لم يعد يطاق حق الفيتو للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن..ذلك انه يقوض دور الأممالمتحدة ، ويجعل العالم مرتعا لعدم تحقيق الأمن والسلم الدوليين. وبالأمس صوت مجلس الأمن بأغلبية ساحقة ، لصالح مشروع قرار ، يدعو لوقف الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية ، بعد محاولة مصر الصادمة لتأجيل التصويت على القرار الذي ساهمت فيه وتبنته، ثم قامت بمحاولة سحبه، بناء على ضغوطات أمريكية وإسرائيلية. لكن 14 دولة من الدول الأعضاء في المجلس والبالغة 15دولة ، صوتت لصالح القرار، بمافيهم مصر التي تحظى حاليا بعضوية غير دائمة فيه، بينما امتنعت أمريكا عن التصويت. كانت مصر ، قد انسحبت من تبني القرار في اللحظة الأخيرة ، لتصر على تبنيه فنزويلا وماليزيا والسنغال وتايلاند.. وإذ قوبل موقف تلك الدول ببالغ الإحترام طبعا على الصعيدين الفلسطيني والعربي، بدا الارتباك الديبلوماسي العربي المصري غير مبرر على الإطلاق . ذلك ان هذا الحدث التاريخي الفارق، الذي يأتي في مرحلة تحولات سياسية عاصفة بالمنطقة والعالم ، كان يجب أن يخلد ببعده العربي المصري خصوصا ، وبغض النظر عن ان إسرائيل كعادتها في مواصلة انتهاكها، على مرأى ومسمع من القوى الدولية. والحال أن ثمة غباوة في الحسابات، وضحالة في الأفق وغياب للإرادة كذلك.. فمحاولة تأجيل مصر لعملية التصويت المقررة لقرار كهذا -كانت هي المساهمة الرئيسية فيه -ومن ثم سحبه وعدم تبنيه، سيبقى في ذاكرة التاريخ مجرد تصرف أحمق، حتى وإن صوتت لصالحه مصر كغالبية الدول في مجلس الأمن لاحقا..بمعنى آخر كان يجب أن يخلد القرار بتبنيه من مصر، نظرا لما يحمله من أبعاد ودلالات قيمية ورمزية .ثم ان التاريخ لايرحم كما نعرف. و الأرجح ان مصر أرادت مراضاة الجميع، إذا جاز التعبير..الفلسطينيون وإسرائيل والامريكان..ولهذا تبنت القرار وفي اللحظة الأخيرة تراجعت.. بينما قامت بتبنيه 4 دول أخرى ليتم إقراره بالأغلبية ، وحتى مصر صوتت لصالحه أيضا ..إلا أن مراضاة الجميع، هو الأسلوب الانفصامي الذي قد ينجح مرة، فيما يخسر كثيرا فقط. والثابت انه منذ عام 1948، وفلسطين مثخنة بالقرارات الأممية المتعددة التي تدين الإحتلال، لتبقى المشكلة فيمن يطبق قرارات أمم متحدة، ذات مجلس أمن ، تتحكم فيه خمس دول دائمة العضوية وانحيازية غالبا. وحتى مع هذا القرار الأخير الذي نال إجماعا غير مسبوق في المجلس، سيبقى فارغا ، مالم يتم تنفيذه على الأرض ..سيبقى فارغا وسخيفا وحقيرا ، بل ويؤكد فقط، تلك المهزلة العالمية التي اسمها أمم متحدة. ففي السياق : صارت تلك الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية " الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن " هي أصل الإستبداد في النظام العالمي اليوم، كما انها تكرس عدم التحول العالمي للديمقراطية في كل الأنظمة وليس داخل المنظمة الدولية فقط . المضحك بحق، هو ان دعوات إصلاح الأممالمتحدة تصطدم بحق الفيتو أيضا ! لكنه الفيتو الذي صار وسيلة لتلك الدول التي تشرف على الحروب والفوضى في العالم لصالح مصالحها. .الفيتو الذي يضحك على العالم بكذبة بشعة كمجلس الأمن، بينما لايحق للدول الأعضاء غير الدائمة فيه إتخاذ القرار النهائي ، وبالتالي لايحق لأكثر من 190 دولة عضوة في الأممالمتحدة إتخاذ ذات القرار أيضا. وببساطة.. ستستمر مآسي الحروب والإرهاب في العالم ، مالم تتغير صيغة الإذلال واللامساواة العالمية تلك ..ويوما ما، ستشتعل ثورة تمرد عالمية ، على هذا النظام الذي يرفض إيجاد نظام أمن عالمي جديد وفاعل ومبدأي وأخلاقي . إن العالم بحاجة قصوى لمجلس أمن لاتسيطر فيه النزعات الاستعمارية ..وتحديدا لمنظمة أممية بدون حق نقض غير ديمقراطي ..لمنظمة تفرض الأمن للعالم ولاتكرس نقض الحق. آلاف من الفظائع العنفية التي اندلعت في العالم ، وتسببت بكوارث إنسانية لاتوصف، كان يمكن تفعيل قرارات مجلس الأمن تجاهها وصدها، قبل أن يتم مباركتها بحق النقض المقيت. لذلك كله فإن حق الفيتو هو أبو الإرهاب العالمي للدول الخمس التي تخادع بحمايتها للسلام ، وتلعب بالعالم وفق مبدأ ثيوسيديس الشهير : "القوي يفعل ما يشاء بينما الضعيف يعاني كما يفترض به" . وهكذا..حتى مع التصويت الساحق وعدم استخدام النقض لصالح القرار الأخير ضد إسرائيل، سيبقى قرار وقف الاستيطان ، محاصرا بين الارتباك العربي والخلل الأممي للأسف..بين الاستلاب العربي الرهيب وبين انحراف الدول الكبرى المهيمنة عن معايير الحق الإجماعية والسلام العادل . قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet