لقد لفت نظري لافتة حملها اثنان من اعضاء هيئة التدريس بجامعة صنعاء اثناء الاضراب الذي دعت إليه النقابة كتب على هذه اللافتة : «نطالب بالحريات الاكاديمية داخل الجامعة» والحقيقة ان هذه العبارة استوقفتني كثيراً، إذ لأول مرة تتنبه النقابة لمثل ذلك، فهي دائماً تطالب بزيادة الراتب ولاشيء غير ذلك. فالمطالبة بالحريات الاكاديمية يعني أن النقابة قد استوعبت ان الحرية الاكاديمية، واستقلال الجامعة شرطان اساسيان لكي تصبح الجامعة مركزاً لانتاج المعرفة العلمية وتطويرها وتعديلها، لكنني لا أعتقد ذلك، فالملاحظ هو تسييس العمل داخل الجامعة، وأنا لا أقصد بالتسييس هنا علاقة الجامعة بالسلطة السياسية، أو المعارضة، وانما أقصد أن مجموعة من الاساتذة والمثقفين قد استدرجوا إلى العمل السياسي، وهذا ليس عيبا، لكن في ظل ظروف الجامعة الراهنة وعدم استقبلالها مالياً وإدارياً، قد ادى إلى اختلال داخل العملية التعليمية والنشاط الجامعي برمته، مماجعل الاحزاب السياسية تنقل صراعاتها إلى داخل الجامعة. أجدني مضطراً هنا لاهمس في آذان الاخوة اعضاء هيئة التدريس واقول ان انتزاع الحرية الاكاديمية يقتضي انتزاع الحرية الدينية، فهل أنتم مستوعبون ذلك، أم لا ؟ فالحرية الاكاديمية قد تدفع بالقوى الاصولية نحو المقدمة، دون ان تعترف هذه القوى بحقوق الآخرين وحرياتهم والحرية هنالاتخص هيئة التدريس والبحث فقط، بل الطلبة والاداريين وكل العاملين في المؤسسة الجامعية. الإخوة في نقابة اعضاء هيئة التدريس حقا اسعدونا وهم يضعون في مطالبهم هذه المفردة العظيمة، لكنني اقول لهم هناك فرق جوهري بين ان يعبر عضو هيئة التدريس أو أي تنظيم طلابي عن موقفه من قضية من القضايا العامة، وبين أن يحول موقعه إلى منبر للدعوة لهذا الحزب أو ذاك، أو لهذه الطائفة أو تلك. اعرف أن اغلب من في النقابة من المعارضة، لذلك فهم يطالبون بالاستقلال عن الحكومة، وهذا مفهوم قاصر، لان الاستقلال ينبغي ان يشمل قوى الضغط الأخرى الموجودة في المجتمع. اضافة إلى ماسبق فإن الحرية الاكاديمية تعني التوقف أمام الجامعات الخاصة التي تقوم على الربح والتي تحول استاذ الجامعة إلى مجرد موظف. ومن هنا فإن النقابة معنية بالتوقف أمام الجامعات الخاصة وتقييمها ومنع اعضائها من التدريس بالجامعات الخاصة التي لاتتطبق عليها الشروط العلمية والمقاييس الاكاديمية. ذلك ان الحريات الاكاديمية تقوم على حقيقة العلم ولاتبرر هذه الحريات الاية وفي حدوده والبعد عن حقيقة العلم يجعلنا تنطلق من مصالحنا الحزبية، فيتحول العلم ومعه المعرفة إلى سياسة وآراء حزبية وتتحول الجامعة إلى حلبة صراع بين الاطراف المختلفة. وارجو عندما نتحدث عن الحريات الاكاديمية ان نقف أولاً على العناصر المؤدية إلىها، فهي لاتقوم في جامعات تفتقر إلى الامكانات المادية والبشرية، ولاوسط اكتظاظ المدرجات والقاعات ولافي ظل غياب الكتب والمراجع والتجهيزات المناسبة. ولافي ظل تلقين المعلومات من دون تمكين الطلبة من المناقشة وطرح آرائهم. ولكي نكون منصفين نقول ان مجموع الاساتذة قد استغلوا الجامعة للدعاية السياسية والحزبية، وليس ذلك حكراً على طرف دون آخر، فقد ساهم في ذلك مدرسون ينتمون للحزب الحاكم وآخرون إلى اليسار والاصلاح والموضوعية تقتضي القول ان مايجري داخل الجامعات اليمنية لاتتماش والحريات الاكاديمية. والمشكلة ان الاساتذة قد نقلوا خلافاتهم إلى طلابهم مماجعل الطلاب يميلون إلى العنف ضد بعضهم البعض واخيراً اقول ان الحريات الاكاديمية لن تتم مالم تتشكل مجموعة من الاساتذة المستنيرين الذين يكرسون كل مالديهم من اجل نشر افكارهم التي تخدم الوطن ومستقبله وليس الاحزاب والافراد، فالاساتذة لدينا ثلاثة اقسام : قسم سار مع المعارضة ومالاها. وقسم اكتفى بالتدريس وظيفة ومهنة وانعزل وقسم احتى بالسلطة والحزب الحاكم ليداري قصوره وضعفه. نحن بحاجة إلى عقد اخلاقي ينظم توجهاتنا وارتباطنا بالمهنة وبقوانينها.