي مخالفته بحسب عمله ونيته. ما تفعله الدولة سواء كانت متأثرة بقواعد الشريعة أم لا, هو دائما من الامور السياسية, اما ما يفعله المؤمنون فمن الامور الدينية
الفصل والوصل
كيف يمكن الفصل بين الدين والدولة ؟ هل ننكر الشريعة أم نحولها إلي قانون مدني؟
اولا: الواقع التاريخي دائما كان مع الفصل بين الإسلام والدولة, وليست هناك إشارة إلي دولة إسلامية في أي من لغات المجتمعات الإسلامية قبل القرن العشرين. والدعوات لما يسمي' الدولة الإسلامية' من قبل دعاة مثل سيد قطب والمودودي, قائمة علي فكرة أوروبية عن الدولة الوطنية وقانونها العلماني, وليس علي أساس نموذج تاريخي للدولة التي عاش في ظلها المسلمون حتي عهد الاستعمار الذي فرض عليهم النموذج الأوروبي للدولة.
ثانيا, ما يفترضه بعض المسلمين من وحدة بين الإسلام والدولة هو في الحقيقة وحدة بين الإسلام والسياسة. وبما إن الدولة كيان سياسي لا يمكن أن يكون له دين, فعندما نتحدث عن دولة إسلامية فإننا نعني بذلك دولة تفرض آراء الذين يسيطرون علي الدولة, وليس الرؤية الموضوعية المحايدة للإسلام كدين.
ثالثا, كلما ادعت دولة أنها تفرض تطبيق الشريعة, فإن المبدأ الذي يتم فرضه يكون في الواقع هو الإرادة السياسية للدولة, وليس الشريعة كشريعة دينية. بمعني آخر, إن فرض تطبيق الشريعة من قبل سلطة الدولة يغير من طبيعة القاعدة الشرعية إلي قانون علماني للدولة وليس تشريعا اسلاميا
من هنا, فكل قانون الدولة علماني, ويجب صياغته و تطبيقه من خلال عملية سياسية ديمقراطية يشارك فيها المواطنون المسلمون وغير المسلمين علي قدم المساواة. اما الشريعة كقاعدة دينية فملزمة فقط للمسلمين
كيف يمكن للمسلم أن يخدم سيدين في آن: الله والدولة ؟
اولا: هناك سيد واحد هو الله سبحانه وتعالي. أما الدولة فخادمة لمواطنيها وليست سيدتهم
ثانيا: أنا لا أدعو الي فصل الشريعة عن الدولة, فهما منفصلان بالفعل بحكم طبيعتها الجوهرية لأن الشريعة مجموعة من القواعد الدينية, أما الدولة فكيان سياسي.
يجب علي المسلمين أن يعبدوا الله من باب التقوي المخلصة, وليس خوفا من سلطة الدولة. فلو أنني أطيع قاعدة الشريعة لأن الدولة أمرت بهذا, فأنا بذلك أعبد الدولة وليس الله. تطبيق الشريعة يجب أن يكون بنية صادقة للطاعة, وهو ما لا يتحقق عندما تقوم الدولة بفرضها
تقول إن علمانية الدولة تحمي الدين كيف؟
الدولة العلمانية تحمي الدين لأنها تخرجه من مجال المطامع السياسية للحكام والمسئولين. إن مملكة الدين هي قلب المؤمن وليس بيروقراطية موظفي الدولة. ويمكن أن ننظر إلي نقص الورع الديني الحقيقي في السعودية وإيران كنتيجة لأن الدولة تجبر الناس علي المحافظة علي مظاهر الممارسة الدينية, بغض النظر عن معتقداتهم الحقيقية ففي السعودية, يجبر الشيعة من المواطنين علي الحياة وفق المبادئ الوهابية رغم أنهم لا يؤمنون بشرعيتها. وفي إيران يجبر المسلمون السنة علي الحياة وفقا لاحكام المذهب الاثني عشري رغم أنهم لا يقبلون بهذا المذهب.
وهل تحمي العلمانية الفرنسية الدين ؟
أنا لم أستخدم نظام حكم موجودا في فرنسا أو غيرها كنموذج للعلمانية حسب تعريفي لعلمانية الدولة الذي يفترض الحياد الديني للدولة وبالنسبة لي فإن فرنسا ليست دولة علمانية حقيقية لأن الدولة تسيطر علي الدين, وليست محايدة بشأن الدين.
