الأربعاء , 16 أغسطس 2006 م القرار الأخير لمجلس الأمن «الأمريكي» الخاص بالحرب الإسرائيلية على لبنان، والذي هو صورة مخففة للمشروع الأمريكي الفرنسي المقدم لهيئة الأممالمتحدة لم يكن مستغرباً صدوره بتلك الصيغة عن ذلك المجلس الذي يعتبر إحدى دوائر السلطة الأمريكية في العالم. فذلك القرار لم يخرج عن المطالب الإسرائيلية سواءً قبل الحرب أو أثناء الحرب، فما كانت تهدف إليه إسرائيل في حربها مع لبنان ومع حزب الله بالذات لم يكن فقط فك أسر الضابطين الإسرائيليين وإنما كان الغرض الأبعد من ذلك هو كسر شوكة حزب الله وإضعافه ونزع سلاحه، لأنه يمثل حجر عثرة أمام طموحاتها في لبنان، ولأنه يشكل بمقاتليه غصة في حلق إسرائيل ورقماً صعباً لا يمكن تجاهله. فبعد أن ضمنت تلك العصابة الصهيونية المحتلة للأرض العربية في فلسطين دعم وتأييد الولاياتالمتحدةالأمريكية سياسياً وتسليحاً، وبعد أن ضمنت الصمت العربي وخنوع وتخاذل الأنظمة العربية، بل دعمها المبطن وغير المعلن أقدمت على عملياتها العسكرية مرتكنة على سمعتها في العالم العربي وعلى الهالة التي رسمها لها الحكام العرب وأنظمتهم من خلال تقاعسهم عن منازلتها أو حتى التعرض لها بما يغضب سادتها.. ولكنها فوجئت بأن حزب الله والمقاومة اللبنانية فعلاً رقم صعب جداً لم ترعبه قوة إسرائيل ولا سمعتها بأنها لا تُقهر ولا آلتها العسكرية التي تكسب الحرب دائماً عند منازلتها للأنظمة العربية المستكينة، بل هي وبقدرة قادر تحول هزائمها إلى انتصارات كما حدث عقب حرب 1973م، فما كسبته عقب تلك الحرب لم تستطع أن تكسبه طوال فترات وجودها قبل تلك الحرب التي لم تكن سوى مجرد تحريك للقضية والخلاف الصهيون العربي، كما أراد لها «كيسنجر» وزير خارجية امريكا حينذاك بحسب ما أورده الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه «خريف الغضب». ولهذا فقد فوجئت إسرائيل وفوجئت امريكا بل وذهلتا بما وجدتاه من صمود بطولي لحزب الله والمقاومة اللبنانية، وفوجئتا كثيراً بما وجدتاه أيضاً من قوة وعزيمة وتكتيك عسكري متطور، ومن مقدرة لا يستهان بها على الكر والفر والمناورة وعلى استخدام الأسلحة وتطويرها، فرغم ما تملكه إسرائيل من عتاد وأسلحة متطورة ومتنوعة البرية منها والبحرية والجوية فإنها لم تستطع أن تحرز أي تقدم أو انتصار على الميدان رغم محاولتها المستميتة وضربها جواً وبحراً للبنان وبنيته التحتية وقتلها للمدنيين العزل والأطفال والنساء والحيوانات، ولأنها أي تلك الدويلة الصهيونية اعتادت أن تحسم حروبها في أيام قد لا تزيد عن عشرة أيام في أسوأ الحالات، فإنها أُربكت وانهارت فعلاً عندما طالت أمد الحرب إلى شهر وأكثر، حيث جعلها حزب الله تبدو كنمر من ورق أو بالون أجوف. وبعد أن كانت تماطل وتطلب أن لا تتوقف الحرب لعلها تستطيع أن تحوز على جزء من الأرض اللبنانية لتفاوض عليه أو لعلها تحقق ولو شبه انتصار يعيد لها هيبتها ومكانتها في العالم وفي العالم العربي بالذات.. حينها بدأت امريكا تنشط سياسياً ومعها الدول الغربية وبدعم الكثير من الحكام العرب، فكانت النتيجة ذلك المشروع الهزيل الذي ربما قد كان جاهزاً إلى وقت الحاجة إليه الذي بدأت بصنعه أمريكا ثم تدخلت فرنسا لتعطي انطباعاً أنها تريد تعديل المشروع بما يخدم لبنان ومن ثم يذهب وفد عربي إلى الأممالمتحدة لا ليضغط لإلغاء المشروع وطرح مشروع جديد يعزز مكاسب العرب ومطالبهم ويتوج صمود حزب الله والمقاومة اللبنانية ويثبت للعالم أن العرب كل لا يتجزأ وأن حزب الله بموقفه حقق الكرامة والعزة لكل الأمة العربية والإسلامية. لكن الوفد العربي ذهب ليستجدي ويترجى ويستعطف السادة في البيت الأبيض وفي دول الغرب أن