أقر مجلس الوزراء نظاماً يقضي بإلزام المواطن باستخراج بطاقة مدنية بعد سن ال15، وهذا القرار يشمل للمرة الأولى المرأة، حاسماً حق حصول المرأة على بطاقة هوية مستقلة عن ولي أمرها، بعد معركة استمرت 30 عاماً بين شدّ وجذب من التحريم إلى اعتبارها ضرورة وحقاً. لكن هذا القرار لم يكن مقدراً له أن يخرج إلى النور لولا تسوية مع الطرف المنازع، وقد اتضح ذلك في قرار وزارة العدل التي أعلنت عن موازنتها الكبيرة التي قدرت بالبلايين، ويبدو أن جزءاً منها - كما أعلن - صرف على نظام بصمة إلكترونية للمرأة تعفيها من كشف وجهها أمام القاضي لإثبات هويتها، مضافاً إليها رقم البطاقة المدنية، وهذا يعني أن المرأة تحتاج إلى تضافر «نظامين» كي تثبت هويتها. من الواضح اليوم أن وجود تسعة ملايين امرأة في المجتمع السعودي جعل ملفهن معقداً، فهو من ناحية مجتمع نسائي مغطى، لكنه من ناحية يجب أن يكون مكشوفاً ويعلن عن هوية واضحة في حضوره الأمني والعدلي على الأقل، وضرورة الكشف هذه أوجبها استغلال المنظمات الإرهابية - وأولاها «القاعدة» - لخاصية غطاء المرأة، فصاروا يتنكرون بلباس امرأة تغطي وجهها، ولا يجرؤ أحد على طلب كشفه، ثم وظفوا بعض النساء لأنه يصعب التعرف إلى هويتهن بسبب غطاء الوجه ضمن عناصر الخلايا الإرهابية، وقد كشفت بعض المواجهات الأمنية أكثر من مرة تورط نساء، ولعل أشهرهن «سيدات القاعدة» اللاتي أصبحن نجمات في بعض الحوادث. إذاً البطاقة جاءت حسماً لمسألة أمنية في المقام الأول، وليست تجاوباً مع تطور ملف مواطنة النساء، وليست أيضاً كمطلب عدلي ينظم ويمنع حوادث تزييف هويات النساء وسرقة حقوقهن، ومع هذا فإن مؤسسة القضاء هي أولى المؤسسات التي رفضت التعامل مع بطاقة المرأة، لأن القاضي يرفض النظر إلى وجه المرأة لمطابقة هويتها، وترفض مؤسسة العدل أيضاً توظيف نساء لمطابقة الشخصية داخل المحاكم، فيلجأ القاضي إلى حلّ بدائي وهو أن تُحضر المرأة في كل مرة تحتاج إليه رجلين شاهدين يشهدان بأن هذه هي فلانة، من غير الرجل الذي تريد أن توكله على تجارتها أو المعقب الذي يراجع الوزارات عنها مثلاً، ومن غير ولي أمرها، أي أن المرأة تذهب بصحبة فريق من الرجال كي تنجز قضية بسيطة في محكمة! وأحياناً يمكن الاستعانة برجل يقف قرب المحكمة لا يعرفها، لكن شهادته لأنه رجل كافية طالما أنها لا تكشف وجهها.
أغرب ما في الأمر أن أول مكان طبّق فيه نظام البصمة الإلكتروني كان في جدة، على رغم أن أهل الحجاز لا يتبعون كلهم الرأي الفقهي الذي يقضي بغطاء الوجه، وإذا زدنا عليه أنه حتى في المذهب الذي لا يجيز كشف الوجه توجد استثناءات لكشف المرأة وجهها والنظر إليه، أولها الضرورة، ومنها التعامل التجاري، فكيف يعرف التاجر من باعه واشترى منه إن لم ينظر إلى وجهها، فما بالك بالقاضي؟ الموقف العدلي من الوجه لا يتوقف عند وجه المرأة، فالقصة تزداد تعقيداً لو عرفنا أن بعض موظفي العدل لا يضعون صورهم على بطاقة إثبات الهوية، لأنهم يتبعون مذهب تحريم التصوير الفوتوغرافي، ويحق لهم الحصول على استثناء، ولذلك فإن سيدة جاوزت ال60 سنة عندما وقفت أمام القاضي ومعها بطاقتها ومعرّفان، طلب القاضي بطاقتها كي يسجل رقمها لا ليتأكد من صحة الهوية، فنظر إلى البطاقة فوجد صورتها، فنظر شزراً إلى ولدها الكبير ثم قال: لماذا تترك وجه أمك مكشوفاً؟ * الحياة