والكمال غير ممكن لاي نظام بشري, لكن بعض النماذج للدولة تعتبر أفضل من غيرها نسبيا. في رأيي أن الهند وإندونيسيا وألمانيا والسنغال والولايات المتحدة الأمريكية هي نماذج أفضل لعلمانية الدولة التي أقصدها, لكن كلا من هذه الدول هي الأفضل بالنسبة لشعبها, وليس لغيرها لكي يقلدوها.
البعض يعتبر ان الدين يحكم أمريكا رغم ان الدستور يبعد الدين عن الدولة؟
ما يحدث في الولايات المتحدة هو اتحاد الدين والسياسة, وليس الدين والدولة. فالفصل الدستوري بين الدين والدولة ليس شكليا بل هو حقيقي.
علي أي حال فليس بذي بال بالنسبة لي إذا ما كانت أمريكا أو غيرها دولة صالحة ام طالحة. قضيتي هي دول المجتمعات الإسلامية. وإذا أردنا الصراحة والأمانة فإن دول الهند والولايات المتحدة والمانيا أفضل من دول المجتمعات الاسلامية جميعها. لكني لا اقول بان تكون أيا من هذه الدول لا تعد نموذجا علينا تقليده.
ولا يغير من الواقع بالنسبة لنا شيئا أن نقول إن هذه الدولة أو تلك ليست علمانية حقا. مثل هذه المقارنات تصرفنا عن قضيتنا الحقيقية: ألا وهي أن دولنا في العالم العربي والإسلامي ليست' إسلامية' ولا يمكن أن تكون إسلامية.
القضية هي ما إذا كانت دول العالم الاسلامي ديمقراطية وعلمانية أم لا. هل هي دول عادلة وفعالة وكفؤة تحت حكم القانون؟ وهل تفي باحتياجاتنا, وتحمي حقوقنا كبشر؟ تلك هي الأسئلة التي يجب أن تشغلنا.البعض يعيب علي الباحثين الذين ينكرون الدولة الدينية الصمت عن طبيعة' اسرائيل' الدينية ؟
ز' مختلط من العلمانية والدينية والعرقية لان اليهودية دين وجنس لكن هذه ليست مشكلتنا مع تلك الدولة. مشكلتنا مع' إسرائيل' هي انتهاكها للحقوق الأساسية للفلسطينيين في تقرير المصير, وليس أن نظامها العلماني ليس نقيا أو مكتملا. كما أننا لو نظرنا إلي' إسرائيل' مقارنة بالدول العربية في المنطقة, فسنجد أن إسرائيل أكثر ديمقراطية و فائدة لشعبها من أي من دولنا تجاه شعوبهم.
طبيعة الدين
كيف نحل إشكالية المطلق والنسبي في الدين الإسلامي ؟
في رأيي إن أسئلة كبري كهذا هي إشكاليات جدلية أكثر منها أسئلة يمكن الإجابة عليها بصورة نهائية. إن معرفتنا وخبرتنا بالمطلق تجعله نسبيا لخبرتنا وتقيده بحدود فهمنا وتجربتنا البشرية وكلما علمنا جزءا من المطلق دخل في حيز النسبي وانفتح لنا مجال جديد للمطلق الذي يمكن أن نسعي إليه.
الفهم والتجربة الإنسانية لا تزيل القداسة عن الجزء الذي ندركه من المطلق, لكن ما هو نسبي هو معرفتنا وتجربتنا نحن البشر للمقدس
بمعني آخر, القرآن هو دائما مقدس ومطلق, لكن ما نفهمه نحن البشر منه نسبي ومحدود بقدراتنا البشرية الناقصة. وهذه الفكرة واضح في الآيات الاولي في سورة' الزخرف
حم1 والكتاب المبين2 إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون3 وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم4.