يتعطفوا ويتحسنوا ويمنوا على الأمة العربية شعوبها وأنظمتها بأن لا يدرجوا ذلك القرار الدولي أو المشروع تحت الباب أو البند السابع الذي لا ولم يطل أبداً سوى العرب فقط منذ نشأة ما يسمى بمجلس الأمن أو الأممالمتحدة.. وبعد بذل كل الذل والخنوع والترجي وبعد أن ذبح المئات والآلاف من العرب والمسلمين ليس في هذه المعركة وإنما منذ قيام ذلك الكيان الصهيوني والذي اعتبرهم الوفد العربي الذاهب إلى واشنطن بمثابة قرابين أو «جاه» و«عقائر» ذبحت سلفاً لخاطر الأسياد.. فتعطف أولئك الأسياد ولم يدخلوا أو يدرجوا ذلك القرار الدولي الهزيل ضمن الباب السابع. فاحتفل الوفد ومعه كل الحكام العرب وبعض المهجنين امريكياً من الساسة اللبنانيين لذلك القرار، وسارعوا لقبوله مع الدعاء لأصحابه بطول العمر والبقاء مع أن ذلك القرار جله لا يخدم إلا إسرائيل وامريكا، فهو يطلب بهيمنة الجيش اللبناني مع قوة تتبع الأممالمتحدة على كل الجنوب في أرض لبنان وانسحاب حزب الله من تلك الأرض، وهذا ما تريده اسرائيل وما حاربت لأجله حتى تبعد مجاهدي حزب الله عن حدودها.. كما طلب القرار وقف العمليات العسكرية. ولم يطلب الوقف الفوري لإطلاق النار، ولم يدن إسرائيل على عدوانها على دولة هي عضو في مجلس الأمن كما عمل مع العراق عند غزوه الكويت.. وهذا أيضاً في صالح إسرائيل. وفي الجانب الآخر لم يذكر شيء في القرار عن مزارع شبعا ولا عن الأسرى العرب الفلسطينيينواللبنانيين، بينما ركز على الإطلاق الفوري للضابطين الإسرائيليين دون شروط.. ولن أدعي علم الغيب عندما أقول إني وغيري من أفراد هذه الأمة العربية المنكوبة بحكامها كنا نتوقع هذه النتيجة، وتبين لنا ذلك من خلال الإدانة المسبقة من بعض الأنظمة العربية والحكام العرب لما قام به حزب الله والمقاومة اللبنانية، ثم عززه الصمت العربي الرسمي والمراوغة السياسية لتلك الأنظمة العربية وانسياقها الضمني مع الموقف الامريكي الغربي.. وكان من نتيجة ذلك أن ترك حزب الله يحارب وحده ويقاوم وحده ذلك البعبع الرهيب الذي أذل الحكام العرب وأرهبهم فكان النصر حليفه ومعه أي حزب الله رغم المؤامرات والدسائس والخنوع والخضوع العربي الرسمي، ويكفيه فخراً أنه انتصر وهزم دويلة لم تستطع أنظمة عربية بكل إمكاناتها وجيوشها ومالها الغزير أن يحققوا ولو جزءاً من نصر أو حتى موقف يعيد لهم شيئاً من الكرامة، بل هم بدلاً من ذلك فعلوا كما فعل بنو إسرائيل مع أحد أنبيائهم عندما قالوا له «اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون».. والأنظمة العربية أو أغلبها مع حكامها عملت مع حزب الله نفس ما فعله بنو إسرائيل تركوه هو وربه يقاتلان اسرائيل وامريكا وكل دول الغرب، ولكنهم لم يقعدوا متفرجين وإنما دعموا سراً وعلانية موقف إسرائيل وامريكا حتى حصلوا على ذلك القرار الهزيل، فحققوا لإسرائيل نصراً سياسياً بعد أن هُزمت عسكرياً هزيمة لن تنساها. أعتقد جازماً أنها ستكون عقدة دائمة لها كما هي عقدة فيتنام الأبدية للولايات المتحدةالأمريكية، ومع ذلك أيضاً لا أعتقد أن إسرائيل ستتهنى بذلك القرار الدولي وذلك النصر السياسي الذي كسبته ليس بفضل أمريكا ودعمها المطلق، وإنما أيضاً بدعم وتواطؤ أغلب الأنظمة العربية وحكامها. وما دامت إسرائيل باقية على الأرض العربية فلن يكون هناك سلام أبداً وسيدوم العداء ويتعاظم أجيالاً وأجيالاً وقروناً وعصوراً حتى يعود الحق لأصحابه وتزول إسرائيل.. فهي ما دامت باقية فلن ينتهي طموحها وخططها عند فلسطين، ولكنها ستعمل على ضم واحتلال أراضٍ عربية جديدة كلما أتيح لها ذلك، خصوصاً إذا بقيت الأنظمة العربية والحكام العرب على ما هم عليه.. «وعمر الذنب ما يكون رأساً».