من كل بقعة في العالم شدوا الرحال إلى صنعاء بدعوة وبغير دعوة فثمة عرس ديمقراطي مهيب، يقام في اليمن، وثمة أسرار وأسئلة الكل يبحث لها عن فرصة إجابة. تحدثت مع السيد/ فاليس برولاند أحد المراقبين الوافدين على اليمن حول الانتخابات اليمنية، وانطباعات الإنسان الأوروبي حول مايجرى على ساحة اليمن من تفاعلات ديمقراطية، فلم يخفِ سراً صاحبي بمصارحتي أن المهتمين بالشأن السياسي لا يستطيعون تخيلاً أن في هذه البقعة من العالم تجرى انتخابات رئاسية وأخرى محلية، خاصة في ظل ما يشاع حولها من فقر، وحديث حول الإرهاب. يقول السيد/ برولاند: عندما يسمع المرء بالانتخابات الرئاسية في اليمن يتبادر إلى رأسه في الحال أنها عملية شكلية كالتي تجرى في بعض الدول العربية التي يخرج فيها الرئيس بفوز نسبة 99%، لكن الحقيقة على أرض الواقع مختلفة جداً، فهناك تنافس حقيقي على الرئاسة كالذي يحدث في أي بلد أوروبي.. وهذا الأمر يثير فضول العالم ليطّلع على تجربة حقيقية. المشهد الديمقراطي اليمني هو الأكثر إثارة لفضول العالم.. لذلك تقاطرت الوفود إلى اليمن لتستمتع بمفردات هذا العرس المهيب.. وفود أوروبية، وأمريكية، وعربية، وآسيوية، ومنظمات غير حكومية من مختلف بلدان العالم تصل إلى صنعاء تباعاً ، وهي في أشد الشوق لاكتشاف كيف لبلد فقير، ترتفع فيه نسب الأمية إلى معدلات عالية، وكذلك نسب البطالة، وتتفشى فيه الكثير من الظواهر السلبية كانتشار الأسلحة وظاهرة الثأر، وزراعة القات يمكن أن يمارس ديمقراطيته وحرياته في الترشيح والانتخاب، وخوض تجربة الدعاية الانتخابية من واقع احترام الرأي والرأي الآخر..! الأمر مثير حقاً، ويستحق الكثير من التأمل.. ولعله سيكون في النهاية درساً كبيراً في مناهج دعاة التحول الديمقراطي.. فاليمن صحيح تعاني من كل تلك المشاكل والتحديات ، لكنها تراهن على التحول الديمقراطي كخيار أصوب لمواجهة التحديات، وحل الكثير من المشاكل الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والأمنية. قد نجد البعض يتحدث عن أخطاء في الديمقراطية اليمنية، أو قصور في أنظمة وإجراءات ممارسة العملية الانتخابية.. سواء ما تعلق منها باللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء، أم بالأحزاب والتنظميات السياسية والقوى الوطنية المختلفة من حيث اتفاقاتها، وحواراتها، وتنسيقاتها، أو حتى خطابها السياسي والإعلامي.. لكنها بلاشك هي في معطياتها النهاية متقدمة جداً عن التجربة التي سبقتها بل يمكن القول :إنها مختلفة إلى حدود بعيدة ، ليس فيما سبق ذكره وحسب ، بل حتى في الحماس الشعبي للمشاركة والتنافس. هكذا هو حال التجارب الديمقراطية التي شهدها العالم في كل مكان، تبدأ بأخطاء وعيوب ، ثم تمضي لتصحيح ذلك، وتجاوز كل آليات ووسائل الإخفاق حتى تبلغ قدراً من النضوج والاكتمال. وبالتأكيد إن وجود مراقبين ووسائل إعلام من مختلف أرجاء المعمورة هو عامل مساعد في الكشف عن مواضع القصور ومواضع النجاح بما يساعد على تنمية التجربة وتقدمها. بتقديري أن اليمنيين بالانتخابات القادمة سيكتبون تاريخ حقبة جديدة من حياتهم ، تمثل تتويجاً حقيقياً لجهود نضالية جبارة لقيادتهم السياسية التي صدقت وعودها في تنمية الديمقراطية والحريات في اليمن، وتقديم أنموذج عربي رائع لإرادة الخلق والنهوض والارتقاء الديمقراطي.. وفي الوقت نفسه فإن كل المنظمات الأجنبية والمراقبين ووسائل الإعلام سيكونون شركاء اليمن في كتابة صفحات هذه الحقبة ؛ لأنهم كانوا الشهود على مجرياتها ونزاهتها، وسيدلون أمام العالم بشهاداتهم هذه، مثلما سيكشفون عن أي جوانب تقصير أو خرق لتكون مهمة التجربة القادمة في تجاوزها. لا يسعنا إلا أن نقول : مرحباً بكل العالم ، وهو يجتمع اليوم في يمننا الحبيب ، ليشاطرنا أفراح عرسنا الديمقراطي، وليبني معنا مستقبل أجيالنا القادمة.