أدى استخدام القوة لفرض الخيارات السياسية إلى فراغ في السلطة التنفيذية في اليمن بشقيها الرئاسي والحكومي، بعد تقديم حكومة الكفاءات برئاسة خالد بحاح استقالتها وتلتها مباشرة استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي الخميس الماضي. بعد هذا المنعطف الخطير والذي يكاد يعصف بالعملية السياسية تدخل البلاد في فراغ سلطة وتسود على الأرض سلطة القوة التي تحاول فرض خياراتها في سياقات متعددة منها الأمنية والسياسية. ناشد الحزب الاشتراكي اليمني في بيان له حينها الرئيس والحكومة بالتريث في تقديم استقالتيهما. كما ناشد الأطراف السياسية كافة وعلى وجه الخصوص حركة أنصار الله أن يعطوا جل اهتمامهم لما يمكن أن يصيب البلد من كارثة جراء هذا الاحتداد في تصاعد الأزمة. بحثت القوى السياسية والرعاة الدوليون للعملية السياسية اليمنية خيارات ممكنة لحل الأزمة والعودة الى المسار السياسي للحيلولة دون الانزلاق في وهدة الفوضى. وفي هذا الصدد طرحت العديد من الخيارات وكل طرف يميل للخيار الذي يجد هدفه ومصالحه فيه وساد تبدلات في المواقف حول خيارات الحلول للأزمة وفراغ السلطة. كان ناطق المشترك الدكتور محمد صالح علي أوضح في تصريح لصحيفة عكاظ السعودية أن أحزاب المشترك توافقت على خيار العودة للتوافقات السابقة وعدول الرئيس هادي والحكومة عن الاستقالة مع توفير شروط وضمانات ملزمة لجميع الأطراف لتنفيذ الاتفاقات الموقعة عليها القوى السياسية. قيادات في المشترك رأت ان الذهاب باتجاه هذا الخيار يعمل على إحياء العملية السياسية، والعودة اليها ونقل ثقل القوة إلى مجال العمل السياسي، إضافة الى ان الشارع اليمني محل إجماع على رفض الانقلاب على العملية السياسية ويتوق لعودة الهدوء للحياة العامة ليستطيع تسيير حياته اليومية بشكل اعتيادي. وقالت إنها تنحاز لهذا الخيار ليس لأن هادي هو الحل ولكن لأن خيار بقاء هادي يتسق مع العملية السياسية مع إصلاح جملة الاختلالات التي أوصلت العملية السياسية الى هذا الانسداد. ورفضت الخيارات الأخرى لطبيعة التركيبات والتعقيدات السياسية ولأن هذه الخيارات ستمر عبر صفقات وستكون القوى السياسية اذا ما تم تشكيل مجلس رئاسي في وضع ينعدم فيه توازن القوة مجرد تمثيل شكلي ومن يمتلك القوة هو من يستطيع تمرير مشاريعه، وستتحمل القوى السياسية تبعات المرحلة كلها، وخاصة ان هناك ترتيبات تجري لعودة النظام القديم. وتسعى القوى السياسية إلى وضع شروط وضمانات تعمل على الدفع بتنفيذ الاتفاقات، في حال التوافق على خيار ما يمضي بالمسار السياسي قدماً، وترفض كثير من الأطراف السياسية ان تكون غطاء سياسياً لسلطة القوة التي ستفرض خيارات مشروعها الذي يبتعد عن المشروع الوطني بكل تجلياته ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً. والتي خاضت نضالاً كبيراً لصالح مشروع التطور الوطني بالطرق السلمية. تنطلق بعض القوى بنوازع ثأرية تجاه الرئيس هادي وبالتالي في تحديد خياراتها غير مدركة ما ستؤول اليه الأمور حيث اتجه الحوثيون بقوة نحو خيار الاعلان الدستوري وتشكيل مجلس رئاسي فيما اتجه المؤتمر نحو خيار الذهاب لمجلس النواب وقبول استقالة هادي، وتؤول سلطة الرئيس الى رئيس المجلس يحيى الراعي. المؤتمر الشعبي العام يدفع بقوة نحو هذا الخيار، لأن أهدافه ومصالحه متوفرة فيه فهو من يسيطر على البرلمان وبأغلبية، في حال تم تمرير أي قرار خارج سياق التوافق الذي نصت عليه المبادرة الخليجية. لكن كما يبدو فإن خيار المؤتمر الشعبي وهو في الأساس خيار علي صالح قد فشل بعد إعلان نواب المحافظات الجنوبية وكتل المشترك مقاطعة جلسة البرلمان وكذا فشل مفاوضات المؤتمر مع الحوثي ووصولها إلى طريق مسدود بعد فشل وفد علي صالح الذي أوفده الى صعدة برئاسة عارف الزوكا السبت الماضي للتفاوض مع زعيم جماعة الحوثي عبدالملك بدر الدين الحوثي. ظهر أن مواقف بعض القوى السياسية متبدلة ومحكومة بحسب ما تمليه عليها مصالحها، حيث تعمل على تحركات حثيثة لاحتمالات بناء اتفاقات حول خيارات تعمل على نسف ما تم التوصل اليه