المشادة الكلامية بين حبيب بجاش والقيادي الاشتراكي عبدالله نعمان إثر حديث الأول وهو قيادي إصلاحي عن مراجعة مسار الوحدة ومغازلة أبناء المحافظات الجنوبية لم يكن مجرد تباين في وجهات النظر الشخصية، بل إن ذلك يعكس بعض الاجتهادات الواضحة في رؤية أحزاب «المشترك» كل على حدة إزاء قضايا جوهرية على الساحة الوطنية، ومنها الوحدة وباقي الثوابت الوطنية. وحسب قول الشيخ جابر عبدالله غالب القيادي المؤتمري، فإن تلك الاجتهادات تصل إلى حد التباينات القائمة تحديداً بين «الإصلاح» و«الاشتراكي» من حيث إدراك الاشتراكي المرامي البعيدة التي يحضّر لها الإصلاح لاستغلال عناصر وقواعد المشترك في الاستحقاقات الانتخابية القادمة. ويعرف الاشتراكيون أكثر من غيرهم، بأن شهر العسل مع «الإصلاح» لن يطول كثيراً، فهم يدركون أن التحالف مع «الإصلاح» محكوم بسقف الانتخابات القادمة.. وأن ثمة استراتيجية خفية للإصلاح للاستفادة قدر الإمكان من التحالف مع أحزاب لا تزال بعض قيادات الإصلاح تعتبرها علمانية وملحدة «!» وذلك بحصد أكثر الأصوات الانتخابية وبخاصة في المحافظات الجنوبية والشرقية. ولا يخفي بعض قيادات «الاشتراكي» من أن «الإصلاح» كان العدو رقم «1» أيضاً في معارضة قيام الوحدة.. وكان العدو رقم «1» في مقاتلة «الاشتراكي» صيف 1994م، وذلك لرغبته في الاستئثار بحصته في السلطة مع المؤتمر الشعبي العام إذا ما تم إقصاء الاشتراكي عن الحكم. ولا ينسى «الاشتراكيون» أيضاً الفتاوى الشرعية بتكفير أبناء الجنوب وشن حملة تصفية واسعة بعد حرب صيف 94م شملت إلى ذلك اتباع سياسة «الفيد» التي قضت على الأخضر واليابس، بل وامتد ذلك إلى فرض قيود صارمة على الحريات الشخصية بعد الحرب في كل من عدن والمكلا.. وكان الإصلاحيون يستجوبون المارة من مواطني هذه المحافظات عن أدق التفاصيل الحياتية ويعترضون الأسر في المتنزهات للفصل بينها بعذر عدم حمل عقد النكاح أو ما يثبت صلة القربى! وثمة صور كثيرة أنكأ مما ذكرت لعل أثقلها مرارة على الاشتراكيين مصرع القيادي البارز جار الله عمر في عقر دار «الإصلاح» وعلى يد أحد متطرفيه الذي صرح عقب الحادثة بأن الرصاصات لم تكن كافية لقتل بقية العلمانيين والاشتراكيين على حدٍ سواء! المشهد الدراماتيكي الذي أعقب محاضرة القيادي الإصلاحي حبيب بجاش في تعز منذ أسبوع بقيام القيادي الاشتراكي عبدالله نعمان بالرد عليه لا يعطي انطباعاً عن حرص «الاشتراكي» على الدفاع عن الثوابت الوطنية ومنها الوحدة.. خاصة وأن «الاشتراكي» رغم خطابه الإعلامي الوحدودي القوي لم يثبت بالوقائع أنه منحاز إلى الوحدة، خاصة وأن تياراً منه لا يزال يردد بضرورة تصحيح مسار الوحدة على الرغم من مضي ستة عشر عاماً على إعادة تحقيق وحدة الوطن. ومن يراجع التاريخ القريب في سفر الوحدة اليمنية سوف يلاحظ مدى تشبث الحزب بالمسار الانفصالي على الرغم من تقديمه خطاباً إعلامياً وحدوياً، ويكفي للدلالة على ذلك إعلان «الحزب» مشروع الانفصال صيف 1994م.. وما تلاه من تراجع جعل من «الاشتراكي» منافحاً عن الدولة الانفصالية غير مكترث البتة بالانخراط في العملية السياسية واللعبة الديمقراطية سواء كان ذلك بمقاطعته الانتخابات تارة أو وضعه شروطاً تعجيزية للانخراط في الاستحقاقات الانتخابية القادمة تارة أخرى. اجتهاد القيادي الاشتراكي في الرد على الطروحات الإصلاحية الجديدة ينم عن نقاء سياسي لهذا القيادي.. وكما أنه موقف لا يعكس اتجاه الحزب إلا أنه يكشف عن تعددية في الاجتهادات المناهضة لطروحات «الحزب» من داخله إزاء الوحدة والقضايا ذات الصلة بالسيادة والثوابت الوطنية. أما «المكارثية» السياسية في خطاب «الإصلاح» الجديد فهي مكشوفة على الأقل للاشتراكيين الذين ذاقوا الأمرين من هذا الحزب.. وهم في الواقع غير واثقين في سلامة استمرار «الحبل السري» الذي ربط بين أحزاب الشتات فيما سمي «بأحزاب المشترك» وعلى حد أقصى بُعيد الانتخابات القادمة. ويفهم من الخطاب الجديد «للإصلاح» خاصة إزاء الحديث عن أوضاع المحافظات الجنوبية في هذه الآونة استدرار عطف أبناء هذه المحافظات للاستحواذ على أصواتهم الانتخابية خلال مرحلة الاستحقاقات الانتخابية القادمة.. وإن كان ذلك على حساب «الاشتراكي» وباقي الأحزاب التي لها ثقل في هذه المحافظات «!» وهي واحدة من المثالب التي يأخذها «الاشتراكي» على حليف اليوم في لعبة بين الحزبين تشبه إلى حد بعيد لعبة القط والفأر المشهورة في عالم «ديزني»!! والمسماة «توم» و«جيري» أو ما أصطلح على تسميته بالتراث العربي النطيحة والمتردية في تصوير السباق الماراثوني بين هذين الحزبين وهما يركضان نحو المجهول بالنسبة لمستقبلهما السياسي. علي ناصر لم يزر عُمان هاتفني الزميل أحمد محمد الحبيشي رئيس مجلس إدارة مؤسسة 14 أكتوبر، رئيس التحرير موضحاً بعض الحقائق المغلوطة في مقالي المنشور في أضواء الجمهورية الخميس الماضي.. وفيها أن الرئىس علي ناصر محمد لم يزر سلطنة عمان مطلقاً، على الرغم من زيارته لأكثر دول الخليج.. مشيراً إلى أن الرئيس علي ناصر صاحب الفضل في تطبيع علاقات اليمن الجنوبي سابقاً مع دول الخليج وأوضح الزميل الحبيشي الذي كان وقتها يشغل المستشار الإعلامي للرئىس علي ناصر محمد أن أول زيارة قام بها مسئول رفيع إلى سلطنة عمان كان الأخ حيدر العطاس رئىس هيئة الرئاسة وقتئذ في عام 1988م. أشكر الزميل الحبيشي على هذا التوضيح، علماً بأن المعلومات التي استقيتها في تلك الرواية نتاج قراءات قديمة لبعض الكتب ومنها كتاب «الاستقلال الضائع»، ويبدو أن ثمة لبساً في الوقائع والأشخاص.. وإليهم جميعاً أرجو قبول اعتذاري ومودتي.