في زمن مضى، وقبل أن يكون لدينا فضائيات تتسابق مع بعضها البعض في نقل وقائع ما يجرى من حولنا من أحداث ساخنة لحظة حدوثها، وعلى الهواء مباشرة، كنا نبذل قصارى جهدنا لتقصي حقيقة ما يندرج في سياق اهتماماتنا العامة من أحداث مماثلة، بحيث لم نكن في يوم من الأيام بمنأى عن جراح إنساننا العربي أينما كان، حيث التفاعل القومي الحق مع كل ما يتعرض له أهلنا هنا أو هناك. بل إن أي حاكم عربي لم يكن بمقدروه أن يتجاهل نبض الملايين من أبناء شعبه وأمته، لدرجة أنه كان يسعى من جانبه لإخضاع ما تتناقله وسائل الإعلام في حينه إلى مبدأ إعادة صياغته على نحو لا يستفز مشاعر مواطنيه، إن لم يلجأ إلى فرض تعتيم إعلامي على حدث بعينه خشية أن يسهم في إثارة غضبتهم. وعلى الرغم من كل هذه التدابير والاستحكامات، فقد كان لدينا دائماً من المصادر الإعلامية غير الخاضعة لأحكام الرقابة الرسمية إياها، ما من شأنه إحاطتنا علماً بحقيقة ما يدور حتى من وراء ظهورنا، لدرجة أن كنا نعتبر أنفسنا أشبه ما نكون في حالة طوارئ، كلما كان هناك ما يتسوجب التفاعل معه على الصعيد الوطني والقومي. غير أن ما نلامسه بأم أعيننا في راهن الوقت من صمت رسمي مهين إزاء ما نشهده على شاشات فضائياتنا كل يوم، متمثلاً فيما أصاب لبنان وشعبه في الآونة الأخيرة ولا يزال، بينما الملايين من أبناء أمة العرب لا تزال عاجزة بالمقابل عن أن ترتقي بأدائها المفترض إلى مستوى التأثير على مواقف حكامها، بما يتناسب شرفاً مع ما تفرضه علينا ضرورة أن نتضامن مع الذات القومية في حالة كهذه، إنما يعكس في حده الأدنى طبيعة ما آلت إليه أوضاعنا في زمن التراجع والانكفاء. صحيح أن هناك فيضاً من التظاهرات التضامنية في سائر بلدان أمتنا بني جلدتنا من رجال المقاومة الوطنية بشقيها الفلسطيني واللبناني، ممن باتوا يتحملون لوحدهم أعباء الدفاع عن كرامة الأمة بكاملها في مواجهة أعدائها، لكن الصحيح أيضاًَ أن هذه التظاهرات التضامنية على أهميتها.. لم تعد تكفي كوسيلة للضغط على أركان النظام الرسمي العربي، بغية إعادة النظر في مواقفهم السياسية المتخاذلة، والتي اعتبرها العدو على تباينها بمثابة غطاء لتبرير عدوانه، على حد تعبير العديد من المراقبين والمهتمين بشئون منطقتنا العربية ككل. ومما يثير الدهشة والاستغراب في زمننا هذا أن نرى متظاهرين من بني قومنا في أكثر من عاصمة عربية، وهم يرفعون الصوت عالياً مطالبين نظام الحكم في بلادهم بتمكينهم من التوجه إلى جبهة القتال لنجدة أشقائهم، في معركتهم غير المتكافئة مع مغتصبي حقوقنا من بني صهيون، وإذا بحدود سايكس بيكو الكرتونية المصطنعة، وقد تحولت بقدرة قادر إلى قضبان حديدية في وجوههم، وكأنما باتت بلداننا محض سجون لمواطنيها، وفقاً لمشيئة أنظمتها الحاكمة. فلا المواطن العربي قادر على مساندة إخوته من خلال موقف رسمي يجسد إرادته الحقة على الأقل، ولا هو قادر كذلك على الانخراط في صفوف المقاومة جنباً إلى جنب مع المقاتلين منهم، في مواجهة ما بات يتهدد مصير أمته، وسبحان مغير الأحوال.