صحيح أن هناك ايات محكمات هن ام الكتاب ولكن من يملك السلطة الروحية ليقرر بصورة حاسمة وملزمة الآخرين ما هي الآيات المحكمات وماذا تعني. لكل منا الحق في قبول هذا الرأي أو ذاك في هذه المسائل الخطيرة في أمور الدين وعلي مسئولية الفردية لكن لا يحق لأي منا فرض رأيه علي الاخرين من خلال سلطة الدولة
كيف نحل الخلاف بين فردية الدين وجماعيته؟ وهل نزل الدين للفرد أم للجماعة ؟
الفردية هي مدار التكليف الديني والاخلاقي لأن الفرد الذي يعتبر فاعلا أخلاقيا حرا هو غاية كل الوسائل, والمجتمع هو أكثر الوسائل فعالية لإنتاج هذا الفرد. الدين نزل دائما من أجل الفرد, ولا يمكن فهمه وممارسته إلا بواسطة الفرد. فالمجتمع ليس كيانا يمكنه التفكير أو الاعتقاد أو الفعل. المجتمع هو مفهوم مجازي. إنه مجتمع من المؤمنين, وليس مجتمعا مؤمنا.
ولكن كثيرا من المفسرين يرون أن خطاب القرآن موجه الي المؤمنين كجماعة ؟
التأكيد الذي نجده علي توحد الجماعة, والعمل الجمعي ضرورة سياسية واجتماعية, لكن هذا لا يحيل المسئولية الدينية من الفرد الي الجماعة ككيان اخلاقي مستقل عن اعضائه من الافراد. التكليف الديني اكرر ذ محاسبة لكيان مجتمعي وانا اركز علي الفرديةلانها تمكن من التغيير المطلوب الذي يبدا دائما بالفرد وينتهي بالفرد وان كان الفرد يعتمد علي الجماعة في عيشه وأمنه.
ولكن الإسلام صار عند البعض هوية و دينا؟
اعود الي ما ذكرته من قبل من مقولة المفكر مالك بن نبي التي تؤكد ان الاستعمار هو نتيجة الضعف الداخلي وليس السبب وراء ذلك فاذا كان المجتمع ضعيفا فلا تجدي الهوية ولا يمكن لها ان تكون سفينة نوح التي تحمي المجتمع
الاسلام دين في المقام الأول ثم بعد ذلك يمكن ان يؤثر علي الهوية ولكن الخلط بينهما يضعف دور الدين كدين ويضعف اثره الايجابي علي الهوية فلو قلنا ان الاسلام هوية ثم نري الاختلاف بين الاسلام في غرب افريقيا وفي الشرق الأوسط وفي جنوب شرق اسيا فهل يمثل هذا التعدد في الهويات تعددا في الاسلام
نحن بحاجة لدعم الاسلام لهوية كل مجتمع ولكن هذا يقتضي الفهم الصحيح والممارسة الواعية للاسلام وليس بالتمني
فشلت تجربة الحكم الاسلامي في السودان بسبب فساد التفسير أم كان السبب فساد الفكرة ذاتها وهل يمكن تعميم الفشل من عدة تجارب ؟
كما شرحت في الفصل السابع من النسخة العربية لكتابي' الإسلام وعلمانية الدولة', فما فشل في السودان هو مفهوم وامكانية ما يسمي ب' دولة إسلامية', وليس التجربة المحدودة بالسودان. المسألة هي أنه ليس هناك' دولة إسلامية' ولا يمكن ان تكون لأن المفهوم نفسه متناقض.
والتناقض الجوهري للدولة الدينية هو انها تزعم بالحكم الالهي المقدس بواسطة البشر وهم مجبولون علي الخطأ والهوي والاختلاف فيما بينهم مع اصرار كل منهم علي ان الحق معه و والباطل بالضرورة واقع علي من يختلف معه والزعم بالدولة الدينية ادعاء باحاطة البشر بعلم الله وحكمته وهو زعم باطل دينيا وعقلانيا فكل ما هو في تجربة الانسان بشري وناقص وقد خرج من قدسية الدين.
الدولة مؤسسة سياسية لا يمكن أن يكون لها معتقد ديني. وليس هناك اتفاق علي ما يفترض أن تعنيه الدولة الإسلامية ولا يوجد من يقدر علي الحكم المحايد المتجرد من الغرض السياسي علي ما اذا كانت الدولة اسلامية ام لا, ويكفي هنا ان نقارن بين السعودية وايران وكل منهما تزعم انها دولة اسلامية.
وكيف تري نظام الدولة في السعودية وهل هو سياسي ام ديني ؟
الملكية في السعودية نظام سياسي, وليس دولة دينية لايمكن لأي دولة أن تكون' دينية', رغم أن بعض الدول يمكن أن تكون أفضل, أكثر عدلا وديمقراطية من غيرها.