في العملية السياسية والعودة بها الى نقطة البداية. تسيطر جماعة أنصار الله على كل مقدرات القوة في البلاد وتحكم قبضتها على كل مؤسسات الدولة مدنية وعسكرية وأمنية وبمساندة قيادات عسكرية تدين بالولاء ل«صالح» وتمارس الجماعة قمعاً وحشياً واعتقالات لناشطين ينفذون احتجاجات ضد خيارها في استخدام القوة لفرض خياراتها، إضافة الى الحصار والإقامة الجبرية الذي تفرضه على عدد من المسؤولين بمن فيهم الرئيس هادي ورئيس الحكومة وعدد من الوزراء منذ تقديم الاستقالة الخميس الماضي. قوى سياسية عدة من ضمنها الحزب الاشتراكي اليمني عملت وتعمل على إيجاد أسس للتعاطي مع أي خيار لحل الأزمة مع ضمان معالجات جميع الاختلالات التي أدت الى هذا الوضع، وفق المرجعيات والاتفاقات السابقة التي أنجزت في مؤتمر الحوار الوطني، واتفاق السلم والشراكة الوطنية والهيئات المنبثقة عنهما والمتمثلة بالهيئة الوطنية العليا لمتابعة تنفيذ مخرجات الحوار، ولجنة متابعة وتفسير اتفاق السلم والشراكة. وترى أن أهم هذه الأسس ما يمنع عودة القوة السلطوية القديمة أي ما قبل ثورة الشباب الشعبية السلمية في 2011. وطالبت هذه الأحزاب وفي مقدمتها الحزب الاشتراكي اليمني الذي أعلن في بيان له رفع الحصار المفروض على الرئيس هادي ودار الرئاسة ورئيس الحكومة والوزراء في الحكومة المستقيلة والإفراج عن المعتقلين ووقف استخدام العنف والقوة في قمع المسيرات السلمية وتطبيع الأوضاع الأمنية لإيجاد بيئة ملائمة للحوار تستطيع معها القوى المتحاورة التوصل لحلول ناجعة للأزمة. كانت القوى السياسية في اللقاء المشترك خاضت حواراً حول خيارات حل أزمة فراغ السلطة الذي سببته استقالة الحكومة والرئيس هادي مع جماعة أنصار الله لكنها أوقفت الحوار بسبب ما سمته عنجهية الحوثيين المسلحة. يرى سياسيون أن كل الخيارات المطروحة للحل لا معنى لها في الواقع طالما بقت على الأرض سلطة القوة بيد المليشيات وتعمل خارج سياقات الدولة، وان كل خيار سيذهب الى الفشل، بعد ان أحدثت المليشيات كل هذا الخراب بالعملية السياسية. فيتوجب أولاً لنجاح أي خيار ان تكون سلطة القوة التي بيد المليشيات تحت أجهزة السلطة وتشرف عليها القيادة السياسية للبلد، لتلافي أي ازدواج للقوة قد تعمل على تعطيل العملية السياسية والانقلاب عليها مرة أخرى. خاض الحوثي معاركه الأخيرة بوتيرة متسارعة وبدون أي أفق سياسي محسوب آلت جل نتائجها لمصلحة علي عبدالله صالح، وقرئت هذه النتائج على أنها كانت بتنسيق بين الطرفين. حيث أثبت سقوط دار الرئاسة أنه لم يكن بقوة الحوثي ولكن بتخلي الوحدات العسكرية التي كانت مسؤولة عن حمايته عن مسؤوليتها العسكرية حيث ما زالت هذه الوحدات تدين بالولاء لصالح ونجله الذي كان قائداً عليها، فكيف يفسر تسليم كل الأسلحة الثقيلة بما فيها 280 دبابة للمليشيات التي اقتحمته يوم 19 يناير. حتى محاصرة منازل المسؤولين بمن فيهم الدكتور محمد المخلافي صب في صالح النظام القديم حيث اشتهر المخلافي بمقارعته لعلي عبدالله صالح ومطالبته باسترداد أموال الشعب المنهوبة وإقرار قانون العدالة الانتقالية. رست المشاورات التي رعاها المبعوث الأممي جمال بنعمر إلى التوافق على تشكيل مجلس برئاسة هادي واستمرار حكومة بحاح في تصريف الأعمال الى حين تشكيل حكومة إنقاذ وطني. ما يخشى منه التوافقات النفعية التي قد تنشأ وتأخذ شكل التحالفات والتي ستقضي على ما تبقى من العملية السياسية، مع ما يلوح في الأفق من صراع إرادات قضت إرادة ثنائية على إرادة الرئيس هادي ويبدو أن هذه الإرادة الثنائية بدأت بالانقسام بعد فشل وفد صالح الى صعدة، وتبني أطراف دولية الذهاب لمجلس النواب لحسم استقالة هادي، مع إصرار الحوثي على خيار الاعلان الدستوري وتشكيل مجلس رئاسي. مع إعادة التموضعات للإرادات السياسية المنقسمة كل في المكان الأقرب للمصلحة والهدف يبدو ان البلاد ستدخل دورة جديدة من الصراع لتحسمه الإرادة الأقوى لصالح مشروعها، وهذا ما قد يدخل البلاد في دوامة صراع طويلة الأمد تذهب معها ما أنجزته العملية السياسية أدراج الرياح.