أتذكر أحد الأعلام العالمية سويدي الجنسية، إنه «داغ همرشولد» الذي شغل منصب الأمين العام للأمم المتحدة في فترة مبكرة من النصف الأخير من القرن الماضي.. خلال فترته مثل رئيساً فعلياً للعالم، وحاكماً دولياً دون مهادنة، أو هون.. كان حريصاً جداً على الدور الفاعل والإيجابي للأمم المتحدة تجاه قضايا، ومشاكل العالم بمساواة وعدالة، ودون تمييز وتفريق.. وحسب ميثاق وقوانين الأممالمتحدة، أو وفقا لما تقتضيه الحاجة الإنسانية من الأمن والسلام الدوليين، وحقوق الشعوب في الحرية والكرامة والسيادة والاستقلال وتقرير المصير. لكن يظهر أن فترات لاحقة وحتى اليوم.. لم تحظَ الأممالمتحدة بأمين عام قوي مثل «داغ همرشولد».. فمنذ فترة طويلة تعاقب على الأممالمتحدة أمناء عامون ضعاف الشخصية، والحنكة السياسية.. يختارون بعد أن تهيئ الإدارة الامريكية لاختيارهم، فيصبحوا عبارة عن موظفين لدى الإدارة الامريكية تملي عليهم ما تريد فينفذون.. فأفرغوا الهيئة الدولية من مضامينها الإنسانية الدولية، وأضعفوا دورها الإيجابي والفاعل في حل المشاكل والنزاعات الدولية بعدل ومساواة حسب ميثاقها وقوانينها وبما تقتضيه الحاجة الإنسانية.. وأهم عامل إضعاف للهيئة الدولية هم الأمناء العامون الضعاف سواء في شخصياتهم، أو في معرفة مهامهم الدولية، وصلاحياتهم ويعتقدون أن وجود مقر الأممالمتحدة في ولاية نيويوركالامريكية أن الهيئة ليست سوى جزء من المؤسسات التابعة للبيت الأبيض الامريكي.. فيعملون حسب ما تمليه عليهم الإدارة الامريكية.. إضافة إلى ذلك ضعف القوى صاحبة العضوية الدائمة وصاحبة الفيتو في مجلس الأمن أمام الولاياتالمتحدة، لهذا ضعفت الأممالمتحدة وصارت تُسيّر من قبل الإدارة الامريكية وحسب أهدافها الرامية للسيطرة والهيمنة على العالم واستعماره دون أن يعترض أمين عام على ذلك أو دول الفيتو على السياسة الامريكية التي تمليها وتفرضها على الهيئة الدولية. لذا قلت في البداية إني أتذكر «داغ همرشولد» الذي واجه الإدارة الامريكية خلال فترته بقوة، ولم يسمح لها أن تملي ما تريد على الأممالمتحدة أو أن تمرر أي قرار على مجلس الأمن.. فحاولت الإدارة الامريكية تهديده بطريقة غير مباشرة فضرب الطاولة التي أمامه في البيت الأبيض موجها كلاماً قويا للرئىس الامريكي آنذاك: أتنسى من الذي أمامك!! إنه «داغ همرشولد» الأمين العام للأمم المتحدة، أي رئيس العالم، يعني رئيسك، أنا حاكم العالم، ويجب أن تتخاطب معي بأدب لأني رئىسك، وأمين عام الحكومة العالمية «الأممالمتحدة» لها ميثاقها وقوانينها التي تلزمك باحترامها والعمل بها.. وأخذ نفسه وخرج فتآمرت عليه الإدارة الامريكية وقتلته أثناء رحلة في مهمة بتفجير طائرته.. فأين أنان من هذا الرجل القوي والأمين على المنظمة العالمية.