ودع كل منا يسأل نفسه هذا السؤال الصادق: هل أريد أن أعيش في السعودية أم في الهند أو إندونيسيا؟ دعنا ننظر أين يذهب من يسمون بالإسلاميين عندما يتعرضون للاضطهاد من قبل حكوماتهم؟ إلي أين لجأ الخوميني و راشد الغنوشي كمنفي ؟ لقد ذهبوا إلي فرنسا وبريطانيا, وليس الي اي دولة ذات أغلبية إسلامية.
لماذا تري أن الدولة الإسلامية فكرة' مستحيلة' مع انها طبقت في أيام الأمويين والعباسيين- ؟
إن نموذج الدولة الإسلامية التي يطالب بها الإسلاميون هو نموذج الدولة القومية الأوروبية, لذلك أقول إن خطاب' الاسلامية' خطاب فترة ما بعد الاستعمار. نموذج الدولة هذا لا يمكن أن يكون إسلاميا لأنه ليس هناك صفة متفق عليها لما يعنيه ذلك؟ فمن يملك الحق والسلطة للحكم ما إذا كانت الدولة إسلامية أم لا؟ ومن يمكنه إصلاح مفارقات الممارسة والنظرية.؟ هذه الصلاحية تمنح لمن يسمي بالمرشد الأعلي في إيران, لكنه بشر يصل إلي هذا المركز عن طريق السياسة وليس عن طريق أمر إلهي. فمن يصحح أخطاء المرشد الأعلي حين يخطئ؟
إن النبي محمد صلي الله عليه وسلم فقط هو المعصوم لأن القرآن كان يصححه اذا اخطأ وليس هناك وحي بعد النبي فكيف يمكن تصحيح أخطاء هؤلاء الذين يدعون أنهم يحكمون باسم الإسلام ؟ وما اذا كان تقويمهم سيتم عن طريق السياسة, إذن فهي ليست مسألة دينية. الحقيقة الدينية لا يمكن أن تتأسس بالاغلبية, و بينما القرارات السياسية يجب أن تكون علي أساس الأغلبية في النظم الديمقراطية او علي اساس تسلط الفرد او الجماعة الحاكمة بالقوة القهرية لأن النظام غير الديمقراطي يعتمد بالضرورة علي الاكراه فكيف يكون الاكراه اساسا للحق الديني.
إن فكرة الدولة الإسلامية مستحيلة لأنه ليست هناك وسيلة لتأكيد التزام الدولة بمواصفات كونها إسلامية. فلنفكر في حقيقة أن إيران والسعودية تدعيان أنهما إسلاميتان, بينما كل منهما بالنسبة للأخري خارجة عن الملة.
و دولة المدينة بعد إنتقال النبي عليه الصلاة والسلام الي الرفيق الأعلي كانت سياسية وكانت أفضل دولة ممكنة في التاريخ الإسلامي لأنها كانت تحكم بواسطة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم, الذين كانوا أفضل مسلمين في تاريخنا. كان الخليفة يتخذ القرارات ويطيعه الآخرون لأنه كان الخليفة, وليس لأنه كان صحيحا دينيا حيث انه لا يوجد إنسان يعرف ما هو الصحيح دينيا. كل ما نعرفه هو ما نعتقد أنه صحيح, لكنا لا نستطيع أن نؤكد أنه الصواب حقا مع الله كما نعتقد مع أنفسنا.
واصبحت الدولة ملكية بعد30 عاما أي بعد دولة المدينة.فكل الدول في التاريخ الاسلامي كانت سياسية ولم يكن من الممكن لها ان تكون دينية فالخليفة يتم تعيينه لأن والده كان خليفة من قبله, وليس بناء علي معرفته الدينية أو تقواه. وحيث أن رأس الدولة والحاكم المطلق يتم اختياره بهذه الطريقة, فكيف يمكن لبقية الدولة أن تكون إسلامية بأي معني حقيقي
المستقبل
تقول إن الشريعة ستلعب دورا مهما في مستقبل الأمة كيف وأنت تدعو إلي إبعادها عن الدولة ؟
الشريعة لها مستقبل مزدهر عندما تمارس بأمانة وصدق وحق في المجتمع, وليس عندما تقوم الدولة بتطبيقها قسرا. بمعني أن إبقاء الشريعة خارج الدولة والدولة خارج الشريعة أفضل بالنسبة لكلتيهما. والخلط بينهما سيء بالنسبة لهما معا.
