ترى الدول الكبرى أن أحد أسباب التطرف والإرهاب والعنف بشكل عام هو غياب الديمقراطية في البلدان النامية.. لكن في بلد مثل اليمن يمارس الديمقراطية، ولم تبق دولة في العالم لم تشهد لتجربة انتخاباته الرئاسية الأخيرة، فيما الحريات فيه تشهد لها أكشاك الصحف، لماذا يشهد عنفاً وحركة متمردة متطرفة تحمل السلاح وأخرى تخريبية ؟ الجواب بكل بساطة هو: إن دول الديمقراطيات الراسخة التي تروّج للتحولات الديمقراطية في العالم الثالث وتقدم الدعم لها كانت هي السبب الأول في هذا العنف لأنها حاولت اسقاط تجارب جاهزة في بيئة مختلفة عن بيئتها، متجاوزة بذلك المراحل المفترضة التي كان ينبغي تسوية الملعب الديمقراطي بها قبل مطالبة هذه البلدان بممارسات متكاملة. ڤفالديمقراطية في الغرب نجحت لانها قامت على أرضية دول مؤسسية، لكنها تعثرت في الدول النامية لانها لم تكن تمتلك المؤسسات التي تكفل لممارساتها الحماية.. كما أنها نجحت في الغرب لأنها قامت في بيئة اجتماعية مؤهلة ثقافياً وفكرياً لممارستها بصورة سليمة واحترام حدودها، بينما تعثرت في الدول النامية لأن البيئة الاجتماعية متخلّفة تكاد تصل نسبة الأمية فيها إلى حوالي النصف. عندما قررت الدول الكبرى مساعدة اليمن ودعم تجربتها الديمقراطية لم تضع في اعتبارها مثل هذه الفروقات ولم تلتفت إلى ضعف الحماية القانونية والمؤسسية للممارسة الديمقراطية لذلك كانت جميع الهيئات والمنظمات الأجنبية الوافدة على اليمن بقصد تنمية تجربتها تضع الجهات المختصة موضع الخصومة وتقف بكل ثقلها مع غيرها، فكانت أن رسخت الثقافة العدائية للدولة وأطلقت عنان القوى الأخرى من أحزاب ومنظمات للتمادي والتهور في انتهاكاتها القانونية ولا غرابة أن حاول سفير إحدى الدول الكبرى زيارة بعض المعتقلين من العناصر التخريبية التي أحرقت ونهبت مؤسسات الدولة واعتدت على المواطنين. إن من يتصفح تاريخ العلاقة بين الغرب والتجربة الديمقراطية في اليمن سيجد سلوكاً غريباً ومتناقضاً ترجمه الغرب - في صناعة الفوضى.. فبدلاً من ترسيخ ثقافة احترام القانون كان الغرب يصدر تصريحات استنكارية لمنع السلطات إحدى المظاهرات من الخروج بدون ترخيص رسمي، رغم أن هذا القانون معمول به في كل دول الديمقراطيات الراسخة.. وكان له الفضل في تنمية علاقة الاحترام المتبادل بين المعارضين والجهات القانونية.. لكن عندنا اعتبر الجميع موضوع الترخيص المسبق انتهاكاً لحقوقه لأن هناك سفارات دول عظمى ومنظمات تابعة لها تؤيده بذلك، بل وتسبقه إلى الإدانه والاستنكار. الأمر الآخر هو أن دول الديمقراطيات الراسخة كرّست كل جهودها لدعم حالة التمرد على الذات وعلى الأسرة وعلى المجتمع والدولة عموماً.. ولم تسهم بأي قدر كان بتعزيز قيم التآخي والمودة بين أبناء المجتمع.. وكانت دائماً تطالب الدولة بأن تقدم تنازلات دون ان تطالب الآخرين باحترام الإجراءات الرسمية والمسئوليات الدستورية للدولة، وبالتالي وجدنا سفراء ودبلوماسيين غربيين يحضرون أنشطة لجماعات ترفض الحصول على ترخيص قانوني للمنظمات التي تعتزم انشاءها، بل أنهم أيضاً قدموا دعماً سخياً لهؤلاء الخارجين عن القانون لتقوية شوكتهم وتغليبهم على غيرهم من المؤسسات المدنية التي تحترم القانون.. ومن هنا فإن الغرب كان أول من حوّل الديمقراطية في الدول النامية إلى مصادر للعنف والتمرد والفوضى والتخريب.