كان وما زال العالم المتقدم يتحدث عن الإرهاب بوصف نفسه «ضحية»، فيما العالم النامي الفقير هو «الجاني».. إلا أن الأحداث والتجارب أثبتت أن الإرهاب ينمو لدينا برعاية كاملة من العالم المتقدم. اليوم تجند الغالبية العظمى من البلدان النامية كل إمكاناتها لمكافحة الإرهاب، وتجفيف منابع التطرف، فكل يوم والحكومات تضاعف أعداد كوادرها الأمنية، وتشتري المزيد من التقنيات الالكترونية الفنية لتعزيز سيطرتها، وحمايتها لمصالحها الاستراتيجية، وتنفق الملايين على التدريب ورفع المهارات.. وباتت تخصص أجهزة فنية متدربة لتعقب جرائم غسيل الأموال، وتراقب الحسابات المشبوهة.. وتستهلك الكثير من برامجها الإعلامية والثقافية في التعبئة المضادة للتطرف والإرهاب. ومع أن ذلك كله يأتي على حساب خططها التنموية الأخرى التي شعوبها بأمس الحاجة إليها، إلاّ أن الأمر يبدو غبياً جداً حين نعلم أن هذه الحكومات لا تستطيع إغلاق مدرسة أو منظمة أو جمعية واحدة من تلك التي تعمل على غرس ثقافة التطرف في أوساط المجتمع.. كما تعجز هذه الحكومات على إيقاف صدورصحيفة واحدة من تلك التي تنمي العداء والحقد بين الحضارات، أو تغرس ثقافة تمييز عنصري.. كما أن هذه الحكومات تعجز عن استدعاء أي مواطن من مواطنيها لاستجوابه بشأن فعل يقود إلى تعبئة إرهابية، أو محفزة على العنف. لا شك أن عدم قدرة الحكومات على الإتيان بكل ذلك لا يعود إلى ضعف أجهزتها أو إرادتها أو مهابة من تلك الأفعال، بل لأن هناك في العالم المتقدم مئات المنظمات ووسائل الإعلام، التي ستفتح جحيم الرأي العام العالمي بوجهها عبر سلسلة بيانات إدانة واستنكار تحت مبرر انتهاك الحريات وحقوق الإنسان.. فالعالم المتقدم بأسره سيتهمها بتضييق الحريات على شعوبها، وبمحاربة منظمات المجتمع المدني، وبممارسة حرب منهجية على الناشطين الحقوقيين.. وسيروج لكل ما يقوله الطرف الآخر المتهم بالتطرف أو الإرهاب دون أن يلقي بالاً لكلمة واحدة مما ستدافع بها الأجهزة الحكومية عن نفسها. العالم المتقدم اليوم يقدم أكبر رعاية يعرفها التاريخ للمتطرفين، والجمعيات والمراكز الممولة للإرهاب، والمنابر الإعلامية والثقافية المروجة لأفكار التطرف والعنف، والتي تنمي العدائية في أوساط المجتمعات النامية لاتجاهات محددة بما في ذلك لأديان محددة، وانتماءات عرقية أو مذهبية أو حزبية، ما كان لها أن تتحول إلى خطر لولا حضانة العالم المتقدم لها، وحمايته لممارساتها المختلفة ليقول في النهاية أن هذه البلدان تمثل بيئة مثالية للإرهاب.. وأنها تصدر الإرهاب. إن هذه البلدان فقيرة في معظمها الأغلب، وإن العالم المتقدم يربط دعمه ومساعداته لحكوماتها بتلك التقارير والبيانات التي تكتب عنها عندما تحاول منع أولئك المتطرفين من نشر ثقافتهم أو تقديم التمويل المادي للإرهاب، أو منع أقلامهم من العبث بالسلام العالمي.. ومع أن حالات عديدة ترتكب الحكومات أخطاء وتتمادى على الحريات إلاّ أن عدم الفصل بين الحالتين، واستهتار بعض المنظمات الدولية في مشاريع البحث عن النفوذ والتأثير والشهرة، وأحياناً الابتزاز جعل من الأصوات النشاز أعلى تردداً من كل الأصوات الخيرة الباحثة عن أمن وسلام البشرية. اليوم تصعد بعض الفئات القذرة، الغارقة بالفساد والجريمة والرذيلة إلى مسرح الحياة بفضل دعم وحضانة العالم المتقدم ومنظماته وحكوماته.. لتهبط بالمقابل وجوه الفضيلة والخير والمحبة والصلاح.. لهذا يشهد العالم اليوم غلياناً من العنف والقتل والخراب في مختلف أرجائه، وزيادة في القمع والانتهاكات الوحشية.. فهناك دائماً ثمة من يدافع عن الأشرار في العالم المتقدم ويهدد بعقوبات لكل من يعترض مشاريعهم الإجرامية.