يكاد موضوع «المؤامرة» يسيطر على تفكير قوى المعارضة حتى أصابها بالشلل.. فهل حقاً تتآمر السلطة على المعارضة، وهل هذه القوى فرضت نفسها على السلطة!؟ بتعقب تاريخ انبثاق أحزاب المعارضة اليمنية نجد أن السلطة كانت سبباً رئيسياً في الحفاظ على كياناتها التنظيمية، وتعزيز وجودها في ساحة العمل الوطني لأسباب عديدة: أولها أن السلطة هي من اختارت نظام التعددية الحزبية في وقت لم تكن مضطرة لذلك، ولم تكن الدول الكبرى تمارس ضغوطاً سياسية واقتصادية على البلدان النامية من أجل دفعها للتحول الديمقراطي.. إلا أن قيادة اليمن رأت في ذلك الأسلوب خياراً محفزاً لاتجاهات بناء الدولة اليمنية الحديثة. وثانياً أن بعض هذه القوى كان قد تماهى في ساحة العمل السياسي منذ ما قبل الوحدة، ولم يعد له وجود تنظيمي وشخصيته اعتبارية إلا أنه بفضل فرص التعددية استطاع لملمة أطرافه وتشكيل بناء تنظيمي جديد يحمل مسمياته السابقة.. وثالثاً أن بعض الأحزاب شارف على لفظ أنفاسه الأخيرة بعد الوحدة ببضع سنوات لولا قيام السلطة بإنقاذه، ومساعدته على تجميع ذاته مجدداً كما هو الحال مع الحزب الاشتراكي الأمر الذي حفظ له وجوده السياسي. أما السبب الرابع فهو أن جميع الأحزاب المعارضة ليس بوسعها الصمود في الساحة الوطنية بغير دعم السلطة لها، ابتداءً من التشريعات والقوانين التي تكفل لها حقوقها، وانتهاءً بالدعم المادي الذي تمول به أنشطتها، والمنظمات التابعة لها، ووسائل إعلامها وحتى مقراتها الحزبية وتمويل الدعاية الانتخابية لمرشحيها سواء في الانتخابات البرلمانية أم المحلية أو الرئاسية.. وبطبيعة الحال إن هذه الحقوق منحتها السلطة للمعارضة بمحض إرادتها ومن قبل أن تصدر بياناً واحداً للمطالبة بها، ومن قبل حتى أن تستكمل تنظيم هياكلها الداخلية. إذن فالمعارضة موجودة بإرادة السلطة الحرة وليس مفروضة عليها، وبالتالي لا بد أن يكون هناك سر آخر وراء ادعاء المعارضة بأن هناك «مؤامرة» عليها، وفي الحقيقة إن السر ليس خافياً على من يفكر بعقل ومنطق وبغير عصبية.. فبعض هذه الأحزاب تحمل موضوع «المؤامرة» كجزء من تراثها الثقافي السياسي وأسلوب عملها الذي لطالما انتهجت في ظله هذا النوع من السلوك وواجهت به خصومها مما يجعلها تعتقد أنه شريعة عمل كل الأحزاب الأخرى. الأمر الثاني الذي يدفعها للتقوقع داخل ظنون المؤامرة هو أنها عندما أخفقت في أداء مسئولياتها وأدوارها المناطة بها، والتي على أساسها دعمت وجودها السلطة لم تجد ما تبرر به فشلها في إيفاء الثقة الشعبية الممنوحة لها سوى خلق «شماعة» لتعليق الفشل عليها، فكان ذلك هو «مؤامرة السلطة». إن ما يؤكد هذا الافتراض هو أن هذه القوى حتى بعد مرور نحو ستة عشر عاماً على وجودها لم تستطع أن تقدم شيئاً لجماهيرها غير البيانات والتصريحات الصحافية حتى تحولت إلى مجرد يافطات وصحف تطبع على ورق أصفر رديء لا شيء فيها غير المقالات التهكمية التي اعتاد على كتابتها أربعة أو خمسة من عناصرها الحزبية.. فهذه الأحزاب في الأغلب تحولت إلى متاجر لإبرام صفقات المصالح الشخصية، وبالتالي ليس هناك من يجرؤ على الاعتراف بالفشل.. لا بد من كبش فداء، وشماعة، و«محواش» تتذرع به كل من لا تحسن طبخ «العصيد»، فهذه هي سنة الحياة البشرية في عالم الأمس واليوم.