مازلت أعتقد أن التعددية الحزبية قد تتحول إلى عبء وطني ما لم تقر السلطة بوجود المعارضة وتعترف المعارضة بايجابيات السلطة ؛ وبخلاف ذلك فان الحساسية المفرطة ستجعل من الديمقراطية مغامرة غير مأمونة ! فمع إيماننا بأن فجوات التباين بين القوى السياسية ليست بالعيب الديمقراطي في التجارب الناشئة ، إلاّ أن أتساعها يمثل خللاً في أدوات الممارسة الديمقراطية لأن ذلك من شأنه إعاقة السلام الاجتماعي ، والحراك التنموي.. وهو أمر يحمل الحزب الحاكم مسئولية الحالة ليس من واقع كونه المتسبب فيها بل لأنه راعي المصالح الوطنية العليا ، الذي تناط به مهمة البحث عن بدائل مختلفة للوصول إلى التجاذب الطبيعي الآمن. الاعتراف بوجود المعارضة لا يتحقق في الغالب برغبة الحوار فقط ، بل بالتمكين المادي والمعنوي اللذان يمثلان شرطاً جوهرياً لقوة التنافس الديمقراطي – خاصة عندما لا تكون الساحة الشعبية قد بلغت النضج السياسي الكافي لاستيعاب المفاهيم الحقيقية للممارسة الديمقراطية. لكن عندما لا تحضي هذه الأحزاب بحوافز وامتيازات التمكين التنافسي تسعى للتعويض ببدائل – اضطرارية- على قدر كبير من الخطورة كاللعب بأوراق منظمات المجتمع المدني (الوطنية والمشبوهة - على حد سواء) أو مغازلة الخارج ، أو التهديد بمقاطعة الانتخابات ، وغير ذلك من الصور التي تستفز السلطة !! وفي الوقت الذي تمارس فيه المعارضة خرقاً للثوابت الوطنية والديمقراطية بلجوئها لذلك الخيار ، يبرز السؤال : لماذا لا تكون المعارضة هي من يبحث عن بدائل سياسية لمواجهة نفوذ السلطة التنافسي!؟ لاشك أن بوسع أحزاب المعارضة تشكيل تحالفات – كما هو الحال مع كتلة أحزاب اللقاء المشترك في اليمن – وكذلك النزول بقائمة ترشيح موحدة خلال التجارب الانتخابية ، وهو أسلوب نجح في كثير من دول العالم ، إلاّ أن خيار كهذا أصطدم في اليمن بالفجوات البينية لأحزاب نفس الكتلة.. وتلك هي الحقيقة التي تخفف من وطأة تأنيب الحزب الحاكم ، وتحميله مسئولية الإخفاق كاملة ! يعتقد بعض السياسيين أن المعارضة عندما تتنكر لايجابيات السلطة فإنها تجد في ذلك الأسلوب ملاذاً لستر إخفاقها البيني، وذر الرماد على العيون لإخفاء الفشل في خلق آليات توافق استراتيجي واضح تنطلق من تحت مظلته في منافسة الحزب الحاكم.. وهي بذلك تتحمل مسئولية التخاذل في بناء جبهة معارضة تقوّم أداء السلطة ، وتصحح أخطاءها- وهو رأي فيه إجحاف كبير للمعارضة. ومن هنا يبدو أن فساد السلطة مستمد من فساد المعارضة – وبالعكس- وهو الأمر الذي يؤكد أن العلاقة بين السلطة والمعارضة يجب أن تكون تكاملية ، فليس منطقيا أن نطلب من المعارضة أن تكون نداً للسلطة وهي لا تمتلك أي إمكانيات مادية تجعلها في وضع مكافيء للسلطة .. كما ليس منطقياً أن نطلب من السلطة القيام بإصلاح الوضع وهي لا تجد المرآة- المعارضة- التي تكشف عيوبها بصدق وإخلاص ، وليس بمكايدة ، وتنكيل ، وتهديد بنسف الديمقراطية- وأحياناً السيادة الوطنية! ربما أن أكثر ما نحتاجه اليوم – سلطة ومعارضة – أن نكون مخلصين ، وصادقين – ولو مع أنفسنا !