تاريخ 4 / 11 / 2006 م بادئ ذي بدء، لا يوجد في اليمن تعريف دستوري أو قانوني للعمل داخل الجامعة، كما أن التجربة الجامعية اليمنية لم تفرز بصورة واضحة وجلية اتفاقاً حول مفهوم الانتساب لعضوية هيئة التدريس.. وبما أن العمل حق من حقوق الإنسان بوصفه يؤمّن للإنسان الدخل المادي الذي يمكّنه من تأمين حاجاته المعيشية ويشعره بالأمان والكرامة وتقدير الذات ويدفعه إلى المساهمة في بناء وتنمية مجتمعه الذي يضمن له استمرار تأمين حاجاته، فإن الجامعات اليمنية التي مازالت بحاجة إلى الكثير من الكوادر تحرم حملة الدكتوراه من اليمنيين من الالتحاق بعضوية هيئة التدريس وتفسح المجال أمام الأساتذة العرب بصورة تبعث على الشك والريبة في نوع العلاقة بين الطرفين، خاصة أن الكثيرين من هؤلاء الأساتذة مشكوك في شهاداتهم ومصادرها، وقد رشح الكثير من المعلومات حول حملة شهائد مزورة ومشكوك في صحتها، وإذا ما أتيح للجهات الرسمية البحث والتقصي حول تشبث الجامعات اليمنية بهؤلاء الأساتذة على حساب الكادر اليمني لاتضحت أمور كثيرة ربما نحن نجهلها، لكننا نعي حقيقتها. ومن الواضح أن الجامعات اليمنية لا تتمتع بتقاليد أكاديمية ثابتة، ذلك أن التقاليد الأكاديمية، مهما تباينت الآراء حول تحديد مفهومها وأبعادها؛ فهي تقوم على احترام سلطان العلم، بحيث إن كل تحول في هذا المفهوم يؤول إلى زيغ عن الأسس الأكاديمية وانقلاب عليها، بما يجعلها تسخر لخدمة التصورات الأيديولوجية والمصالح الشخصية والحزبية. وهكذا نجد أن الجانب الأكاديمي أضحى تتحكم به السياسة والأبعاد الإدارية والحزبية، وأضحى الكادر اليمني طرفاً في صراع تحكمه موازين المصالح الشخصية التي تجد أمنها وسلامة تصرفها مع الأجنبي وليس مع ابن البلد!!. ما هو ملحوظ اليوم هو تسييس العمل الجامعي، ولا نقصد بالتسييس علاقة الجامعة بالسلطة السياسية، وإنما ما نراه هو أن مجموعة من الأساتذة قد استدرجوا إلى العمل السياسي، مما ولد اختلالاً في العملية التعليمية والنشاط الجامعي.. وقد أدى هذا الخلل إلى مجموعة من التأثيرات أهمها: 1- استقدام مدرسين أجانب دون الحاجة إلىهم، يعمل على استنزاف العقول وخلق ثقافة عنصرية مبررة تجاههم، إضافة إلى خرق النسيج السياسي والاجتماعي والوحدة الوطنية. 2- تغلغل الفكر الديني المسطح الذي يعد قنبلة موقوتة، فهو يستقطب الطالب في مرحلة الجامعة، كما أن الأساتذة العرب ليسوا من أهل الثقافة والفكر، بحيث يغنون الساحة الفكرية، مما يضطرهم للحفاظ على عقودهم إلى أن يسايروا هذا الفكر القائم على الخرافة والتجهيل. 3- من النقطتين الأولى والثانية تتولد ردود سلبية قد تنتهي إلى الإحساس بالاضطهاد، ومن ثم نكون قد ساعدنا على خلق شخصية ناقمة. تشكو هذه المقالة من الأجواء المعبأة ضد الأستاذ اليمني الذي كان قد انتصر له ذات يوم الدكتور/صالح باصرة، حينما أصدر قرار الإحلال ليفسح المجال أمام الكادر اليمني واحتضانه. إن الجامعات اليمنية مصابة بداء البيروقراطية المزمنة التي تعمل على الحد من حرية الحركة لدى العناصر المؤمنة بالتغيير، كما أنها قتلت حركة النظام الجامعي بدلاً من مسايرة التحول الديمقراطي الذي تعيشه البلاد. إن موضوع التميز الذي تحدثنا عنه قبل قليل والانحياز المبطن للأساتذة الوافدين يجعل الأستاذ اليمني يشعر بعدم الاطمئنان والاضطهاد والشعور بالعزل والتهميش، خصوصاً أن كل المناصب القيادية في الجامعات هي في أيدٍ غير مواطنة، وذلك بدءاً بمنصب عميد الكلية، مروراً برؤساء الأقسام العلمية. ومن الواضح أن انقسام أعضاء هيئة التدريس إلى أقلية مواطنة وأكثرية وافدة، يتضمن هذا الانقسام تمييزاً في المعاملات والسلوكيات، خاصة أن العقدة اليزنية تطاردنا عبر التاريخ، حيث نحتفي بالأجنبي ونبالغ في الاهتمام به. وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن الجامعة سيواجهها خطران اثنان، أولهما داخلي، وثانيهما خارجي. أما الخطر الداخلي، فهو أولاً ضعف القدرة على صونها من قبل القيمين عليها، حيث ستظل النفعية الضيقة هي المهيمنة على التعيينات والترقيات، وهي أشبه بمن يغرس بذور الفشل. وأما الخطر الخارجي، فيتمثل في وجود الأستاذ الأجنبي غير المؤهل، حيث لا تهمه الحصيلة العلمية أو المعرفية للطلاب فيعمل على «تفريخ» أو «تفقيس» حاملي الشهادات، خلواً من أي محتوى علمي، أو تربية مسئولة تقدر على الإسهام في البناء والتطوير. وأخيراً إن البديل الذي نبحث عنه هو تفعيل قرار الدكتور باصرة، فهو يستشرف المستقبل، بوصفه الخطوة التأسيسية لأي تغيير منشود.. تلك هي المسئولية التي تنتظر القائمين على الجامعة أن يقيلوا العثرات، فنحن ننظر إليهم بوصفهم رجال العلم والتنوير.