ابتداءً من اليمن وانتهاءً بالأردن التي تعتبر الأفضل في العالم ديمقراطيةً في العالم العربي تعثرت تجاربنا جميعاً في التحول الديمقراطي واضطرت شعوبنا مجدداً إلى ركوب موج التثوير ضد الأنظمة ولم نكن وحدنا الفاشلين بل حتى الولاياتالمتحدة عندما قررت إقامة تجربة ديمقراطية في العراق فشلت فشلاً ذريعاً رغم أنها صاحبة التجربة الأم .. فما سر الفشل العربي؟! في عام 1994م حضرتُ ندوة للشيخ عبدالمجيد الزنداني في مدينة رداع وكانت حول الديمقراطية والسياسات الغربية وكيف أن الغرب يربط التحولات الديمقراطية في الدول النامية بالاقتصاد وبرامج المساعدات ثم يجعل هذه البلدان أسيرة مضامين التقارير السنوية للخارجية الأمريكية ومنظمة العفو الدولية وغيرها، ويومها أعجبني كثيرًا بُعد نظر الشيخ الزنداني وبدأت اطّلع على بعض مؤلفاته وأشرطته, وكثيرٌ منها يحذّر من التفكيك الديمقراطي للعالم العربي والإسلامي. ما يشهده عالمنا اليوم يكاد يقترب كثيراً مما تحدث عنه الشيخ الزنداني وعلماء آخرون قبل خمسة عشر عاماً لكن آنذاك كانت مشكلتنا أن مجتمعاتنا العربية تنقسم بين علمانيين وإسلاميين يناصبون بعضهم البعض العداء على خلفيات صراع سياسي بدرجة أولى، وقلما نجد قوى انفتاحية تضع كابحاً دينياً لمسارها التقدمي.. لذلك كان تغييب القيمة الأخلاقية والخصوصية الاجتماعية عن تجاربنا الديمقراطية قاصماً لظهر كل تجربة عربية. فالغرب الذي لعب دور الراعي للتجارب الديمقراطية العربية ظل يدفع بنا نحو الممارسات المختلفة سواء على صعيد الحريات أو بناء المجتمع المدني وإدماج المرأة واللامركزية في الحكم وغير ذلك قبل أن يهيَّأ المناخ الثقافي والاجتماعي والاقتصادي لكل ذلك، وبالتالي وجدنا أنفسنا في اليمن مثلاً وبعد عقدين كاملين من التحول الديمقراطي نعود جميعاً – حاكماً ومعارضة – إلى الاحتماء تحت مظلة القبيلة وعصبياتها .. حيث إننا لم نستفد من الديمقراطية في دمج القبيلة في الحياة المدنية وإنما عملنا على تسييس القبيلة ومنحها بطاقة حزبية. ومن جانب آخر وجدنا أن الديمقراطية بدأت بإفراغ مجتمعاتنا من الكثير من القيم الأخلاقية والعقائدية، فصارت جميع القوى تمارس الكذب والتضليل والتزوير، ولا تتردد في الانحياز إلى أي فتنة أو دعوة باطلة طالما توافق مصلحة حزبية معينة وحتى المنظمات المدنية الحقوقية تتعاطى مع قضايا المجتمع بمنطلقات حزبية .. وغلبت المصالح الفئوية على المصالح العامة للأمة اليمنية، فآلت أمورنا إلى شتات كبير يختلط فيه الحق والباطل، والإيمان والضلالة .. وأعتقد أنه نفس الواقع الذي كان علماء الدين يحذرون مجتمعاتنا من الانزلاق إليه عبر الديمقراطية، في الوقت الذي كانت مجتمعاتنا تعد كلامهم ضرباً من التشدد والتطرف الديني. إن فشل أو تعثر تجاربنا الديمقراطية العربية يعود إلى ممارستها في بيئة غير ناضجة ثقافياً ومتخبطة سياسياً، وتفتقر إلى البنى المؤسسية الكفيلة بحماية الديمقراطية، فضلاً عن محاولتنا إدارة الحياة الديمقراطية بأدوات رجعية لا تؤمن بها، فلم يكن مفترضاً إعادة أحد وزراء الستينيات أو السبعينيات للمشاركة في حكومة في الألفية الثالثة طالما هناك جيل شبابي واعٍ يحمل ثقافة عصره، وهو الأجدر بمعرفة الاحتياجات والطموحات ..! الأمر الآخر من الخطأ اعتبار التحول الديمقراطي نداً للمؤسسات الدينية بل يفترض بالحكومات العربية تنمية الحركة الإيمانية جنباً إلى جنب الديمقراطية كصمام أمان لها يحول دون انفراط ممارساتها عن الهوية الإسلامية وقيم المجتمع وتقاليده خاصة عندما نتحدث عن اليمن التي يعتنق أبناؤها عقيدة دينية وسطية ومتسامحة ولا خوف إطلاقاً منها. إن مارسنا الديمقراطية بوعي وإيمان وبخصوصية وطنية نكن قد مارسنا نموذجاً راقياً يخدم مصالحنا ووطننا.. ويرسخ العدالة في مجتمعاتنا فلا يضطرهم حتى للاعتصام في الشوارع والدعوة إلى التغيير..!!