إن قرارات باصرة التي اتخذها حينما كان رئيساً لجامعة صنعاء مازالت تكتسب قوتها حتى اليوم، بالدرجة التي أرادها، لكنها أصبحت تستغل بطريقة تدميرية.. كان باصرة قد اتخذ قراراً بعدم التجديد لأي وافد أمضى أربع سنوات، إضافة لمن لم يقدم أبحاثاً علمية وكتاباً منهجياً، وقد استغلت بعض الكليات هذا القرار في الأسبوع الماضي وألغت عقوداً كثيرة بعد أن اكتشفت أن مجموعة هؤلاء الوافدين لم يقدموا أبحاثاً منذ عام 88م، أي منذ عشرين عاماً، واستبشرنا خيراً بهذه الصحوة الوطنية من قبل عمداء الكليات وانتظرنا الإعلانات لإحلال اليمنيين محل هؤلاء الوافدين، ولم تمض أكثر من يومين حتى عاد كل هؤلاء الوافدين، وكان المبرر أن هؤلاء مطاردون سياسياً ولا يستطيعون العودة إلى بلدانهم، والحقيقة ليست كذلك. نحن لسنا ضد الإخوة الوافدين؛ ولكننا مع تنفيذ قرارات باصرة بوصفها تخدم العملية التعليمية والأكاديمية، وأنا أطلب هنا التحقيق في هذا الأمر ومعرفة أسباب الإلغاء، ثم العدول عنه. إن مثل هذه الممارسة تخلق اضطراباً على نطاق واسع حينما يتحول اكاديميون في الجامعة إلى مراجعين لهؤلاء الفاشلين، والحجة أن اليمني لا يسمع كلاماً؛ بينما الوافد ينفذ ما يُطلب منه. هل نستطيع القول اليوم: وداعاً لقرارات باصرة، لأن قراراته حرمت هؤلاء السماسرة من الإتجار بمستقبل الوطن، أم أن باصرة مازال قادراً على متابعة قراراته خاصة أنه مازال يمتلك القرار بوصفه وزيراً للتعليم العالي؟!، يستطيع ذلك فهو يحمل هماً وطنياً نلمسه بوضوح. لقد قال لي أحدهم إن استمرار الوافدين يحقق للبعض مغانم اقتصادية جمة وعديدة. نحن لسنا ضد الوافدين الذين تنطبق عليهم الشروط، بل نحن ضد فكرة التجديد السنوي، نحن مع وضع فترة العقد لمدة أربع سنوات حتى نحفظ لهذا الوافد كرامته، وحتى يستطيع ممارسة عمله الأكاديمي بحرية. ومن هنا لابد من وضع معايير لكل من يتقلد منصب عميد كلية باعتبارها الضمانة الأكيدة وربما الوحيدة ضد احتمالات انحراف الجامعات عن كونها مؤسسات تلتمس وتبحث عن الحقيقة العلمية والفلسفية. وعلى الرغم من معرفتي المسبقة أنني أقترب كثيراً من عش الدبابير بفتحي لهذا الموضوع؛ إلا أن السكوت عن مثل هذه الممارسات تفتح المجال واسعاً أمام السماسرة وتقصي الأكاديميين الحقيقيين والفاعلين وتضر بمستقبل الوطن وتجعل الجامعة غير قادرة على أداء وظيفتها العلمية والمعرفية والاجتماعية والتنموية. ومن مساوئ النظام داخل الجامعات اليمنية أنه لا يقنن التمييز بين أعضاء هيئة التدريس من المواطنين والوافدين، فلا يوجد حرص على توفير حقوق أعضاء التدريس من أبناء اليمن، فالوافدون هم الذين يتمتعون بالمرتبات العالية والحصول على السكن الجامعي والإقامة في عواصم المدن. وكما قلنا لا يوجد التزام بالمعايير الموضوعية والعلمية في مجال التعيين والتقويم والترقية والتأهيل، حيث يلجأ الكثيرون من عمداء الكليات إلى تقريب الوافدين منهم وتمكينهم من الأقسام العلمية والكنترول؛ لذلك فإن أعضاء هيئة التدريس من اليمنيين في الجامعات اليمنية يشعرون بالعزل والتهميش. والمطلوب من الأخ وزير التعليم العالي التحقيق فيما جرى؛ لأن ذلك يمس بقداسة الجامعة ومستقبل الوطن.