ما معني تطبيقها بصدق وبامانة ؟ هل يمكن ابعاد الشريعة مثلا في مسألة ربا البنوك او مسألة المواريث ؟
تطبيق المسلم للشريعة بصدق وامانة يعني انه اختار عدم التعامل بالربا رغم أن الدولة لا تحرم الربا في القانون المدني واذا حرمت الدولة الربا قانونا فيجب أن يكون ذلك علي اسس اقتصادية واجتماعية عامة وليس لأن الربا حرام علي المسلمين وبما أن تحريم الدولة اذا حدث انما يكون بالقانون المدني فيمكن الغاؤه في المستقبل بقانون مدني ايضا
وفي مسالة المواريث يكون القانون المدني ساريا في محاكم الدولة واذا اختار المواطن ان يلتزم بالحكم الشرعي فعليه ان يفعل ذلك خارج اطار محاكم الدولة فقانون المواريث والاحوال الشخصية علماني مدني حتي لو ادعي تطبيق الاحكام الشرعية لان قرار التشريع قرار سياسي.
ولنفهم مسألة العلاقة بين الاحكام الشرعية والقانون المدني لننظر الي الفرق بين الفعل وصفته الاخلاقية او القانونية, فالسرقة جريمة تحت القانون المدني وهي ايضا ذنب من الناحية الدينية ولكنها ليست جريمة لانها ذنب وليست ذنبا لانها جريمة فالصفتان منفصلتان تماما رغم انهما تنطبقان علي الفعل نفسه
فاذا تمت معاقبة فعل السرقة في القانون الجنائي المدني, فان هذا سيتم تطبيقه كقانون عام يسري علي جميع المواطنين بالتساوي بغض النظرعن الدين, اي يمكن تطبيقه علي غير المسلمين لانه قانون تم تشريعه بطريقة ديمقراطية ويمكن الغاؤه بطريقة ديمقراطية ايضا. اما اذا كان الزعم بان الحدود تعاقب الاخطاء لانها حرام دينيا فهذا لا يجوز تطبيقه علي غير المسلم لانه لا يقبل الدين نفسه
تقول بعلمانية الدولة في الوقت الذي منح الربيع العربي فرصة هائلة للدولة الاسلامية لمن تنشد مزاميرك يا بروفيسور ؟
إن إقبال عهد الحكومة الديمقراطية هو أفضل وقت لطرح أسئلة ومناقشات كتلك التي أسوقها الان هناك فرصة للمناقشة والتجربة. دع الإسلاميين يصعدون للسلطة ديمقراطيا, وسيفشلون ويعدلون آراءهم. هكذا تبني تقاليد السياسات الديمقراطية في كل مكان. الديمقراطيون المسيحيون في ألمانيا أدركوا أنهم يريدون قيمهم المسيحية في دولة علمانية, كالحزب الجمهوري في أمريكا. أنا لا أدعو إلي تقليد أي من هذه التجارب, ولكن أريد أن يكون لمصر تجربها الخاصة ونموذجها, وكذلك تونس
وماذا لو اختار الناس بطريقة ديمقراطية نموذج الدولة الدينية ؟
اكرر ان الدولة الدينية وولاية الفقيه مفاهيم متناقضة ومستحيلة التطبيق فاذا كان هذا هو خيار شعب فسوف يتعلم من هذا الخطأ, ولا سبيل لتجنب الشعب تبعات اختياره الديمقراطي, ولكن خياره لن يصبح صحيحا لمجرد أنه ديمقراطي
الاستنتاج الذي توصلت إليه من قراءتي لكتابك أن علمانية الدولة تكاد تكون فريضة اسلامية؟
نعم, استنتاجك صحيح والقضية عندي ليس فقط في استحالة وهم الدولة الإسلامية بل في ضرورة علمانية الدولة المحايدة تجاه الدين هذا المنهج هو الضمان الوحيد لصحة وصدق ممارسة المسلمين للاسلام ولذلك فعلمانية الدولة فريضة اسلامية بالمعني الحضاري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.